بقلم: شكري بن عيسى (*) من شاهد الثلاثاء الفارط فيديو استضافة مرشحة النهضة عن بلدية سيدي بوسعيد سليمة بن سلطان في برنامج "ميدي شو"، يقف على عمق الانهيار السحيق للمشهد السياسي الذي جسدته رئيسة قائمة النهضة في أجمل بلديات تونس "أبهى" تجسيد، ولكن في نفس المستوى كان بطله في الجانب الاخر الاعلامي المنشط بوبكر بن عكاشة، الأولى عبر حالة من السطحية السياسية المخجلة، والثاني عبر أداء اعلامي مقرف نزل ما دون خط الابتذال. انحطاط اعلامي مرعب في مقابل رداءة سياسية خانقة، على امتداد ما يقارب 8 دقائق ونصف (فقط)، وفيديو اللقاء "النّكسة" حقّق نسبة تداول قياسية، للسخرية في هذا الاتجاه من المترشحة على قائمة النهضة، وللامتعاض من أسلوب المنشّط الذي استغلّ حالة أمّيّة سياسية (موصوفة) لينكّل بضوابط المهنة الصحفية، ولو أنّ البعض لم يستغرب الأمر من هذا الطرف أو ذاك، فأعراض الورم السياسي والاعلامي المستحفل صارت عديدة ومتنوعة، وما شاهدناه هو أحدها وليس أوّلها ولا آخرها. الدقيقة الاخيرة للحوار كانت كارثية بأتم معنى الكلمة، ومثيرة للغثيان العميق لحدّ الاختناق، في تجسيم لحالة أمّية سياسية مدويّة للمترشحة، التي شدّت الانتباه والاهتمام طيلة الايام المنقضية بلباسها ودجينها "المنقوب"، ولكنها ظهرت خاوية جوفاء سياسيا غير ملمّة بابسط قواعد الاتصال السياسي، كما ظهرت فاقدة لادنى اطلاع على برنامج قائمة حزبها الانتخابية، والأجوبة كانت صادمة لاقصى درجة الى حدّ يمكن اعتمادها لابراز حالة كوميدية درامية في نفس الوقت، والمعنية في معرض كلامها المتثائب حوصلت حديثها عن برنامج قائمتها، "اذا بش نعطيهولك لكل أش بش نحكي بعد" مستدركة "مازالي 20 يوم.. ثمة أجزاء بش نحكي بشوية بشوية.. ثمة عباد ما يعنيهمش". ولا فائدة في الحديث عن بقية السبع دقائق أو ما يزيد، التي عجزت فيها عن الاجابة عن "المشروع المجتمعي" للنهضة او حتى بعض ملامحه، وعن "القناعات" التي قالت انها تشترك فيها معها، وعن استعمالها المتكرر للفرنسية بنطق مختل ودون موجب، وتركيزها على توفير "الكنكسيون" لمن يدخل للبلدية، وتحويلها لوظيفة رئيس البلدية الى "مرشدة اجتماعية" تحل مشاكل الاجوار، وكلها كانت دقائق خانقة عجزت فيها المترشحة عن ذكر شيء مفيد، بضحكة متقطعة تفضح سطحية كاملة فيما تقوم به، وعدم ادراك لما هي بصدد فعله من نشاط سياسي بترشحها على رأس قائمة لأعرق بلديات تونس، مقدمة من أكبر حزب سياسي في البلاد. هذا الحزب الذي أظهر ضعفا صاعقا في الصدد، ونقصا فادحا في الكفاءات والاطارات المؤهلة، واذ كان لجوئه للمستقلين للتغطية عن هذا الضعف الفادح، ولتفادي اخفاقات الحكم التي ستلعب سلبيا ضده، فانه سقط في خيارات اعتباطية راعت بدرجة اساسية كما في الحالة الحاضرة اعتبار المظهر الخارجي، واللباس الذي يريد هذا الحزب الذي اعلن قبل سنتين الفصل بين الدعوي والسياسي انه منفتح على الجميع، وانه لا يناهض النمط المجتمعي المنفتح على الحرية الكاملة في الملبس، خاصة وان المترشحة المعنية أطنبت في الحديث عن لباسها "المحزوق" و"الميني" دون نسيان التأكيد على "الثقوب"، في سقوط في فخ المنشط الذي وصل مستوى كارثيا في الاداء الصحفي. اذ المعنية كانت فاقدة لكل المؤهلات الاتصالية والسياسية، ولم يكن من الضروري ارباكها بتلك الدرجة، فيكفي طرح "أبسط" الاسئلة وتركها في "فسحة" كاملة ليبرز وهن أدائها مباشرة، ولكن المنشط دخل على خط الاستهزاء المباشر والاساءة المفضوحة، بتوجيه صفة "السافرة" منذ منطلق الحوار، وعدم ذكر كلمة "السيدة" حيث توجه لها مباشرة "عسلامة سليمة"، متسائلا "موش سُلَيْمَة" في ارباك ظاهر للمعنية، والحال أنه كان من المفروض تحضير اسم الضيف بشكل دقيق وعدم الدخول على هذا الخط السخيف، ليصفها في وقت لاحق ب"الجهل" بدخولها للنهضة، وفي مناسبة أخرى بسؤالها بشكل سخري لما تحدثت عن "حلها لمشاكل الاجوار" ان كان "اللي عندو مشكل مع مرتو" يمكن ان يتصل بها وايضا "اللي عندو مشكل مع صاحبتو".. وهكذا وصل الحوار الى مستوى من الابتذال غير مسبوق من كل النواحي. في وقت أصبح فيه هذا المنشط يعتقد أنّه في منبر مفتوح لاعطاء الدروس والتوبيخ والتعزير وحتى الاستهزاء المباشر، وهو الذي يدوس يوميا كل قواعد الاعلام وميثاق المهنة الصحفية، ويسقط في عديد الاخطاء البدائية المفضوحة، ولكن بوجود أحزاب مثل النهضة صار بطلا، ولا غرابة فبلدية سيدي بوسعيد الرمز الذائع لتونس التي من المفروض أن يترشح لها كفاءة عالية جدا، تحيط ليس بالادارة والحوكمة والهندسة المدنية المعمارية والتهيئة الترابية فقط، بل تتعداها للالمام بالتاريخ والجغرافيا والاثار والطاقة والسياحة والتنمية والمالية والمعلوماتية والتكنولوجيا، تترشح لها مترشحة غاية في السطحية السياسية، ولم تحطها الحركة الحاكمة حتى بمجرد تكوين أساسي لفهم البرنامج الانتخابي، ولم نشر الى التكوين الاتصالي الاعلامي المنعدم تماما!! (*) قانوني وناشط حقوقي