خلال الثلاثين يوماً الماضية كتبت نحو ثلاث مرات عن تربية الأولاد والبنات، وكيف أن الآباء والأمهات صاروا أقل اهتماما بتلك المسألة بحجة "مشاغل الحياة"، وكيف أن معظم تلك المشاغل، هي في واقع الأمر "عدم شغلة"، فزيارة نورة والبقاء معها ثلاث ساعات، ليس فرض عين، خاصة أن الساعات الثلاث قد تكون في معظمها نهشا للحوم بشرية، وإذا كان لابد من زيارة نورة وسوسن وعائشة بانتظام فلماذا لا تصطحبين معك حمودي؟ لأنه كسر فازة في بيت مايسة؟ ولأنه انتزع الستارة من جذورها في بيت أخيك لقمان؟ لو كان حمودي يعرف معنى كلمة "لا" منذ أشهره الأولى لما كنت بحاجة لأن تعامليه وكأنه من أرباب السوابق الجنائية، و"تستعرين" منه ولا تصطحبينه في زياراتك لصديقاتك! وعدم تعويد الطفل على أن "لا" تعني أن ما يقوم به أمر خطأ، يكون إما لأن الأب والأم لا يتدخلان كثيرا في تفاصيل تنشئة الأطفال، أو لأنهما عصريان ومتحضران ويعتقدان أن نهي الطفل عن فعل شيء يجعله "معقدا"! ولكنني دقة قديمة ولا أرى ما يمنع ضرب الطفل دون إيذاء أو قسوة لغرس سلوك وقيم معينة فيه،.. وجامعة أركنسو الأمريكية ليست دقة قديمة، فقد درس علماؤها حالات 17 ألف طفل وتوصلوا إلى استنتاج بأن الأطفال الذين يتم إلحاقهم بحضانات في عمر مبكر، أو يتم إيكال أمر الإشراف عليهم كليا إلى مربيات، ولو كن ذوات تأهيل عال، يصبحون ببلوغ سن السابعة أو الثامنة عصبيين وأقل استعداداً لقبول الأوامر والامتثال للوائح المدرسية، وأشد ميلا لتحطيم الأشياء في نوبات الغضب، وليس مرد ذلك أن المربيات أو الحضانات يغرسن فيهم قيم التمرد والعنف، بل لأنهن بالضرورة يتغاضين عن السلوكيات الجانحة للأطفال الذين في عهدتهن خوف المساءلة، ولأنهن تعاملن جميع الأطفال بمنطق واحد وأسلوب واحد دون اعتراف بالخصوصية!! في حين أنه وعند قيام كلا الوالدين أو أحدهما بالإشراف المباشر على تنشئة الصغار يعرفان أو يعرف أن محمد يختلف في طباعه عن شقيقه مصطفى على الرغم من أن فارق السن بينهما سنة واحدة. ولماذا نذهب بعيدا إلى دور الحضانة والمربيات ومعظمنا يعرف ويشكو من أن الجدة "خرَّبت طباع" العيال!! نعم الجدة منبع الحنان، كثيرا ما تفسد أحفادها لأن "ولد الولد أحلى من الولد" ولا يمكن أن تقسو عليه مهما شطح ونطح بل تتستر على تجاوزاته!! والفرق بين تربية الطفل تحت إشراف والديه وتربيته بواسطة طرف ثالث، كالفرق بين إرضاعه من صدر الأُم أو من زجاجة ولو كانت مصنوعة من البلور الصافي! من هو الأكثر إحساسا بالأمان: طفل يأخذ حاجته من اللبن من نفس النبع النابض بالحياة الذي أكمل بداخله سبعة أو تسعة أشهر أم ذاك الذي يتم تدريبه على احتضان جسم بارد لا روح فيه! ولماذا يفضل أب ممارسة ألعاب التسلية أو تفضل أُم جلسات الونسة على مجالسة صغارهما؟ ولماذا تحرص امرأة على المحافظة على تكور نهدها فتحرم وليدها من حقه الطبيعي؟ لأن الزوج قد يطفش إذا أدرك أن نهدها تهدل وصار مثل الكرافتة؟ زوج يقرر البقاء مع زوجته أو الانفصال عنها بسبب حال نهدها "غير مضمون" ولا يستأهل أن تسعي لترضيته على حساب عيالك!. جعفر عباس