طارق عمراني ما من شكّ أنّ الجبهة الشعبية تعيش هذه الأيام حرب زعامات و تكسير عظام ،قد تنتهي بإنفراط عقدها مع ظهور حزب يساري جديد علی الساحة يغازل المتململين ويستميل الغاضبين من مكوّنات اكبر الإئتلافات اليسارية التونسية التي دفعتها اللحظة التاريخية و اكتساح الإسلاميين في إنتخابات 2011 إلی تجاوز خلافاتها والإنضواء تحت لواء جبهة حزبية و انتخابية اكبر اقطابها حزب العمّال بقيادة زعيمه حمّة الهمامي ،تحالف هجين جمع الأضداد في اطار فقه الأولويات اليساري و ضرورة التصدّي للإسلاميين ،وتعزّز هذا التحالف و ارتفعت أسهمه مع إغتيال شكري بلعيد،وهو ما أجّل المواجهة الحتمية بين رفاق يختلفون جوهريا ،سواء بين الطيف اليساري و نظيره القومي،أو بين التفرعات الفكرية اليسارية بين ماركسيين و تروتسكيين وحتّی ماويين وخوجيين ،كما ظهرت بوادر خلاف جدّية بين قيادات حزب العمّال التاريخية (حمّة الهمّامي ورفاقه) من جهة و وورثة شكري بلعيد البيولوجيين (عائلة بلعيد و أرملته) و الإيديولوجيين (قيادات حزب الوطنيين الموحّد)من جهة أخری. الأحزاب القومية داخل الجبهة الشعبية، أصبحت أحزابا منزوعة الدسم وانصهرت قسرا تحت إكراه التحالف في مشروع يساري بعيدا كل البعد عن الترسانة التنظيرية القومية، التي و إن كانت تتقاطع مع بقايا الأفكار الشيوعية في البرنامج الاقتصادي فإنها تتنافر معها على مستوى الرؤية المجتمعية و الأولويات السياسية والعلاقة مع الأحزاب الإسلامية قبل أن ينقلب تعايش القوميين مع الإسلاميين إلى عداوة في علاقة بالموقف من الثورة السورية و بشار الأسد ،غياب تأثير القوميين في صناعة القرار الجبهوي واضح و جليّ و تأكدّ مع تلويح أحمد الصديق القيادي في حزب الطليعة العروبي بالإستقالة من رئاسة كتلة الجبهة الشعبية في مجلس نوّاب الشعب فالأحزاب القومية لن ترضی أن تكون مجرّد رقم وهي التي تری في دورها داخل العائلة اليسارية لا يليق بحجم نضالاتها . حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد المعروف اعلاميا بالوطد هو حزب تروتسكي المرجعية و يختلف كل الإختلاف مع الاحزاب الماركسية و خاصة حزب العمال، إضافة إلی عدائه للماويين ،وقد اكتسب حزب الوطد زخمه من رمزية شكري بلعيد النضالية قبل إغتياله، و تأصّلت مشروعيته بعدها ،وإن كانت علاقة المرحوم شكري بلعيد لم تصل حدّ التماهي مع حمّة الهمامي بعد الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية في 7 اكتوبر 2012، فإن الإختلافات الفكرية لم تطف على السطح أمام ضرورة التصدي لاكتساح الإسلاميين ، و بعد عملية الاغتيال زادت شعبية الإئتلاف اليساري و إكتسب تعاطفا تمكن عبره من الفوز ب15 مقعدا في مجلس النواب في انتخابات 2014، و هو نجاح يری الوطديون ان نضالاتهم و تضحياتهم كانت وراءه مما يفرض إعادة ترتيب البيت الجبهوي و التحجيم من نفوذ حمّة الهمامي داخله، فقد أكّد منجي الرحوي في لقاء اعلامي ان الهمامي لن يكون مرشح الجبهة في رئاسيات 2019، وأنّ رصيد الرفيق قد تآكل نضاليا، مؤكدا علی إستفراده بالقرار و غياب الديمقراطية داخل هياكل الجبهة وعدم توائم الخط السياسي مع المستجدات و تهرّم القيادات اليسارية وتكلّسها فكريا، وتتقاطع هذه التصريحات (سنة 2016) مع تصريحات نارية لأرملة شكري بلعيد السيدة بسمة الخلفاوي خلال احياء ذكری إغتيال الزعيم الوطدي سنة 2015، هاجمت فيها زعيم حزب العمال، كما أنّ تصريحات عبيد البريكي الأخيرة تؤكد إمكانية انضمام منجي الرحوي (،قيادي في الجبهة الشعبية عن الوطنيين الديمقراطيين)، إلی المبادرة اليسارية الجديدة والتي تحمل من الأسماء إسم "إلی الأمام تونس" و اذا كان هذا الحزب مشكوك في قدرته علی دفع تونس إلی الأمام، فإنّه قادر بكلّ تأكيد علی إعادة الجبهة الشعبية خطوات إلی الوراء و ربما عادت إلی سيرتها الاولی،سيرة التشرذم والمماحكة والشتات و تعود أرخبيلا حزبيا لا تعرف منه إعلاميا إلا جزيرة حزب العمال. دماء شكري بلعيد كانت سببا في وحدة العائلة اليسارية و مع إستهلاك هذا الاصل التجاري سياسيا، و اهترائه فإنها ستنقلب عليهم بالوبال مع تغيّر أدوات اللعبة السياسية و ديناميكية المشهد و إحتدام الاحتراب بين القيادات اليسارية النرجسية التي تری في انفسها جنرالات متمرّدة علی التسلسل الهرمي ومنفلتة من عقال الإنضباط الحزبي، مثل جنرالات الجيش المكسيكي في حربه ضد الولاياتالمتحدة فكان جيشا دون جنود.