بقلم: مهدي الزغديدي كيفما اليوم كيفما اليوم 18 جانفي 1952 بدأت الثورة الشعبيّة المسلّحة في تونس ضد الإستعمار الفرنسي. رغم انتصار فرنسا ضمن الحلفاء في الحرب العالمية الثانية إلّا أن احتلالها من طرف ألمانيا النازية، وعدم قدرتها على دحرها إلّا بمساعدة الولاياتالمتحدة وبريطانيا سنة 1945 (انظر مقال 6 جوان). فبدأت الشعوب المستعمرة منذ ذلك الوقت تعي أن فرنسا غير قادرة على الصمود أمامها إن ثارت عليها، فبدأ الوعي ينتشر شيئا فشيئا بين الشعوب للمطالبة بالإستقلال (انظر مقال 8 ماي). ولم تشذ تونس عن تلك الشعوب، فبدأ الضغط السياسي على فرنسا حتى استطاع التونسيّون تشكيل أوّل حكومة دون الرجوع إلى المستعمر الفرنسي برئاسة محمّد شنيق سنة 1950، والتي تعهّدت بقيادة المفاوضات نحو الإستقلال الداخلي، بعد أن تعهّدت فرنسا بذلك. لكنّ فرنسا بدأت تتنصل من تعهداتها خاصة بعد المذكرة الموجهة محمد شنيق بتاريخ 15 ديسمبر 1951 والتي جاءت معبرة عن انقطاع الحوار بين الطرفين، مما جعل المواجهة الخيار الوحيد بعد استنفاد كل الوسائل والمحاولات السياسية والدبلوماسية. وبدأ الحزب الدستوري الجديد التعبئة والتوعية، وقام زعماؤه بزيارة أغلب مناطق البلاد لحث الناس وإعدادهم للمواجهة المنتظرة. وتكونت حول الحزب الحرّ الدستوري الجديد «جبهة وطنية» ضمت الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الشهيد فرحات حشاد والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد العام للفلاحين والمنظمات الشبابية والكشفية والطلابية والنسائية وساندت حكومة شنيق المطالب الوطنية. ولما تيقنت السلط الفرنسية من تصميم التونسيين على المواجهة والتحدي عوّضت المقيم العام لوي بيرلي بجان دي هوتكلوك المعروف بتشدده وتعصبه وحل بتونس في 13 جانفي 1952 فبادر بإصدار قرارات بتحجير الاجتماعات العامة والتظاهر ومنع الحزب من عقد مؤتمره المقرر ليوم 18 جانفي 1952. وأعطى الأوامر بإلقاء القبض على الزعيمين الحبيب بورقيبة والمنجي سليم في فجر مثل هذا اليوم 18 جانفي 1952. ورغم تلك الظروف وقرار المنع انعقد مؤتمر الحزب في نفس اليوم برئاسة الشهيد الهادي شاكر. وقد تضمنت اللائحة الصادرة عن المؤتمر عدم الاعتراف بالحماية والمطالبة باستقلال تونس وتنظيم العلاقات بين تونسوفرنسا على أساس الاحترام المتبادل وحماية الجاليات الأجنبية. وما إن شاع خبر إيقاف الزعيمين في مختلف الجهات حتى عمّت المظاهرات والاضطرابات كافة أنحاء البلاد فاتسعت دائرة قمع المستعمر لتشمل كل الوطنيين من مختلف الأحزاب والتنظيمات الوطنية وأصبحت مسؤولية فرض الأمن من اختصاصات الجيش بقيادة أحد غلاة الاستعمار الجنرال ڤرباي. وقد امتلأت السجون المدنية والعسكرية والثكنات والمحتشدات بآلاف التونسيين واستعملت ضدهم أشد وسائل التعذيب والعنف وقد شملت حملات التمشيط والقمع كافة الجهات وخاصة الوطن القبلي (أحداث تازركة وقليبية وحمام الغزاز...) وكذلك جهات الساحل والقيروان وبنزرت وقد حوكم حوالي ثلاثة الاف تونسي صدرت في شأنهم أحكاما قاسية من إعدامات وأشغال شاقة. وقد وجدت هذه الحملة من طرف السلط الفرنسية الرسمية مساندة من مجموعات استعمارية متطرفة تكونت من المعمرين وقدماء المحاربين ومن البوليس قصد بثّ الرعب في ظل تواطئ السلط الاستعمارية معها فأسسوا لهذا الغرض منظمة «اليد الحمراء» المعروفة بتورطها في عشرات العمليات القذرة من مداهمات واغتيالات ومن أشهرها تلك التي استهدفت الشهيد فرحات حشاد في 05 ديسمبر 1952 والشهيد الهادي شاكر في 13 سبتمبر 1953 وكذلك الشهيدين أولاد حفوز في ماي 1954. ورغم ما خلفته هذه الاغتيالات والأحداث المؤلمة من حزن وما مر به الشعب في تلك الفترة من محن فقد واصل الكفاح بثبات وعزم لا يلين حتى حصلت البلاد على استقلالها. فقد قام المقاومون السلحون الرابطون في الجبال والذين أصبحوا يسمون بالفلاقة بمعارك حاسمة وموجعة للمستعمر كمعركة جبل اشكل ماي 1953 ومعركة جبل عرباطة جويلية1954 ومعركة جبل برقو نوفمبر 1954. وفي 18 جوان 1954 وصل إلى الحكم الفرنسي منداس فرانس الذي احتار في الخروج من المستنقع الذي تردّى فيه الجيش الفرنسي بتونس، والذي زاد من تصميم الشعب التونسي على نيل حريته واستقلاله. ومن أجل تجسيم فكرته قام الرئيس الفرنسي باتصالات مع زعماء الأحزاب والتقى بهم في جينيف ثم سافر إلى تونس في 3 جويلية 1954 و كان الإعلان التاريخي عن الإستقلال الداخلي الذي تم بعد مفاوضات بين الجانبين الفرنسي والتونسي في 3 جوان 1955 وخلف ردود فعل متباينة في صفوف الأحزاب التونسية، فقد رفضه شق من الحزب والفلاقة بقيادة صالح بن يوسف (اندلعت اثره الأزمة اليوسفية البورقيبيّة) وقد وقع على هذا الاستقلال الوزير الأكبر الطاهر بن عمار الذي أصبح رئيس الحكومة وواصل مفاوضة الفرنسيين إلى أن وصل إلى الإستقلال التام في 20 مارس 1956 ثمّ استقالت حكومته في 9 أفريل 1956.