نصرالدين السويلمي حتى في زمن بن علي لم تتعرض ثوابت الامة الى هجمة مثل التي تتعرض اليها اليوم ، فبعد ان استغلت قطعان الاستئصال مناخات الحرية وفي غفلة من الشعب الذي انشغل بالصراعات السياسية ، تنصل القطيع الهائج من كل انواع الحذر وتجاوز الفاحشة الى اجبار المجتمع على اتيانها ، قطعان مسعورة مبرمجة على العبارات الدينية والمتعلقة بالاسلام دون غيره ، حال ما تصل الكلمة التي تحيل على الهوية الى طبلة الاذن تفزع الالسن لتباشر العقر والنهش ، ولا يهمها ان كان "المتورط" في الثناء على المقدس او الذي اتى الفعل الديني او المتلبس باقتراف شعيرة او مدحها ، لا يهمها ان كان من الدعاة او من العوام او من الفنانين او حتى من فصيلة الجنس الثالث ، المهم ممارسة اشد انواع الترويع والمواظبة على ذلك حتى يخور المجتمع ويفقد مناعته وينزل على اجنداتهم التي تسعى الى تجريم المتدين ومن يثني عليه ومن يسالمه ومن يذكر الدين بخير . تقود رجاء بن سلامة عمليات الهرسلة متسلحة برفاق احكموا سيطرتهم على منابع الثقافة ومنصات الاعلام ، وتملك بن سلامة غربالا دقيقا لا يفوت كبيرة ولا صغيرة ، المهم ان ينتمي المستهدف الى فصيلة الشأن الديني وان يأتي الفعل في سياق تمجيدي وليس تهجمي ، لم تستثني مديرة المكتبة الوطنية السياسي ولا الداعية ولا المربي ، وهاهي تنزل بكلاكلها على الممثل المسرحي لطفي العبدلي ، في حين الكل يعرف هذا الفنان وقاموسه المسرحي المتحرر من كل الضوابط ، إذْ لا احد من المسرحيين والفنانين تلفظ بما تلفظ به العبدلي ولا يمكن بحال ان يُحسب هذا الفنان على المحايدين ناهيك عن المحافظين ، فهو الذي قال على خشبة المسرح ما لم يقله مالك في الخمر ، كل ذلك لم يشفع له عند بن سلامة ، التي اعتمدت هذه المرة في هجماتها على الابتزاز ، ولوحت للعبدلي بعصا الدولة والقانون في اشارة ضمنية الى ان التهمة جاهزة ،تلك محاولة لردع الفنان المتحرر لينكمش في عباراته الدينية ويتوب من ذكر الشعائر في وسائل الاعلام ثم يزيد في جرعة التحرر . تبارك هذه الزواحف الثقافية المهوسة النمط المسرحي للعبدلي وتثني عليه حين يتوغل بعيدا في الايحاءات الجنسية ويهشم بلا هوادة المحظور اللفظي ويتعداه بلا شفقة الى الخاص جدا ، لكن ما يؤرقها ان العبدلي ينأى بنفسه على الولوغ في هوية الشعب وثوابته ، اضافة الى استعصائه عن الاستعمال ، بينما يغريهم هذا الزاد الهائل من الالفاظ والايحاءات الجنسية ويتحسرون كيف لا يتحول الى ذخيرة تسب وتلعن وتسخر من ثوابت الامة . شيدت بن سلامة هجمتها على عبارات مقتضبة قالها العبدلي على هامش حواره مع موزاييك اف ام ، الفنان اكد ان غيابه عن حفلات راس السنة يعود الى عدم قدرته على تقديم عروضه لجمهور اغلبه في حالة سكر فاحش ، ولا يمكنه التفاعل مع المسرحية ولا التركيز في محاورها ، ولعل العبارة التي اثارت جنون بن سلامة والطائفة الاستئصالية هي تأكيد العبدلي ان عزوفه عن احياء مثل هذه الحفلات يعود الى عاملي الابداع الفني والوازع الاخلاقي ، هنا اصبح الفنان محل شبهة وملاحقة من طرف راهبة الحداثة الانتقائية ، عندما يلفظ الفنان او المسرحي عبارة "نصلي" تحلّ الكارثة ويسجل الجاني "خطر" بعد ان تعدى على ثوابت الاستئصال واقترف جناية موجبة لتشويه والتلفيق والتهديد . نشرت بن سلامة على صفحتها تدوينة خطيرة اقرب الى الفعل التحريضي الاستخباراتي منه الى الاستئصالي ، تدوينة مفعمة بالتحريش والتهديد ، جاء فيها "التّديّن للتّغطية عن الاستحواذ على أموال الدّولة هناك كوميديّ أخلاقه لا تسمح له بحضور حفلات رأس السّنة التي يشرب فيها النّبيذ، ولكن أخلاقه تسمح له بالاستحواذ على مداخيل الدولة بشراء العقارات دون تسجيلها. الأخلاق الحقيقيّة ليست في التّديّن، فهو مسألة شخصيّة، ونسبيّة، ولا يشترك فيها الجميع، بل في القيام بواجبات المواطنة وفي عدم سرقة الدّولة، وعدم التّهرّب الجبائيّ. كم من الفاسدين يحجّون كلّ سنة، ويقيمون الصّلوات، ولكنّهم فاسدون." عزاء العبدلي ان فيلق الكساد الاخلاقي سبق وتهجم على شمس الدين باشا بعد ان اعلن رفضه لبعث جمعية للشواذ ، حينها عيروه بالشذوذ ، أيضا لا يجب ان ننسى أنهم اعترضوا على توزير الدكتور سالم لبيض بعد ان اكدت مخابراتهم ضلوع القيادي العروبي في "اقتراف" الصلاة . لقد نجحت هذه القروح الثقافية في تحويلنا بعيدا عن اهداف الثورة ، وتنقلت بنا تعسفا من مرحلة البحث الى مرحلة اللهث ، انطلقنا عشية اربعطاش جانفي في البحث الناعم عن مصيرنا ، فانتهينا نلهث خلفه ، نحن اليوم نعيش مرحلة اللهث ! يلهث الشعب خلف الحرية لتثبيت اركانها ..تلهث الثورة المضادة خلف الدكتاتورية لترميم بنيانها ..يلهث الايدز الثقافي خلف الامة لطمس قرآنها .