إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد اصابة الكبير.. النادي الافريقي يقدم احترازا ضد قرار عدم ايقاف المباراة    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية في انتعاشة لهذه السياحة ذات القيمة المضافة العالية    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



''حرب'' الشاهد على الفساد.. بين الحقيقة والاوهام
نشر في باب نات يوم 01 - 06 - 2017


بقلم: شكري بن عيسى (*)
لا يزال لحد اللحظة التعتيم الكبير يلف تفاصيل ما اصطلح عليه باسم "الحرب" على الفساد، التي يقودها الشاهد وادعى البعض من "جرائه" من الاعلاميين ممن تجري من حنفياتهم "التسريبات" بان اسمها الحقيقي هو "الاخطبوط"، وكأنه أُريد للمواطن الذي يكتوي هذه الايام بحرّ الشمس الحارقة وحرّ الاسعار الملتهبة ان تضاف اليهم جحيم الغموض والالتباسات في قضية حساسة، شدت اهتمام الراي العام على امتداد قرابة الاسبوع، ولم نكد نعثر لها في "الرسميات" عن قرار حول حقيقتها وتطوراتها وابعادها وخلفياتها العميقة.
ويبدو ان الشعب ممنوع من المعلومة او بالاحرى محروم منها، ومطالب لفهم بعض مما يحدث بالبحث في البروفيلات الفايسبوكية ومواقع الانترنت المقرّبة (او بالاحرى المكلّفة بمهمة) من السلطة، وفكّ الشيفرات والالغاز والطلامس السياسية المعقّدة، وايضا الاشاعات التي اجتاحت كل مكان واتت على الاخضر واليابس، وكان بعضها لترعيب العديدين قصد تحييدهم او شل هجماتهم المنتظرة او في الحد الاقصى كسب تأييدهم وتوظيفهم في "الحملة"، اما البعض الاخر فكان من اجل ضخ ما يمكن من "القصص" التي تضخّم الامر وتضفي عليه نوعا من الاسطورية، وهناك جزء من اجل الانتقام والتشفي وتلويث سمعة الاعداء، دون نسيان جزء هام في اطار الضغط باعتبار ان عديد الاسماء حولها شبهات قوية ان لم يكن ادانة فعلية حول تورطها في الفساد.
انتعاش "التسريبات" والاعلام الموازي
البعض وخاصة من الاعلاميين اصبح "مدمنا" على بعض البروفيلات الشخصية التي تسرب الاخبار، وفي كل مرة عبر تقنية "القطرة قطرة" يسيل "الماء" الذي "يروي العطش" من هذه البروفيلات، ولكنه سرعان ما يخلق ضمأً اكبر اذ يتضح ان ما تم "تقطيره" هو مجرد سراب لا يروي، وباستثناء جراية الذي انطلقت معه الايقافات يوم 23 ماي وبعض الاسماء التي شوهدت عند ايقافها (ونقلت اخبارها مباشرة) فالبقية تم نقل اخبارهم بطريقة "موازية"، وخبر "المصادرة" التي تمت يوم الجمعة تم تسريبه في ليلة الخميس، و"الحنفيات المنبع" التي تصب ل"الحنفيات الطرفية" تعتمد استراتيجا التشويق وتبرع في "تجنيد" العملاء من الاعلاميين، وحتى والوكالة الرسمية للانباء فقد وقفت مصدومة امام "الاخبار الموازية"، وحتى الناطق الرسمي للنيابة العمومية لمحكمة تونس سفيان السليطي فوجد نفسه في "التسلل" في اختصاص القضاء وفي الالمام بما يحصل.
واذ حرمت الوكالة الرسمية للانباء من "التسريبات المهمة" التي خصّ بها "المجنّدون" في الصدد، فانها تتحصل من حين لآخر على معطيات لتأكيد "التسريبات" او نشر مضمون بلاغات او ندوة صحفية، وارتقت اسماء وليد جلاد و"ديوجين" وسفيان بن فرحات ونورالدين مباركي عبر الموقع الذي يديره الى "ملوك" السكوبات بامتياز، ولئن اعتمد البعض مصطلحات "المصادر المأذونة" و"المصادر المطلعة" فان الاخر "يبث" مباشرة دون "اعتماد" ودون "استئذان" وكأنه من "العين" مباشرة، وطريقة "التجنيد" و"السريبات" بقدر ما اضرت بالبعض بنشر اخبار زائفة حول اعتقالهم فانها كانت فعّالة من جهة شد الاهتمام ومن جهة عدم تحمل السلطة مسؤولية التصريحات لما تقرر التراجع في مضمون التسريب بعد الوقوف على مخاطر النشاط المزمع انجازه.
سرية "الحملة".. بين دواعي الامن ومنع الرقابة
"المصادر الرسمية" اقتصرت اساسيا على تصريح الشاهد المقتضب يوم الاربعاء 24 ماي حول "اختياره الدولة وتونس على الفساد الذي يهددهم"، وبيان لوزارة الداخلية يوم الخميس 25 ماي حول تطبيق الفصل الخامس من أمر الطوارىء في خصوص "وضع اشخاص يعتبر نشاطهم خطيرا على الامن والنظام العامين تحت الاقامة الجبرية"، وبلاغ لوكالة الدولة العامة لادارة القضاء العسكري يوم الجمعة 26 ماي حول "قرار قاضي التحقيق العسكري اصدار بطاقة ايداع ضد ذي الشبهة (شفيق جراية) وتأجيل سماعه لحين حضور محاميه" بعد فتح تحقيق في الغرض من اجل "الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والخيانة والمشاركة في ذلك ووضع النفس تحت تصرف جيش أجنبي زمن السلم"، والندوة الصحفية لرئيس لجنة المصادرة منير الفرشيشي في نفس اليوم حول اعلان مصادرة ممتلكات 8 اشخاص فيهم جراية والشنوفي وبن اسماعيل، وتصريحات بعض الوزراء هنا وهنالك اساسا كورشيد وبن غربية.
واذ يوضع الرسميون الأمر تحت عنوان الامن القومي، ما يستدعي التستر والتحفظ على الاخبار، وايضا نجاعة الاعتقالات والملاحقات التي تستدعي هي الاخرى قدرا من السرية، ولكن التقتير في المعطيات حول قضية وطنية على قدر من الحساسية والخطورة يضر بصفة كبرى بالامن والنظام العامين، اذ غياب الشفافية والمعلومة ومنع الاعلام يربك الاوضاع ويخلق الفوضى ويفقد الثقة في الاوضاع، ويطلق العنان للاخبار الزائفة ولا يسمح بممارسة الرقابة والتأكد مما تفعله السلطة، ويجعلها تتحوّز بسلطات ملكية وتضع نفسها فوق الخطأ والاخفاق، وكما يقول المثل "الرذيلة تأتي دوما في ثياب الفضيلة"، فلا يمكن بحال التصديق لمجرد ادعاء تحقيق غايات "سامية" و"وطنية" خاصة ممن يحوم حوله الشكوك والاستفهامات العديدة.
شرعية متهاوية للسلطة.. الهاء عن الازمات والاخفاق
أحدهم علّق "كيف لشخص متعاقد مع السفارة الامريكية يقوم بجمع الاحصائيات يصبح بين عشية وضحاها ودون ان نعرف شيئا عن كفاءته ومصداقيته وزير ثانوي ثم رئيس حكومة.. أليس هذا في عمق الفساد!!؟؟"، في اشارة لتولي الشاهد الحكم في ظروف مريبة ما يجعل كل ما يقوم به محل شكوك في الجوهر، وهذه المرة الشكوك تصاعدت لان الأمر تم بطريقة مشبوهة فضلا الى انها تمت في سياق ومحيط ملتبس جدا، واليوم الشكوك تتعمّق حول مدى الالتزام بالقانون في الشكل، وحول جدوى وفعالية الحملة (او الحرب) وتحقيقها الاهداف المعلنة او الضمنية، وحول اندراجها (اي الحملة) في اطار التغطية على اخفاقات الحكومة وتفجر الوضع في تطاوين، وحول ايضا اتهامات اخرى ب"التصفية" و"حرب الاجنحة" وحتى "الانقلاب" داخل الحزب الحاكم، او التصفية بين رجال الاعمال وبارونات الفساد وفي مستوى آخر الخضوع لاجندات اقليمية ودولية ب"حرق" بعض الاوراق التي انتهت صلاحيتها.
فاطلاق "الحملة" (او الحرب او الاخطبوط) مباشرة اثر التعامل الكارثي في تطاوين، وفشل "العسكرة" التي دعا لها السبسي واخفاق المقاربة الامنية التي اطلقها اشاهد ومأساة مقتل الشاب ايمن السكرافي، والاضرار الفادحة البشرية الحاصلة في صفوف الاهالي وفي صفوف الامنيين والاضرار الاخرى المادية في التجهيزات والسيارات ومراكز السيادة التي تم حرقها، ما أوصل شرعية السلطة التنفيذية في قرطاج والقصبة الى ادنى مستوياتها في ظل حالة تشأوم عليا سجلتها استبيانات الراي، -اطلاق الحملة في هذه الظروف- يثير الشكوك في العمق حول جديتها وسلامتها وان كانت حقيقية او مجرد "ضربة اعلامية" لتحويل ولفت الانظار، خاصة وانها استغلت تمرير شهادة عماد الطرابلسي حول الفساد الديواني والتهريب وجعلتها ركيزة صلبة.
حزب الفساد.. حملة التصفيات؟
الشكوك كانت وستبقى كبيرة لان الشاهد هو سليل الحزب الحاكم الذي اغرقته الاتهاما حول تمويلاته المشبوهة الفاسدة، وحتى بن تيشة احد قيادييه المستشار السياسي الحالي للرئيس اشار اليها بوضوح في احد تصريحاته الاذاعية، ورموز الفساد المعنية بالاقامة الجبرية والمصادرة والتتبعات القضائية خاصة جراية وبن اسماعيل كانا من ابرز ممولي النداء، والصور نزلت لبن اسماعيل في الحملة الانتخابية وهو رفقة رئيس مجلس النواب محمد الناصر، اما جراية فقد اثنى رئيس الكتلة طوبال على ما قدمه من تمويلات وسند لوصول النداء والسبسي للحكم، ما جعل امر "الحملة" محل شكوك عميقة.
البعض وضعها تحت خيمة تصفيات داخل الحزب الحاكم لتمكن الشاهد من بسط نفوذه والمسك بدواليب الحزب، وفرض نفسه كشخصية مركزية حققت منجزات "لا سابق لها" برصيد يؤهلها لرئاسيات 2019، وكان لزاما اضعاف الشق الذي يناوؤه ويناهضه داخل النداء ويسعى لازاحته المستقوي بتمويلات جراية، هذا الاخير الذي اعلن في احد التصريحات ان "الشاهد لا يستطيع ادخال برشني (معزة) للسجن"، قالها باستهانة من ساكن قرطاج وهو يعني انه لا يوليه اعتبارا واثقا في قوته المالية وماكينته الاعلامية التي تغير المشهد وتتحكم في مجريات الاحداث، واللحظة التي "ضرب" فيها الشاهد بقوة كانت مليئة بالاصوات المؤكدة على انتهاء ورقة الشاهد وضرورة تغييره بعد استنفاذ كل شرعية في "الاداء" بوصول البلاد في قلب التفجّر.
والبعض الاخر وضعها تحت خيمة التصفيات الاقليمة الدولية بانتهاء دور جراية اقليميا كجواد تم استعماله في ليبيا واقليميا واليوم يقاد الى "المذبحة" مع فريقه بلحاج وحتى قطر التي صارت في فوهة المدافع هذه الايام، والاتهامات للشاهد بالانخراط في اجندة الامارات-مصر-حفتر وذيولهم في تونس على عديد الالسن اليوم، وهو ما جعل المحسوبين على الامارات خاصة محسن مرزوق ومشروعه يسارعون في دعم "الحملة" مباشرة، والبقية المعلومة من لزهر العكرمي وبن تيشة الذين تلقوا خبر "اعدام" جراية بكل سعادة وسرور، وفي المقابل جعل النهضة مترددة في "الدعم" متشككة في حقيقة وابعاد "الحملة".
الفساد "الممؤسس".. والفساد "الطفيلي"
اليوم بعد قرابة الاسبوع الحملة لم تطل سوى ثمانية (8) اشخاص وبعض الرؤوس من هنا وهنالك، واغلب المصادرة ممتلكاتهم ان لم يكن كلهم من "الكناترية"، اي "رجال الاعمال" داخل الهوامش وفي الجهات، ما جعل الشكوك تترسخ حول استثناء الفساد "الممأسس" والتركيز على الفساد "الطفيلي"، لحماية رجال اعمال المركز النافذين الذين اسماهم تقرير لجنة الازمات الدولية "النخبة الاقتصادية المتمركزة"، وهو ما طرح بقوة اطروحة التصفية بين لوبيات الفساد، وطرح اسم رجل النفوذ والظل كمال لطيف كمهندس ومشرف على "الحملة"، وهو المتخصص في "هندسة" مثل هذه "الانقلابات" التي يعجز الشاهد بمفرده على قيادتها وادارتها.
اقتصار الاعتقالات والاقامات الجبرية والمحاكمات على عدد قليل بعد اسبوع كامل وضع الحملة في مرمى القصف الحاد، وتيارات قوية داخل شبكات التواصل الاجتماعي وان كانت مجمعة على فساد المعتقلين فهي غير مقتنعة بجدية ومصداقية ما يقوم به الشاهد، بل هي متوجسة وخائفة مما ستصل اليه الامور ولا تعتقد بالمرة في السقف "الوطني" للحملة الذي يرفعه الشاهد، وحتى الوقفة الداعمة للشاهد الجمعة الفارط بالقصبة فقد كانت "مخيبة" لامل ساكن القصبة، وخذله الداعون لها اذ لم يتعد الحضور بعض المئات، بعدما كان ينتظر عددا ضخما بعشرات الالاف سيبعث له ب"تفويض" على شاكلة ما حدث مع الشاهد، يجعله اقوى من الاحزاب والمؤسسات وحتى الدستور، وعدم الاقتناع هو ما خيّم على الشعب وجعله يتردد ويرفض المشاركة، التي قاطعها عمليا حزبي الحكم النهضة والنداء.
تناقضات عميقة.. وتستر على الاقربين
كل المعطيات تقريبا كانت تصب في اتجاه عدم تبني الشاهد سياسة مكافحة الفساد، من تهميش دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ووظيفة الهيئات الرقابية الادارية والمالية بعدم تفعيل مققراتها ونشر تقاريرها، والهيئات القضائية من دائرة محاسبات الى المحكمة الادارية التي تعمل في مناخ مزري الى القضاء العدلي ايضا المنزوع الموارد البشرية والمادية، وحتى الهيئة القضائية-السياسة "هيئة الحقية والكرامة" فقد كانت في قلب الحملات من الحكومة بعدم تمكينها من الموارد وتعطيل نشاطها وضرب صلاحياتها، ما يطرح التساؤل عن سر هذا التغيّر الفجئي، وقبل شهر فقط في قضية "حفلات ماريا كاري" كانت الاحكام القضائية محل هجمات وازدراء وتشنيع لا يوصف من احزاب السلطة وشخصيات ذات سيط في السلطة التنفيذية.
والأمر الأكثر غرابة هو اعادة طرح مبادرة السبسي لما سمي مصالحة اقتصادية، وتبني الشاهد لها ودعمها باعلانه ذلك في اكثر من تصريح، هذه المبادرة التي تبيّض الفاسدين من رجال الاعمال والادارة، واليوم لا نفهم كيف يرفع شعار شيطنتها تحت "شعار اما تونس واما الفساد" وكأننا اصبحنا في حقبة تاريخية اخرى او في بلد ثاني، والحكومة ذاتها تطرح مبادرة تشريعية لقانون متعلق ب"الطوارىء الاقتصادية" يضرب الرقابة على الصفقات العمومية ويفتح الباب على مصراعية للفساد وتجاوز السلطة والمحسوبية.
لا احد تقريبا مقتنع بان تونس لا تحوي سوى ثمانية او عشر او حتى عشرات او مئات رجال اعمال فاسدين فقط، ولذلك الجميع تقريبا ادرك ان الامر فيه خفايا وخلفيات غير واضحة ولم يؤمنوا بما يدار وراء الستائر، كما ان عدم مس حاشية السلطة من لوبي لطيف وشقيق الرئيس صلاح الدين ونبيل القروي وعدة وزراء في السلطة حاليا ومديرين عامين اثيرت حولهم شبهات فساد قوية زاد في عدم نزاهة وجدية الحملة، وصبّها في خدمة اهداف حكومية وشخصية للشاهد، ولم تكن "الضربة القوية" سوى فرقعة اعلامية لاحداث الاثر الفاجع وتحقيق الحد الادنى من التصديق الذي سرعان ما تبدد في جزء كبير منه.
القوانين الاستثنائية.. وخطر بطلان الاجراءات
اليوم الريبة تتعمق حول الالتزام بالقانون والدستور، والاغلب مما تمت معاينته ان خروقا سجلت في الاجراءات، ففضلا عن اعتماد قانون (امر الطوارىء) استثنائي ومرسوم استثنائي (مرسوم المصادرة) ومحكمة استنائية (المحكمة العسكرية) فقد تم تسجيل خروقات، ما سيجعل الاجراءات مختلة وهو ما سيسقط النتائج الادارية او القضائية المترتبة عن ذاك، واليوم التداخل بين الفساد والخطر الذي يهدد الامن والنظام العامين يزيد في الريبة ويعمّق الاخلالات، وللاشارة فان اعتماد القوانين الاستثنائية لا يسمح في التوسع والتأويل بل يخضع للصرامة والدقة في التطبيق، والاخلالات سواء الشكلية او الموضوعية تبطل النتائج.
عدم احترام علوية الدستور وسيادة القانون ومبدأ المساواة يضرب الدولة في العمق، لان اي هدف (مهما كان ساميا ونبيلا) يسقط طالما لم يراع فيه مبادىء دولة القانون والمؤسسات، ويجعل الدولة في ورطة الانتقام والتشفي والتصفيات والانتقاء، وهو ما ينزع عنها الشرعية ويجعل النتائج عكسية هذا على فرض ان "الحملة" ناصعة الغايات، فما بالك والشكوك تعتريها من كل حدب وصوب، وهي في مرمى الشبهات العميقة منذ ولادتها، وهو ما يرهل "حرب" الشاهد في المهد بل ويجعل نتائجها سلبية.
الفساد في تونس اليوم هو تشريعات ومؤسسات ومنظومة حكم وثاقفة و"سيستام" كامل، ولا يمكن اختزاله في اسقاط بعض الرؤوس الموصومة يزيد او ينقص فضلا عن كون اختيارهم كان انتقائيا، وهو اعلى درجات الفساد بطمس جرائم البعض وملاحقة جرائم البعض الاخر، وهو اعلى درجات الفساد بدوس القانون وانتهاك الدستور والتوظيف الشخصي والسلطوي والانتخابي للمؤسسات والقانون، وفي غياب محاسبة جدية شاملة دون استثناء، ودون تفكيك عميق لمنظومة الفساد واصلاح عام للمؤسسات، وفي المنطلق دون اصلاح واضفاء الشفافية على المنظومة الحزبية والانتخابية الواقعة تحت هيمنة المال الفاسد، ودون تطهير المنظومة الاعلامية الغارقة في الفساد، فلا يؤتمن أي احد في الصدد ولا يمكن تصديق اي ادعاء "حرب" في الصدد.
المصادرة.. الطريق "الملغّم"
في هذه اللحظة العودة لمرسوم المصادرة في الجزء الثاني من الفصل الاول يطرح اشكاليات عميقة، من ناحية وجود قائمة واسعة بالمئات يستوجب ان تشملهم المصادرة دون استثناء، ومن ناحية التطبيق الحرفي الصارم الدقيق للنص (الاستثنائي)، ما فجر ازمة استقالة القاضية سامية البكري يوم 29 ماي من لجنة المصادرة (لم ينفها منير الفرشيشي في احدى اليوميات الصادرة يوم الاربعاء ) التي رافقها حديث عن "اخلالات جوهرية" شابت قرارات المصادرة الثمانية ، في علاقة باثبات الحصول (للثمانية اشخاص) على اموال منقولة او عقارية او حقوق جراء علاقتهم بالاشخاص المصادرة املاكهم المضبوطين في قائمة المرسوم عدد 13. ويطرح اشكالية اخرى من ناحية ادارة الممتلكات المصادرة وصيانتها بشكل فعّال ولا يجعلها تفقد قيمتها، ومن ناحية التفريط فيها بعيدا عن الفساد الذي يشوب السنوات الاخيرة هذا الملف الخطير، ومن ناحية الشفافية اذ بالرجوع لموقع المصادرة لا نجد التفاصيل الكافية لجعل الشعب يتابع ويراقب التصرف في المال العام.
اللجوء للقوانين الاستثنائية والمحكمة العسكرية الاستثنائية، سيجعل القضاء التونسي موضع ريبة عميقة في الخارج، ويلحق بصورة تونس ضررا لا يقدّر، ويجعل الانتقال الديمقراطي المنتكس موضع شكوك عميقة، ويضر بملف استرجاع الاموال المنهوبة المهرّبة للخارج، اذ الامر يشترط وجود قضاء عادل مستقل وعلوية الدستور ونفاذ القانون، وزيادة فهو يضر بالاستثمار الخارجي الذي يستلزم ايضا وجود قضاء عادل يحمي راس المال والمستثمر، ويضمن المنافسة الشريفة العادلة.
واستمرار المصادرة يضرب مسار العدالة الانتقالية الذي انبنى على اساس استكمال المصادرة، لينتقل الى تطبيق اليات أخرى مختلفة في تقنياتها وابعادها ومغازيها التي تقود الى المصالحة، والأولى أن يتم منح العدالة الانتقالية الوسائل والموارد اللازمة ووضع على ذمتها الوثائق وتفعيل سلطاتها، وسحب مشاريع القوانين على غرار مشروع قانون "المصالحة" التي تهدف لافراغها من مضامينها وجعلها بلا موضوع ونسف مسارها، وهو ما يمكن ان يقود لمحاسبة حقيقية مقرونة بكشف الحقيقة وتفكيك شامل لمنظومة الفساد، فضلا عن جبر ضرر الضحايا بما فيها الجهات المهشة واصلاح المؤسسات قصد استعادة الثقة فيها للوصول للمصالحة الحقيقية الشاملة.
الانتقائية اطلاق ليد الفساد
الشعب اليوم ليس في حاجة لأدلّة حول فساد شفيق جراية والشنوفي وبن اسماعيل والمجموعة المتبقية، لكن القضاء وحده هو الذي يتهم ويدين ويعاقب، كما أنه من أكبر المغالطات اختزال الفساد الذي اصبح يهدد كيان الدولة في هذا العدد الضيق حتى لو ارتفع مستقبلا لعشرات، فلا مناص في اي حرب على الارهاب من ضرب النواة الصلبة التي تشكل الشبكة المترامية وباروناتها وكارتيلاتها، المرتبطة بالسلطة ذاتها والاحزاب والاعلام والقضاء والامن والادارة بوجه عام، ولا شيء يصب الان في اتجاه وجود سياسة واستراتيجيا واضحة المعالم في الخصوص، الامر الذي جعل ما يحدث اخيرا في خانة الاستعراضات التي لن تحقق المستوجب، وقد تدفع في اتجاه اطلاق يد شبكات الفساد الاخرى اذا ما تم اختزال الفساد في هذه المجموعة الضيقة.
اليوم لا مناص من تفعيل اليات اعادة توزيع الثروة والسلطة؛ اعادة توزيع السلطة بين الجهات والفئات، بتشريك الجهات المهمشة والمحرومة من الوصول للمناصب العليا، وايضا تشريك الشباب وخاصة غير المنتمي لاحزاب؛ والثروة اليوم في حاجة أكثر من أي وقت مضى لتحديدها وجردها بدقة وحسن استثمارها وهذا استحقاق دستوري؛ ووجود منذ سنوات قرابة 70 مليارديرا وقرابة 6500 مليونيرا يصب في اتجاه احتكار الثروات والنشاط الاقتصادي في يد اقلية اغلبها راكمتها بالفساد في ظل منظومات فاسدة استبدادية مرتهنة للخارج، ولا مناص من ارساء وتفعيل الية "من أين لك هذا؟" وايضا تعديل قانون التصريح بالممتلكات وتفعيله بصفة دورية، وارساء ضريبة تضامنية على الثروات الطائلة، ورفع الضريبة على التفويت في العقارات التي يفوق مبلغها المليون دينار ، وتغيير كامل للمنظومة الديوانية ومنظومة مراقبة الصفقات العمومية، دون اهمال الثروات المنهوبة المهربة للخارج المقدرة بما يقراب 100 مليار دينار والقروض البنكية غير المسترجعة المقدرة (حسب القوائم المنشورة) بأكثر من 4 مليار دينار تعاني الاهمال لحد الان.
أربعة (4) أرقام أختم بها:
اولا: 7,225 مليار دينار هو حجم الديون الباقية للاستخلاص بقباضات المالية حتى نهاية 2014 (تقرير ختم ميزانية 2014 لدائرة المحاسبات - الصفحة 13 و14)؛
ثانيا: 4,047 مليار دينار هو حجم الديون المثقلة بقباضات الديوانة حتى موفى افريل 2014 (تقرير ختم ميزانية 2014 لدائرة المحاسبات - الصفحة 13 و14)؛
ثالثا: 300 ملف فساد موثق احالتها اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد (لجنة عبد الفتاح عمر ) موفى 2011 للقضاء (تقرير اللجنة - اكتوبر 2011 - ص 3)؛
رابعا: 300 شخص "رجل ظل" يعرقلون الاصلاحات في تونس (تقرير مجموعة الازمات الدولية - 10 ماي 2017 - الصفحة 22 / نسخة فرنسية)؛
اكشفوا لنا فقط لما تتعطل القضايا، ولماذا لا تستخلص ديون الدولة، ومن هم وراء ذلك من "رجال الظل" المذكورين، وسيفهم الشعب كل شيء، ومن هنا ينطلق تفكيك شبكة الفساد المترامية!!
كفى تسويقا للاوهام!!
(*) قانوني وناشط حقوقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.