بقلم مهدي الزغديدي #كيفما_اليوم في مثل هذا اليوم 11 أوت 1934 تمّ افتتاح أشهر سجن في العالم، سجن ألكتراز. يعتبر سجن ألكتراز الأشهر حول العالم، لما نسجت حوله من قصص وأساطير، وما تحدّث السجناء أنفسهم عنه. فقد عرف أنّه السجن الذي يستحيل الفرار منه، والذي يودع فيه أباطرة المجرمين في الولاياتالمتحدة الأمريكيّة. يقع سجن ألكتراز في الجزيرة التي تحمل نفس الاسم. جزيرة ألكتراز هي عبارة على كتلة صخريّة ضخمة، لا تتتعدّى مساحتها 890م2، تقع في خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا. كانت جزيرة مهجورة يستحيل فيها الحياة بسبب ارتفاع درجة الملوحة بالمياه المحيطة بها، وندرة وجود مياه عذبة ممّا جعلها قاحلة حتى من النباتات والحيوانات ولا يسكنها الّا بعض أسراب النورس والغربان التي تتغّذى من الأسماك الموجودة في المحيط الباسيفيكي. كانت تتبع دولة المكسيسك. وفي سنة 1847 قام حاكم كاليفورنيا بشرائها لإقامة منارة. لكن سرعان ما اتخذتها وزارة الدفاع الأمريكيّة سنة 1860 كحصن وثكنة، ولاحقا كسجن عسكري. وفي سنة 1933 تحوّلت إدارتها إلى وزارة العدل ليتحوّل إلى سجن فدرالي للمدنيّين. وفي نهار كيفما اليوم 11 أوت 1934 تمّ إيداع أوّل دفعة من السجناء الى جزيرة ألكتراز. كانت الولاياتالمتحدة الأمريكيّة في الثلاثينات من القرن 20 تعاني من ارتفاع مخيف في معدلات الجريمة في البلاد خصوصا منها الجريمة المنظمة من عصابات المدن. كما كانت السجون نفسها تعاني من جرائم المسجونين المشاغبين. فقرّرت السلطات الفيديراليّة تحويل جزيرة ألكتراز إلى سجن تأديبيّ للمجرمين العصاة، الذين يتمردون على لوائح السجون، أو لمن يحاولون الهرب، ويعدون مصدرا دائما للشغب والمشاكل. فكان هدف السجن ترويض جموحهم، وتقويم سلوكهم، ممّا جعل أطول فترة مقضّاة فيه لا تتعدّى 8 أو عشر سنوات.كما أن الهدف الأساسي منه هو أن تتحول فكرة الهرب منه لدى السجين إلى فكرة مستحيلة وتجعله يعتاد حياة السجون والانضباط داخلها. واتخذ السجن شهرته لاستحالة الهروب منه، فطبيعته الجغرافيّة جعلته أكثر تحصينياً من أي سجن آخر. فسجن ألكتراز مُقام أعلى مرتفع صخري شاهق، تضاريسه وعِرة وطرقه متعرجة، ممّا يجعل التسلّل منه شبه مستحيل، واذا ما نجح أحد النزلاء في الهبوط، فإنه سيكون عليه بعد ذلك عبور خليج سان فرانسيسكو، والذي يُعرف بانخفاض درجة حرارة مياهه، وانتشار أسماك القرش في محيطه. وإضافة إلى الحماية الطبيعيّة للسجن، فقد قامت السلطات بتركيز تأمينات مشدّدة، فقد كانت تنتشر قوّة مسلّحة متكوّنة من 90 حارسا، لهم تفويض باطلاق النار على أي محاولة للهروب. كما قامت بتركيز 6 أبراج مراقبة شاهقة تمسح الجزيرة والخليج ليلا نهارا. أما العامل الثاني لشهرته فقد كان العذاب الذي كان يعيشه السجناء. فقد اعترف كلّ من نزل بالسجن انه بالاضافة الى وسائل التعذيب التي لا تنكرها الادارة الأمريكيّة، فان العذاب النفسي كان أشدّ وقعة عليهم. ففي ليالي الأعياد أو المناسبات، كان يمكن لنزلاء سجن ألكتراز مشاهدة أضواء المدينة الساطعة. فالجزيرة لا تبعد عن سان فرانسيسكو الاّ 2 كم، مما يخلق شعورا قاسيا بالحرمان في نفس السجناء. فمن موقعهم يسمعون الموسيقى الصاخبة المصاحبة للاحتفالات لواحدة من أجمل مدن العالم، وهم خلف القضبان بائسون بينما هناك غيرهم ينعمون بالحرية والبهجة. ومع ذلك كانت حاول 36 سجينا الهروب في 14 محاولة، لم تنجح أي واحدة فيها. وقد فقد في محاولات الهروب 5 في عرض المحيط، وقتل 8 أثناء هروبهم، في حين تمّ إعدام 2 بعد أن قتلوا سنة 1946 حارسين أثناء محاولة الفرار. كما اتخذ السجن شهرته لاحتضانه أباطرة الإجرام في التاريخ الأمريكي. فالسجن الذي يحتوي 378 زنزانة، بينهم 40 غرفة فرديّة، كان ينزل فيه دائما في معدل 260 نزيل في نفس الوقت، ومرّ عليه في تاريخه 1545 سجينا، كلّهم قضوا فترتهم وخرجوا منه ما عدا 28 ماتوا أثناء نزولهم بألكاترانز. وقد استقبل السجن رؤساء أكبر العصابات الأمريكيّة مثل جورج كللي وروبرت ستراود وفرانك موريس. لكن يبقى أشهرهم رئيس أكبر عصابات شيكاغو "آل كابوني"، والذي تخوفت السلطات الأمريكية من أن يهاجم أتباعه السجن محاولين تهريبه، فما كان منهم إلا أن أودعوه سجن ألكتراز. وفي 21 مارس 1963 قرّرت السلطات الإغلاق النهائي للسجن لارتفاع تكاليفه، ولتتلائم الولاياتالمتحدة الأمريكيّة مع مواثيق حقوق الإنسان، والتي تجعل من السجون مكانا للتأهيل لا لقضاء العقوبة والتعذيب. وقد تحوّل اليوم إلى أحد أهم المعالم السياحية في سان فرانسيسكو. ويزوره يوميّا آلاف السيّاح لمشاهدة أركان هذا السجن الرهيب الأسطوري الذي لم يتمكن أحد سجنائه من الهرب منه حيا. وبالرغم من قصر عمره (29 سنة) فقد أصبح أشهر سجن في العالم. وقد ألهمت قصصه والخرافات التي حيكت حوله العديد من الفنانين. فقد صوّر العديد من الأفلام حوله كفيلم الهروب من الكاتراز سنة 1979 بطولة كلينت ايستوود، والصخرة سنة 1996 بطولة نيكولاس كيج، ومسلسل ألكتراز سنة2011. وتبقى عبارة فيلم الهروب من الكاتراز التي قالها حارس السجن إلى بطل الفيلم الذي جسّده كلينت ايستوود تلخّص الطبيعة المخيفة للسجن، حيث قال: "إذا لم تطع قوانين المجتمع، يرسلونك إلى السجن. وإذا لم تطع قوانين السجن يرسلونك إلينا هنا"