التي وقعت في أسر العراقيين، وكانت نزيلة المستشفى في الناصرية، عندما أبلغ محام عراقي الأمريكان بمكان وجودها، فاجتاحوا المستشفى الذي لم يكن محروسا ونقلوها بهليكوبتر إلى أحد المعسكرات ومنه إلى ألمانيا ثم إلى فلسطين (بالستاين) في ولاية وست فرجينيا،.. قيادة الجيش الأمريكي قالت وقتها إن جيسيكا التي قتل جميع من كانوا معها في مركبة من طراز "همفي"، قاتلت العراقيين حتى نفدت ذخيرتها، فكان أن وقعت في الأسر بعد أن تعرضت لتعذيب أدى إلى كسور في مختلف أجزاء جسمها، وأعتذر لجسيكا لأنني شرشحتها عدة مرات في هذه الزاوية وقلت إنها مستهبلة، وسبب الاعتذار هو أنها أصدرت كتابا الأسبوع الماضي عن تجربتها وعنوانه "لستُ بطلةً"،.. والكتاب من عنوانه!! وقد نشرت مجلة تايم الأمريكية عرضا مطولا للكتاب شغل 14 صفحة، قالت فيه جيسيكا صراحة إنها لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه العراقيين، لأن بندقيتها لم تكن تعمل بعد أن تغلغل الرمل العراقي الإرهابي في مفاصلها، ولأنها كانت مدشدشة بعد ارتطام المركبة التي كانت تستقلها بجرار كان متوقفا، ومضت جيسيكا إلى أبعد من ذلك واتهمت الحكومة الأمريكية بفبركة صمودها البطولي واستغلال الحكاية لرفع معنويات الجنود بعد الانتكاسات التي تعرضوا لها في جنوب العراق في أول الحرب،.. وطبعا ما كان ممكنا أن يطلع العراقيون "براءة"، في تلك الحكاية فقد قال الأمريكان إن الكشف الطبي أثبت أن جيسيكا تعرضت للاغتصاب من دبر،.. ولكن الغريب في الأمر أن الأطباء الأمريكيين قالوا إن زملاءهم العراقيين الذين عالجوا كسور جيسيكا قاموا بذلك على خير وجه رغم شح الإمكانات المتوفرة لديهم!! ولكن ما يهمني في الموضوع أن جيسيكا لم تدع أي بطولة، واكتفت بسرد تجربتها ومعاناتها النفسية خلال وجودها في مستشفى الناصرية لأنها كانت مشحونة بمعلومات حول كيف أن العرب يتعاملون مع النساء بفظاظة وقسوة، فكانت من ثم تتوقع أن يتم ضمها إلى حريم أحد المتنفذين أو قتلها!! وكان قريبي الجندي السابق في الجيش المصري على نقيض جيسيكا، ومعلوم أن السودانيين كانوا يشكلون عصب ما يسمى بسلاح الهجانة في مصر وكانوا مشهورين باستخدامهم للسياط المسماة بالكرابيج لفض المظاهرات وأعمال الشغب، وعاد صاحبنا إلى منطقتنا في ديار النوبة السودانية وصار يحكي لأهلنا البسطاء عن قدراته الخارقة في استخدام البندقية وبطولاته في مواجهة الأعداء، واستغل جهل أهلنا بالتاريخ والجغرافيا وحكى لهم أنه قتل نحو عشرين جنديا إيطالياً عندما غزا نابليون بونابرت مصر، وكيف أن كليوباترا زوجة الملك فاروق قلدته وسام الشرف من الدرجة الأولى، وأخرج قطعة عملة من جيبه ليرى الجماعة الوسام (كان ريالا يحمل اسم وصورة الإمبراطورة النمساوية ماري تيريزا).. المهم أن أهلنا وجدوا في هذا البطل ضالتهم وأبلغوه أنهم يعانون من غارات قبيلة الشايقية وعاجزون عن التصدي لها، فقال لهم: هاتوا لي بندئية (بندقية) وخلوا البائي (الباقي) عليّ! فأتوا له ببندقية وجاء الشايقية وصاحبنا رابض خلف صخرة وكلما قالوا له: اضرب، قال لهم: كمان شوية، ومن كمان شوية إلى كمان شويتين حتى صار فرسان الشايقية على مرمى حجر،.. هنا قال قاهر نابليون الطلياني: أنا لن أضربهم بالنار ولكنني سأدعو عليهم دعاء يزلزل كيانهم!