أمين قارة يكشف سبب مغادرته قناة الحوار التونسي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القصرين: مشاريع مبرمجة ببلدية الرخمات من معتمدية سبيطلة بما يقارب 4.5 ملايين دينار (معتمد سبيطلة)    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    بي هاش بنك: ارتفاع الناتج البنكي الصافي إلى 166 مليون دينار نهاية الربع الأول من العام الحالي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    صفاقس : "الفن-الفعل" ... شعار الدورة التأسيسية الأولى لمهرجان الفن المعاصر من 28 إلى 30 أفريل الجاري بالمركز الثقافي برج القلال    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة الوحدة الوطنية في تونس: التهديدات والوسائل المتاحة والخيارات الممكنة وحظوظ النجاح المرتقبة
نشر في باب نات يوم 24 - 09 - 2016


بقلم العقيد بالبحرية - متفاعد الاسعد بوعزي
الكاتب العام السابق للمركز الأرومغاربي للبحوث
والدراسات الإستراتيجية لمجموعة البلدان 5+5
لما كان يوسف الشاهد يتسلم مقاليد الحكم من سلفه الحبيب الصيد في حفل بهيج حضره كل الموقعين على وثيقة قرطاج وعدد من رؤساء الحكومات السابقة، وفي الوقت الذي كان هذا الأخير يوصي الحكومة الصّاعدة بضرورة تضافر الجهود للتغلب على الإرهاب ويحذّر من نتائج أيّ ضربة محتملة على اقتصاد البلاد الذي تأثر ايّما تأثّر من ضربتيْ "سوسة" و"باردو" ولم يعد يتحمل أيّ ضربة أخرى، تفاجئ الحضور بخبر وصلهم إلى التوّ ومفاده أن دورية عسكرية تعرضت إلى هجوم إرهابي في جبل "سمّامة" بالقصرين أسفر عن ثلاثة شهداء وعددا من الجرحى. التوقيت كان مدروسا والرسالة كانت واضحة لحكومة "الوحدة الوطنية" التي تمّ تحدّيها وهي تتهيأ لمباشرة مهامّها.
في ما يلي وبصفة جدّ مختصرة وبعد التذكير بمهمة الحكومة الثامنة لما بعد الثورة والثانية بالنسبة للجمهورية الثانية، تطمح هذه الدراسة إلى التعريف بالخيارات الممكنة لهذه الحكومة لرفع التحدّيات على ضوء الوسائل المتاحة:
1) المهمة الموكولة لحكومة "الوحدة" الوطنية:
طبقا لما ورد بوثيقة قرطاج وما جاء في ببيان السيّد يوسف الشاهد لمّا تقدّم بطلب الثقة لحكومته من مجلس نواب الشعب، فان مهمة الحكومة تتمثل أساسا في محاربة الإرهاب ومقاومة الفساد وإيجاد حلولا لتوفير التنمية وتأهيل الإدارة وإسترجاع هيبة الدولة.
إن نجاح الحكومة في هذه المهام يكتسي صبغة حويّة للدّولة إذ يعلّق عليه التونسيون آمالا كبيرة لإنقاذ البلاد من الكارثة وهو ما يحتّم تحقيق انجازات وتقدّم على جميع الأصعدة في ما تبقى من سنة 2016 وإلاّ سوف يتمّ اللجوء إلى سياسة التقشف مع بداية سنة 2017 وهذا بشهادة الشاهد نفسه.
2) التهديدات والمعوّقات:
2.1) التحدّيات:
إن النجاح في المهمّة المناطة بعهدة الحكومة يمرّ حتما عبر مجابهة تحدّيات عدّة في جميع الميادين والمجالات سأكتفي بدراسة ما يتعلق منها بالإرهاب والفساد والسياسة وذلك استجابة لما تمليه عناصر المهمّة من ناحية ولكون هذه التحديات تمثل شرطا أساسيا لتحقيق التنمية والرّفاه متى تمّ التغلب عليها:
الإرهاب:
منذ إعلان جبهة النصرة منظمة إرهابية يوم 17 أوت 2013 إثر إغتيال المناضلين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ما انفكّ الإرهاب يمثل اكبر التحديات لكل الحكومات المتعاقبة على الحكم بتونس. ولئن سجل الجيش الوطني والأجهزة الأمنية عدّة عمليات إستباقية ساعدت على تفكيك بعض المجموعات الإرهابية وإضعاف ما تبقى من كتيبة "عقبة ابن نافع"، فإن ما يعرف "بالدولة الاسلامية" نجحت في تنفيذ ثلاثة عمليات نوعية بكلّ من "باردو" و"سوسة" وشارع محمد الخامس بالعاصمة ما أدّى إلى شلّ القطاع السياحي الذي يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد التونسي.
اليوم وحكومة الشّاهد تتسلم مهامها، فإن كل المؤشرات تنبئ بعودة العديد من المقاتلين "الدّواعش" المتمرّسين عن القتال بعد طردهم من "الأنبار" (العراق) و"سرت" (ليبيا) ومن المنتظر أن تزداد وتيرة هذه العودة مع اقتراب هزيمة "الدولة الإسلامية" في كل من "الموصل" و"حلب".
"لوبيات" الفساد:
تسبب ضعف الحكومات السابقة في سيطرة "لُوبيات" الفساد والمنظمات المافيوزية على معظم القطاعات الحيوية بالبلاد وتغلغلها في الإدارة عبر مؤسسات المراقبة مثل الجمارك والحرس الحدودي وغيرها من المؤسسات الفاعلة بالبلاد وقد ساعد البعض من وسائل الإعلام والجهات النافذة في الحكم على تفشي هذه الظاهرة. وفي ضلّ هذا الوضع الهشّ، تحالفت هذه اللّوبيات مع وجوه سياسية معروفة ومع بارونات التهريب المتحالفين بدورهم مع الإرهاب فأصبح الوضع ضبابيا تصعب فيه الرؤية بسبب تشتت الجهد ألاستعلاماتي بين عدّة مراكز في غياب هيئة استعلامات مركزية. ونتيجة كل هذا، أصبح الفساد بمثابة الوباء حسب ما صرّح به العميد شوقي طبيب رئيس الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي ليسجل أرقاما ومؤشرات مفزعة حسب ما جاء في جرد شامل قدّمه الشاهد في كلمته المشهودة أمام مجلس نواب الشعب يوم 26 أوت 2016.
التهريب:
إن التهريب ليس بظاهرة جديدة أتت بها الثورة بل كان شائعا ويكاد يكون مقنّنا منذ عهد النظام السابق في كل المناطق الحدودية (الجنوبية منها والغربية) التي تفتقد إلى التنمية وتكثر فيها البطالة. وكانت الدولة تغضّ الطرف عن المهربين لعجزها عن إيجاد البديل لاستيعاب الشباب المهمّش في تلك المناطق المحرومة ولكونها تستعين بهم كمخبرين لمعرفة ما يجري على امتداد الشريط الحدودي. ما حدث بعد الثورة هو تفشّي هذه الظاهرة وتحالف المهربين مع الإرهابيين وذلك بحكم ضعف الدولة من ناحية وبحكم القواسم المشتركة بينهما من ناحية أخرى فكلاهما يعمل في السرّ ويستعمل نفس السّبل ويسعى إلى إضعاف الدولة لتحقيق أهدافه ونتج عن هذا التحالف أن أصبح المهربون مخبرين لدى الإرهابيين ومموّليهم بكل المواد بما فيها الأسلحة والذخيرة مقابل ضمان سلامتهم. وبما أن السّلع المهرّبة لم تعد تقتصر على دول الجوار بل أصبحت تأتي من وراء البحار، فان رجال الأعمال الفاسدين دخلوا على الخط فأصبح المهربون الصّغار بمثابة الموضّفين لدى هؤلاء الأباطرة الكبار ومن هنا نشأ تحالف بين الإرهاب والتهريب والفساد.
وفي ضل هذا الوضع المتردّي، فان حكومة "الوحدة الوطنية" سوف تواجه تحدّيات كبيرة للتعاطي مع هذه الشبكات الإجرامية التي تهدّد امن البلاد واستقرارها وسلامتها وتدفع بإقتصادها نحو الإفلاس بعدما فاق الاقتصاد الموازي كل التوقعات إذ أصبح يكلف الدولة خسارة سنوية تعادل أربعة نقاط تنمية اي ما يساعد على تشغيل حوالي 60 ألف من العاطلين عن العمل.
2.2) الاستنتاجات:
 إن ضرب لوبيات الفساد وتفكيكها يمثل أولوية قصوى تأتي على رأس أولويات حكومة الشاهد إذ بدونه لا يمكن القضاء على الاقتصاد الموازي وتجفيف منابع تمويل الإرهاب وبسط هيبة الدولة.
 إن تشتت الجهد ألاستخباراتي بين عدة أجهزة أمنية في غياب قيادة موحدة لا يساعد على محاربة الإرهاب وتفكيك عصابات التهريب والفساد وهو ما يحتم بعث وكالة وطنية للاستعلامات في اقرب الآجال.
 إن تطهير الإدارة يمثل شرطا حتميّا للقضاء على الفساد وتشجيع الاستثمار ودفع عجلة التنمية.
 إن القضاء على شبكات التهريب عبر الحدود البرية لا يمكنه أن يتمّ دون التفكير في حلول بديلة لضمان لقمة العيش للذين يتعاطون هذا النشاط.
2.3) المعوّقات:
علاوة على التهديدات التي ستواجهها حكومة الوحدة الوطنية من مجموعات أشهرت عدائها للدولة، فإن المعوّقات التي تسببت فيها الحكومات السابقة تمثل تحدّيات لا بدّ من التغلّب عليها لضمان النجاح في الحرب على الإرهاب والقضاء على التهريب والفساد:
المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب:
ما إن تم إعلان الحرب عن الإرهاب حتى نادى جلّ التونسيين بتنظيم مؤتمر وطني للخروج بإستراتيجية متفق عليها لمقاومة هذه الآفة. تم تبنّي هذا المقترح من طرف السيد المهدي جمعة رئيس حكومة "التكنوقراط" وتم الإعلان عنه يوم 3 مارس 2014 في لقاء جمعه مع ستة وعشرون من ممثلي الأحزاب في المجلس التأسيسي. لم يوضع هذا الإعلان موضع التنفيذ وسرعان ما أصبح موضوع تجاذبات سياسية. ولما تولّى السيد الحبيب الصيد رئاسة الحكومة المنتخبة، تم إعلان موفى شهر أكتوبر 2015 كحدّ أقصى لتنظيم هذا المؤتمر الذي لم يكتب له الإنعقاد إلى حدّ هذا اليوم لإمتناع حركة النهضة عن المشاركة. وفي ضل غياب إستراتجية وطنية يتم تنفيذها بدعم من كل التونسيين، فانه لا يمكن التغلب على الإرهاب.
مشروع المصالحة الاقتصادية:
تمرير مشروع المصالحة الاقتصادية هو بدوره يمثل أهمية بالغة كي تنجح حكومة "الوحدة الوطنية" في إعطاء دفعا للتنمية. يتعلق هذا المشروع ببعض رجال الأعمال الذين تم تجميد نشاطاتهم من اجل شبهة الفساد وهو يلقى معارضة شرسة من بعض القوى اليسارية المتشددة من أجل أغراض سياسية بحتة.
الحوار الوطني حول الوضع الاجتماعي:
يكتسي هذا الحوار صبغة عاجلة من اجل الاتفاق على خريطة طريق لتحسين الوضع الاجتماعي المتردي من اجل إرساء السلم الأهلي والمحافظة على الوحدة الوطنية (التي هي ضمان النجاح) والاتفاق على "هدنة" اجتماعية بما يسمح للحكومة بمعالجة بعض الملفات الحارقة. هذه الفكرة لم تلق تجاوبا من قوى اليسار ومن الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب دوافع وأجندات سياسية ضيقة تتعلق بكل طرف. ما لم يتم إرساء هدنة اجتماعية، فان هذه الأطراف السياسية ستدفع بالبلاد نحو التأزم بتشجيع بعض الشباب المعطل عن العمل ورابطات حماية الثورة المنحلة إلى قطع الطرق وتعطيل عجلة الإنتاج وقد يصل الأمر أصلا إلى تحريك النعرات القبلية والجهوية على غرار حملة "وينو بترولي" المبيتة آو قضية "بيتروفاك" (بريتش غاز) التي تورطت فيها أحزاب سياسية من أقصى اليسار ومن أقصى اليمين وذلك باعتراف رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.
تركيبة الحكومة:
إن حكومة الشاهد تسمّى بحكومة "الوحدة الوطنية" وهي في الواقع ليست كذلك رغم حيازتها على ثقة البرلمان بغالبية مريحة (167 صوتا). وثيقة قرطاج التي تستند عليها هذه الحكومة لم يوقعها الاّ 12 حزبا ومنظمة اجتماعية. ما تغير في تركيبتها مقارنة بالحكومات السابقة هو انضمام حزب المسار (الحزب الشيوعي سابقا) فيما بقيت أحزاب المعارضة المعروفة بالشّراسة وقلّة المرونة تغرّد خارج السّرب وسوف تسعى جاهدة إلى تأزيم الوضع للدّفع نحو إنتخابات سابقة لأوانها وتأتي على رأس هذه الأحزاب "الجبهة الشعبية" التي أصبحت تقدّم نفسها بديلا للسلطة.
أمّا الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أمضى على وثيقة قرطاج وشارك في الحكومة (بطريقة غير مباشرة) بوزيرين من القيادات السابقة فقد صرح أمينه العام بان الاتحاد لا ينوي منح الحكومة صكا على بياض ولا يوافق على هدنة اجتماعية تتم على حساب الشغالين.
ومن اللاّفت للانتباه أن المكتب الجهوي للاتحاد "بتطاوين" استقبل الحكومة الجديدة وهي تؤدي اليمين أمام رئيس الجمهورية بإضراب عام شمل كامل الولاية للمطالبة بتشغيل العاطلين عن العمل في قطاع البترول وكان هذا الإضراب مشفوعا بإضرابات أخرى شملت ولايتي "باجة" و"سيدي بوزيد" للمطالبة بالتنمية والتشغيل في قطاع التعليم. وان دلّ هذا على شيء فهو يدلّ إمّا على عزم الإتحاد على المواصلة في ليّ ذراع الحكومة أو على خروج المكاتب الجهوية عن طاعة القيادة المركزية ودخولها في حملات انتخابية سابقة لأوانها خاصة وان المؤتمر العام للمنظمة الشغّيلة يشرف على الانعقاد (جانفي 2017). وفي كلتى الحالتين فان الحكومة لا يمكنها التعويل على الاتحاد العام التونسي للشغل للحصول على هدنة اجتماعية.
أما حركة النهضة التي صرّح رئيسها راشد الغنوشي (في ندوة صحفية عقدها بمدينة صفاقس يوم 4 سبتمبر 2016) أن حكومة الشاهد بإمكانها تحقيق نجاحات في الاقتصاد والتنمية، فقد قرنت مساندتها الحكومة بمدى التزام هذه الأخيرة بما جاء في وثيقة قرطاج.
وإذا ما علمنا أن تاريخ هذه الحركة يتسم بإزدواجية الخطاب وأنها تقدّم أجندتها الحزبية على أجندة الحكومة، فإن السّيد يوسف الشّاهد عليه الإعتماد على الكثير من المناورة لإقناعها بضرورة مساندته وحثّها على التجاوب مع سياسة حكومته التي هي طرف فيها. وفي كل الحالات، فان بقاء حكومة الوحدة الوطنية يتوقف بصفة كبيرة على بقاء العلاقة الوطيدة بين حركة النهضة ونداء تونس وبالأحرى على بقاء العلاقة الشخصية بين رئيس الحركة راشد الغنوشي ومؤسس نداء تونس ورئيس الدولة الباجي قايد السبسي.
بقي الإشارة إلى أن هذه الحكومة تعتبر شابة (معدل الأعمار يقل عن 45 سنة) والمرأة ممثلة فيها بنسبة محترمة وهو ما نال رضاء الرأي العام غير أنها بنيت على محاصصة حزبية وبعض الوزراء تم تعيينهم في غير اختصاصهم وهو ما قد يشكل لهم عائقا في أداء مهامهم.
تفشّي ثقافة خرق القانون:
إن تفشي ثقافة خرق القانون والاحتكام إلى قانون الغاب من أهم التحديات التي تواجه الحكومة في سعيها لبسط هيبة الدولة. وتفسر هذه الظاهرة بان غالبية الشعب التونسي أصبح لديها مفهوما خاطئا لأحكام الدستور، فهي تستفيد من الفصول المتعلقة بالحريات العامة وترفض عن قصد أو غير قصد القوانين الترتيبية التي تفسر أحكام الدستور. فالفصل 36 من الدستور يسمح بالعمل النقابي والإضراب فيما لا يسمح القانون بالإضراب العشوائي وقطع الطرق وإجبار العملة على مغادرة العمل وغلق المصانع ووحدات الإنتاج. الفصل 37 من نفس الدستور يسمح التظاهر والتجمهر فيما يمنع القانون مهاجمة وإحراق مراكز الشرطة ومؤسسات الدولة. لا شك أن البعض من التونسيين أصبحوا يحتكمون إلى قانون الغاب لأخذ حقوقهم بأديهم وتبقى الدولة عاجزة أمام هذا المشهد خوفا من أن توصف بالدولة البوليسية التي تعتدي على حقوق وحريات مواطنيها. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فلا أمل للدولة أن تسترجع هيبتها ولا يمكن لها تحقيق أيّ تقدّم بدون فرض القانون.
الجمعيات المشبوهة:
عديدة هي الجمعيات ذات التمويلات والتوجهات المشبوهة التي تسعى إلى مساندة بعض الأحزاب السياسية والدعاية إليها عبر استهداف المساجد وشراء الذّمم. وان كانت حكومة السيد الحبيب الصيد قد بدأت في التعامل معها طبقا لما يقتضيه القانون فانه يبقى لزاما على حكومة السيد الشاهد أن تواصل التصدي إلى هذه الجمعيات التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
2.4) الإستنتاجات:
 إن كسب المعركة ضد الإرهاب لا يمكن له أن تتم بدون إستراتيجية واضحة تشترك في بلورتها كلّ القوى الفاعلة بالبلاد وجميع الجهات المعنية لتوجيه كل الجهد نحو هذه الآفة للقضاء عليها،
 إن تحقيق المصالحة الاقتصادية وإرساء السّلم الاجتماعي عبر هدنة متفق عليها مع النقابات والأحزاب السياسية يمثلان شرطين أساسيين لإحراز تقدما على الصعيد الاقتصادي،
 إن نجاح الحكومة في تحقيق برنامجها يمرّ حتما عبر تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية وهذا لا يمكنه أن يتم بدون التأكد من مدى صدق حركة النهضة في مساندة الحكومة وتطبيق القانون على كل الأحزاب والمجموعات التي تحرض على العنف وحلّ الجمعيات ذات التمويلات والتوجهات المشبوهة.
 إن التعويل على حكومة بنيت على المحاصصة الحزبية وعلى وزراء تم تعيينهم في غير اختصاصاتهم يشكل عائقا كبيرا لأداء المهمة وهو ما يحتّم على رئيس الحكومة فرض الانضباط داخل فريقه وان يكون على درجة عالية من اليقظة واللجوء إلى مجالس وزراء مصغرة لمتابعة كل الملفات.
3) الوسائل المتاحة:
إن التغلب على التهديدات ورفع التحدّيات وتجاوز المعوّقات يتطلب علاوة عن الاستراتيجيات والسياسات المُحكمة أن يتوفر لدى الحكومة حدّ ادني من وسائل الذاتية وغير الذاتية:
3.1) الوسائل الذاتية:
شخصية رئيس الحكومة:
إن نجاح حكومة الوحدة الوطنية، يتوقف قبل كلّ شيء على رئيس الحكومة نفسه وعلى مدى توضيفه لعناصر القوّة التي تعمل لصالحه. فهو شاب ذو مستوى علمي متميز وله خبرة ودراية بتسيير أمور الدولة ويبدو انه يتمتع بالحزم والجرأة ما جعل طيفا واسعا من التونسيين يعلق عليه آمالا كبيرة. خطابه أمام مجلس الشعب بمناسبة تقديم حكومته اتسم بالصّدق والصراحة ما جعله يحضى بتعاطف العديد من مواطنيه حسب ما عكسته وسائل الاعلام.
الأغلبية "الصّامتة" من الشعب:
يمثل التونسيون الغير منخرطين في الأحزاب السياسية الغالبية العظمى من الشعب التونسي. وللتذكير فقط، أن حوالي ثلثي التونسيين لم يشاركوا في الانتخابات السابقة وأصبحوا يُعرفون بالأغلبية الصامتة. هذه الأغلبية التي لا ولاء لها لغير تونس يمكن للشّاهد أن يعوّل عليها لمساندته متى اقتنعت بعزمه على المضي قدما في محاربة الفساد والإرهاب ورأت فيه الرجل المناسب لإخراج تونس من الوضع المتردّي الذي سقطت فيه.
مؤسستي الدفاع والداخلية:
ما من شكّ أن المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية تمثّل العمود الفقري للدولة فيما يتعلق بحربها على الإرهاب وركيزة أساسية لمقاومة الفساد. وقد برهنت هاته المؤسسات على مرونة عالية في التأقلم مع التهديدات اللاّنمطية وما انفكت تسجل نتائج باهرة على الإرهاب غير أن الحسم في هذه المعركة يتوقف على الإستراتيجية الوطنية لمقاومة الإرهاب التي طال انتظارها.
ولضمان أوفر حظوظ النجاح في ما يتعلق بالأمن والدفاع، أبقى يوسف الشّاهد على وزير الداخلية ووزير الدفاع والمدير العام للأمن الوطني المنتمين إلى الحكومة السابقة لما برهنوا عنه من حرفية ونجاعة في التعاطي مع التهديدات والتحديات الأمنية وهي مبادرة تحسب اليه.
وزارة العدل:
يعوّل رئيس الحكومة على وزارة العدل للتعجيل بمعالجة الملفات العالقة والمتعلقة بالإرهاب والفساد لخلق أرضية مناسبة للتنمية والاستثمار. ولهذه الغاية، كلف على رأس هذه الوزارة احد القضاة الذي اثبت جدارته لما كان وزيرا للدفاع في حكومة "التكنوقراط" لمهدي جمعة. ومهما يكن من أمر، فان هذه المهمة لا يمكنها أن تُنجز ما لم يتم تطهير الوزارة من القضاة الفاسدين.
3.2) الوسائل الغير ذاتية:
الدعم السياسي الخارجي:
تحضى حكومة "الوحدة الوطنية" بدعم سياسي من الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة الأمريكية التي نزّلت تونس منزلة الحليف الإستراتيجي الغير عضو في الحلف الأطلسي.
التعاون الإقليمي في مجال الأمن والدفاع:
تنتمي تونس إلى مجموعة البلدان 5+5 دفاع (الحوض الغربي للمتوسظ) ويقتصر النشاط العسكري لهذه البلدان على التنسيق فيما يتعلق بمكافحة الهجرة الغير منظمة وسلامة الملاحة البحرية والجولان الجوّي. أما في ما يخص محاربة الإرهاب فهي تنسق مع بلدان الجوار وبلدان الساحل الإفريقي في ما يتعلق بتبادل المعلومات ألاستخباراتية وتأتي الجزائر على رأس هاته البلدان بحكم تواجد المجموعات الإرهابية في السلسلة الجبلية على طول الحدود بين البلدين.
3.3) الإستنتاجات:
 إن السيد يوسف الشاهد ذو قدرات علمية عاليه وله دراية بأمور الدولة وشبابه يميّزه عن كلّ أسلافه الذين سبقوه في رآسة الحكومة. نجاحه يتوقف على مدى تحلّيه بالجرأة والتعجيل بالبدء في معالجة الملفات الحارقة وعلى رأسها محاربة الفساد. وهنا وجب التأكيد على انه بقدر ما يتّسم بالجرأة ويعجّل بالضرب على أيدي الفاسدين بقدر ما يبعث الأمل في شعبه. فهو في سباق مع الزمن إذ انه على ضوء القرارات التي سوف يتخذها في الشهر الأول من ولايته سوف تقرر حيازته على ثقة الشعب من عدمها.
 إن الحسم في الحرب على الإرهاب يتوقف على بلورة إستراتيجية وطنية للغرض وعلى التنسيق الاقليميي فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخبارية.
 إن تطهير وزارة العدل من القضاة الفاسدين يساعد على التعجيل بمعالجة الملفات العالقة المتعلقة بالفساد ولإرهاب.
4) الخيارات الممكنة وحظوظ النجاح المرتقبة:
بعد مقارنة الوسائل المتاحة بالتّهديدات والمعوّقات، وبحكم الاستنتاجات المبينة أعلاه، فان حكومة الوحدة الوطنية ليس أمامها سوى
الخيارين التاليين لانجاز المهمة:
4.1) الخيار الأول: تطبيق سلطة القانون ("سيناريو" مسك الثور من قرنيه)
هذا الخيار يتطلب من رئيس الحكومة الكثير من الجرأة والحنكة والشجاعة والصبر والمناورة لتطبيق القانون ولا غير القانون لاجتثاث أمراء الحرب وبارونات التهريب وزعماء المافيا والفساد. كما يتطلب منه الإلمام بكل الملفات واللجوء إلى عقد مجالس وزارية مضيقة لإقرار المشاريع ومتابعة انجازها. هذا الخيار يمكن أن يتمّ تنفيذه عبر مراحل على النحو التالي:
المرحلة الأولى: تطهير مؤسسات الدولة
تمهّد هذه المرحلة للمراحل التي تليها وهي تبدأ بتطهير كلّ من وزارة العدل من القضاة الفاسدين وكذلك الإدارة ممّن ثبت ارتباطهم بأباطرة التهريب ومراجعة قائمات الذين تمّ انتدابهم ضمن قانون العفو التشريعي العام على أسس أخرى غير النزاهة والكفاءة ونكران الذات.
تشمل هذه المرحلة أيضا الإعداد لكلّ من المؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب والحوار الوطني حول السلم الاجتماعي وعقد موعدين لهما في اقرب الآجال (في ظرف 45 يوما) للخروج بإستراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب والاتفاق على خارطة طريق تتعلق أساسا بالتنمية والتشغيل.
ويدخل ضمن هذه المرحلة مواصلة دعم المؤسستين العسكرية والأمنية بالأفراد والمعدّات وتوحيد كل أجهزة الاستخبارات (كخطوة أولية قبل إعادة الهيكلة) تحت قيادة مركزية لما يكتسيه هذا الإجراء من أهمية في انجاز المراحل اللاّحقة. وفي هذا الإطار يتحتم على الحكومة مزيدا من التنسيق مع دول الجوار والبلدان الصديقة في ما يتعلق بمحاربة الارهاب.
المرحلة الثانية: تفكيك عصابات التهريب
تهدف هذه المرحلة إلى إحالة أباطرة التهريب والفساد على القضاء وتفكيك شبكاتهم. معظم هؤلاء الأباطرة هم من رجال الأعمال المعروفين لدى العموم ويمكن جلبهم للعدالة متى توفرت الإرادة السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن احد نواب الشعب من المتدخلين في مداولات الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، طلب على الهواء مباشرة من رئيس الحكومة أن يخصص له موعدا كي يمدّه بقائمة اسمية لأباطرة التهريب. في هذه المرحلة، لا بدّ للحكومة من إيجاد حلولا بديلة لتشغيل فئة كبيرة من التونسيين الذين يستغلهم أباطرة التهريب مقابل لقمة العيش.
وقصد الإعداد إلى دفع التنمية وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، لا بد أن تشمل هذه المرحلة تمرير قانون المصالحة الاقتصادية وتنقيح مجلة الاستثمار.
المرحلة الثالثة: استرجاع هيبة الدولة
هذه المرحلة التي يمكنها أن تنطلق مع بداية المرحلة الثانية، لا بدّ لها أن تفرض دولة القانون والمؤسسات إذ لا يمكن الحديث عن التنمية والرفع في الإنتاج والإنتاجية وبسط الأمن في البلاد دون وضع حدّا للإعتصامات العشوائية وقطع الطرق وغلق المصانع ومهاجمة المراكز الأمنية وإحراق مؤسسات الدولة.
ولبسط هيبة الدولة لا بدّ أيضا من التصدّي للجمعيات والأحزاب المارقة عن القانون وللمتهربين من دفع الضرائب.
المرحلة الرابعة: مرحلة البناء
يتوقف الشروع في هذه المرحلة ونجاحها على نجاح الحكومة في انجاز متطلبات المراحل السابقة. فهي مرحلة البناء وتنفيذ البرامج الكبرى للحكومة المتعلقة بالتنمية والتشغيل وتحقيق الرّفاه للتونسيين. هذه المرحلة متى تمّت سوف تثبّت نجاح المرحلة الانتقالية لأول حكومة في الجمهورية الثانية وسوف تساعد الحكومة المقبلة على تولي مسؤولياتها وتونس تعيش وضعا من الاستقرار والانتعاش الاقتصادي.
4.2) حظوظ النجاح بالنسبة للخيار الأول:
لا شك أن هذا الخيار سوف يلاقي صعوبات وعراقيل شتّى من جميع الجهات لعلّ من أهمّها:
حركة النهضة التي سوف لا تقبل مراجعة قائمات الذين تم تشغيلهم في إطار قانون العفو التشريعي العام والذين تم انتدابهم في عهد حكومة "الترايكا" التي كانت تتزعمها. وهنا، وجب على رئيس الحكومة إقناعها وان تعذر ذلك مساومتها على ملفات تتعلق ببعض التجاوزات التي تمت في ضلّ حكومتها.
الاتحاد العام التونسي للشغل من المنتظر أن يدخل في صراعات داخلية تتعلق بالانتخابات المقبلة (جانفي 2017) ما قد يؤدي إلى بعض الإنفلاتات في بعض المكاتب الجهوية. وهنا لا بدّ على رئيس الحكومة أن يكون محاطا بمستشارين على دراية بأمور الاتحاد وان يعتمد على الوزيرين المقربين منه لتهدئة الوضع الى حين انعقاد المؤتمر على أمل أن ينبثق عن قيادة أكثر واقعية وتفهم لمشاكل البلاد.
تحركات الجبهة الشعبية التي سوف تسعى جاهدة إلى إفشال عمل الحكومة للدفع إلى انتخابات سابقة لأوانها وذلك بتعطيل إنتاج "الفسفاط" بالحوض المنجمي وتأليب المواطنين في تلك الجهة وغيرها من الجهات المهمشة. وهنا يكون لزاما على السيد يوسف الشاهد أن يتواصل مع هذه الجهات المحرومة لطمأنة مواطنيها عن مستقبلهم وإعطائهم جرعة من الأمل عبر خارطة طريق تتعلق بالتنمية تتم بلورتها بشراكة مع أبناء الجهة والاتحاد العام التونسي للشغل.
تحريك النعرات الجهوية وبث الفوضى وقطع الطرق من طرف بعض الأحزاب التي خسرت الانتخابات الفارطة والتي تحرك لجان حماية الثورة المنحلة لإثارة البلبلة. وفي هذه الحالة يتعين على رئيس الحكومة مزيدا من التواصل مع أبناء الجنوب لكسب ثقتهم واستشارتهم في ما يتعلق بالتنمية في جهتهم والإسراع في إيجاد التمويلات اللازمة لبعض المشاريع المستعجلة وعلى رأسها بعث المنطقة الحرة بولاية "تطاوين". كما يتعين عليه أيضا تطبيق القانون بكل صرامة على كل من يثبت تورطه من أحزاب وسياسيين ومنظمات في مثل هذه الإعمال التي تمس بوحدة التونسيين واستقرار البلاد.
لا شكّ أن هذا الخيار يتطلب كثيرا من الجرأة والشجاعة لكونه سوف يتسبب في بعض القلاقل والتململات التي سرعان ما يتم تجاوزها بفضل دعم الشعب وتمسكه بهذا الخيار. إن هذه الفرضية متى تمّ انجازها سوف تخرج تونس نهائيا من وضعها المتردي وتجعلها من بين البلدان السائرة في طريق النمو.
4.3) الخيار الثاني: التوافق (سيناريو الانحناء للعاصفة)
هذا الخيار تمّ توخيه من طرف حكومات ما بعد الثورة وخاصة من طرف حكومة السيد الحبيب الصيد وهو يقوم على توافق كل الأطراف المشاركة في الحكم والقوى الفاعلة في المجتمع المدني على كل القضايا المتعلقة بأمور الدولة. فهو خيار يقوم على المحاصصة الحزبية ويهدف الى تقاسم السلطة والنفوذ وتحقيق مكاسب ضيقة دون السعي إلى تحقيق الأهداف العليا للبلاد وهو ما يفسر غياب استراتيجيات واضحة لكل الحكومات المتعاقبة ما جعل الدولة تفقد وحدتها الوطنية واستقرارها الأمني والاجتماعي وتتجه نحو الإفلاس الاقتصادي.
4.4 حظوظ النجاح بالنسبة للخيار الثاني:
إن سياسة التوافقات أثبتت فشلها مع الحكومات السابقة وآخرها حكومة السيد الحبيب الصيد. والتوافق يعني أن تتنازل جهة بعينها لفائدة جهة أخرى للوصول إلى أرضية مشتركة يمكن البناء عليها. وان كان هذا التمشي سائدا لدى بعض الديمقراطيات القديمة حيث تتفق الأحزاب الفائزة في الانتخابات على رسم سياسة الدولة ثم تترك الحكومة تنفذ هذه السياسة دون التدخل في شؤونها فان الوضع في تونس يختلف تماما حيث لا يتم التوافق على رسم سياسة الدولة بل يتم الاتفاق على تكوين حكومة محاصصة حزبية ثم يتمّ التدخل في شؤون تسييرها بصفة اعتباطية في ضلّ غياب سياسة مضبوطة يمكن الاهتداء بها لرسم أهدافا ثم تنفيذها. إن غياب هذه السياسة هو المتسبّب في غياب الدولة وضعفها على كل الأصعدة وفقدانها لهيبتها.
بقي الإشارة إلى أن التوافق في الديمقراطيات الحديثة وخاصة في البلدان ذات النظام البرلماني مثل بلادنا ليس بالهين إذ غالبا ما يتسم بالتجاذبات والمشاحنات وسياسة ليّ الذراع وهو ما يتسبّب في مضعية للوقت وينعكس سلبا على اقتصاد البلاد واستقرارها.
إن تونس اليوم في مفترق طرق وهي بين خيارين: خيار تطبيق القانون للخروج من المأزق أو خيار التوافق الذي قد يؤدي بالبلاد إلى عواقب وخيمة. لا شك أن الخيار الأول يتطلب كثيرا من الجرأة والشجاعة من طرف السيد يوسف الشاهد وحكومته وكثيرا من التضحية والصبر والمؤازرة من طرف الشعب لإنقاذ البلاد من المأزق الذي تردّت فيه. تونس بلد يزخر بالطاقات المبدعة والذكية والخلاقة وهي قادرة على تدارك أمرها، كل ما يلزمنا هوّ تطبيق القانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.