عاجل: الخميس القادم...القضاء ينظر في قضية ضدّ المجمع الكيميائي    الفرع الجهوي للمحامين بقابس يشارك في الإضراب العام الجهوي    النائب محمد زياد الماهر: يجب معالجة المديونية المجحفة للدول النامية    واشنطن: اختيار المغربي محمد العبوش لعضوية "التحالف من أجل مستقبل السلام والأمن"    بمناسبة الذكرى 77 لتأسيسها: الخطوط التونسية تطلق عروضا استثنائية    ساركوزي أول رئيس فرنسي يدخل السجن منذ الحرب العالمية الثانية    لمنع عودته إلى غزة.. وزيرة إسرائيلية تطالب ب"حرق" جثمان السنوار    تونس تحرز 7 ميداليات في بطولة العالم لل"ووشو كونغ فو للأساليب التقليدية" بالصين    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الإفريقي في مواجهة الإتحاد المنستيري    الأهلي المصري يتوج باللقب الإفريقي للمرة الثالثة توالياً    طقس اليوم: الحرارة تصل إلى 34 درجة وأمطار ضعيفة بأقصى الشمال    عاجل: حضّروا كلّ الوثائق...التسجيل للباك يبدأ غدوة    سارة مصمودي الإمام ضمن قائمة أفضل القيادات النسائية التونسية في قطاع الصحة عالميًا    عاجل: نجاح الإضراب العام في قابس بنسبة 100%    أخطاء شائعة رد بالك منها ''وقت تخزين زيت الزيتون''...تعرف علاها    عاجل: تفاصيل جديدة عن المتهمين بسرقة متحف اللوفر في باريس و ماكرون يتوعد بالمحاسبة    التوانسة و الذهب : ال100غ تنجم توصل لل40 مليون ...شنوا الحكاية ؟    طائرات مسيّرة تضرب مطار الخرطوم قبيل إعادة افتتاحه    عاجل/ حماس تفجرها وتكشف عدد الخرقات التي ارتكبها الاحتلال لاتفاق وقف اطلاق النار..    توفيق مجيد: المعاملة الخاصة لساركوزي في سجن "لا سونتيه" لن تعفيه من المسار القضائي    دمشق تطرح نفسها بديلاً عن "قسد" في محاربة "داعش"... والتنظيم يستبق التحولات بتصعيد عملياته    مدنين: استعدادات حثيثة لاحتضان جزيرة جربة الملتقى الدولي للمناطيد والطائرات الشراعية    اريانة:جلسة عمل حول تقييم نتائج الحملة الجهوية المشتركة لمعالجة النقاط الزرقاء ذات الأولوية بالجهة    ساناي تاكايشي أول امرأة في تاريخ اليابان على رأس الحكومة    باريس: مصرع عامل وإصابة تسعة إثر سقوط رافعات نتيجة زوبعة عنيفة    الكوتش وليد زليلة يكتب..الإفراط في أحدهما يُسبّبُ مشاكل للطفل.. بين التشجيع والدلال .. كيف نُربي أبناءنا؟    أصداء التربية بولاية سليانة .. مهرجان circuit théâtre    في ظل عزوف الأطفال عنها .. كيف نحوّل المُطالعة من واجب إلى مُتعة ؟    الغرفة النقابية الوطنية لأصحاب المعاصر توضح السعر المرجعي لرحي زيت الزيتون    نابل: انطلاق موسم جني الزيتون وتوقعات بإنتاج أكثر من 90 ألف طنّ مقابل 61 ألف طنّ خلال بالموسم الفارط    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    وكالة النهوض بالصّناعة والتجديد تفتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب 14 إطار    شركة نقل تونس: اصابة عون التأمين وحالات هلع في اصطدام بين عربتي مترو... ولجنة للتحقيق في الحادث    بعد الأربعين: 4 فحوصات دمّ هامة تنقذ حياتك    الدورة الرابعة لملتقى محجوب العياري للكتاب والآداب تحتفي بالكاتبة حياة الرايس من 24 إلى 26 أكتوبر 2025    بعد أكثر من شهرين: ما الجديد في قضية اختفاء طفلة ال15 سنة أسماء الفايدي..؟    الرابطة المحترقة الثانية: حسان القابسي مدربا جديدا للبعث الرياضي ببوحجلة    بطولة بريست للتنس: التونسي معز الشرقي يستهل مشواره غدا بملاقاة الفرنسي بوكيي ارتور    لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب تشرع بداية من الغد الثلاثاء في النظر في مشروعي قانون المالية والميزان الاقتصادي 2026    السجن 10 سنوات وغرامات مالية لمروّج مخدّرات في الوسط المدرسي بالعاصمة    في حركة إنسانية نبيلة: تمكين طفلين قاصرين من لقاء والديهما بعد سنوات من الانقطاع عن رؤيتهما    بطولة الرابطة المحترفة الثانية: برنامج مباريات الجولة السادسة    الصناعات الكهربائية والميكانيكية في تونس تتحسن استثمارا وتصديرا    أجواء ربيعية خلال ''الويكاند''    في إنجاز تاريخي.. المغرب بطلا لكأس العالم للشباب..    عاجل: تذاكر ماتش تونس والبرازيل تتباع على هذا الموقع    مسرح أوبرا تونس يكرّم الفنانة سُلاف في عرض "عين المحبة"    خطير/ دراسة تكشف: تلوث الهواء يبطئ نمو دماغ الأطفال حديثي الولادة..!    عاجل/ حجز أكثر من 29 طنا من المواد الفاسدة.. هيئة السلامة الصحية تكشف التفاصيل..    في بلاغ رسمي: الداخلية تعلن ايقاف هؤلاء..#خبر_عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    يوم مفتوح للتقصّي المُبكّر لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري بمعهد الأعصاب..    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثروة الحقيقية المنهوبة، بقرار رسمي وتواطؤ شعبي!
نشر في باب نات يوم 28 - 08 - 2019


بقلم حامد الماطري
في أواخر التسعينات، كنت طالباً بأحد المعاهد التحضيرية لتكوين المهندسين، وصادف أن زارنا وقتها وزير التعليم العالي فكان لنا معه نقاش مفتوح.
أحد الأسئلة التي طرحت عليه كان حول تضاعف عدد الجامعات التي فتحت شعباً جديدة إختصاص إعلامية فتحت شعب للإعلامية وقتها، وهل اننا لما نمرّ في ظرف وجيز من مدرسة واحدة تخرّج 100 مهندس سنويّاً، إلى ستة أو سبعة مدارس يخرّجون سبعمائة او ثمانمائة في السنة، الا يحمل ذلك خطراً بإغراق سوق الشغل في ظرف سنوات وجيزة. كان ردّ الوزير آنذاك غريباً جدّاً جدّاً... قال: "هذا الإختصاص سيكون مطلوباً جدّاً في المستقبل القريب وستتضاعف طاقة استيعاب السّوق المحلّيّة".. وأضاف: "وفوق من هذا فرنسا طالبة وألمانيا طالبة"..!
عرفت لاحقاً أن "سياسة الدّولة" هذه لا تقتصر على الإعلاميّة، ولم تكن يوماً مسألة ظرفية أو وقتيّة.
منذ أربعين عاماً، انطلقت الدولة التونسية في برنامج "تعاون دولي" ترسل بموجبه الدولة التونسية الأوائل من النّجباء في امتحانات البكالوريا العلمية والتقنية إلى كلّ من فرنسا وألمانيا (وفي فترة ما كان أيضاً ترسل بعثات لتركيا والولايات المتحدة). أتساءل عن أيّ "تعاون" نتحدّث، وأيّ الأطراف هو الرّابح في الموضوع...
يناهز عدد المنتفعين بهاته المنح المائة طالب سنويّاً، وهي بالفعل منحة محترمة تسمح لصاحبها التفرّغ للدراسة من دون ضيق. قبل سفرهم، يمضون على التزام يتعهّدون من خلاله، لا بالعودة إلى البلاد، بل بإعادة المصاريف التي تحمّلتها الدولة لتعليمهم..!
الدولة التونسية تدرّس أبناءها مجاناً، على حساب المجموعة الوطنيّة، تستثمر في تعليم التونسيين على أمل أن ينجحوا ويحسّنوا من المستوى المعرفي العامّ، لنحقّق سويّاً نهضة اجتماعية واقتصادية وحضارية. ومع كلّ جيل يجهز، تأخذ خيرة ما أنجبت البلاد وأكثر أبنائهاً تميّزاً وتألّقاً لترسلهم إلى الخارج في رحلة غالباً ما تكون رحلة ذهاب بلا عودة (على الأقلّ مهنيّاً وعلميّاً).
أي، وبلغة أخرى، وعلى امتداد السّنين، نحن "نهدي على طبق" نخبة أدمغتنا لأوروبا وأمريكا.. نفعل ذلك بكلّ وعي ومع سبق الإصرار والتّرصّد. نحن نتحدّث عن آلاف العقول المتميّزة، الواعدة، التي كانت ستغيّر واقع البلاد إن كانت أكثر ارتباطاً بها، وإذا أتيحت لهم الفرصة ليساهموا بطريقة أكبر في خدمتها.
روى لي أحد أصدقائي ممّن أرسل إلى ألمانيا وهو شابّ صغير، في منحة تميّز منذ عشرين عاماً، أنّ الدولة التونسية لم تراسله قطّ، لا مطالبةً باسترجاع تكاليف الدّراسة، ولا حتى لتسأل عنه أو لتعرض عليه العودة أو حتّى للإطمئنان عليه.. طبعاً هو في الأثناء قد قضّى نصف عمره هناك، فتحصّل على الجنسيّة الألمانيّة وانخرط في الحياة المهنيّة هناك، ولم تعد تونس تمثّل له إلا زيارة الأهل وأصدقاء الطفولة، والمصطاف السنوي. وهو يعترف أنّه، ومع كلّ سنة إضافيّة يقضّيها هناك، هو يبتعد أكثر عن العودة إلى تونس.
أنا طبعاً لا يمكن أن أشكّك بوطنيّة هؤلاء. هم بالعكس بينهم من هو أحرص على خدمة البلاد ممّن يعيشون فيها، وهم يفعلون ذلك اختياراً وطوعاً وحسّاً بالمسؤوليّة. بل أنّ منهم من يعيى وهو يدقّ الأبواب من دون مجيب، محاولاً مدّ يد المساعدة، أو طارحاً مشروعاً أو فكرة، قبل أن يقفل راجعاً تتنازعه مشاعر الإحباط والألم.
المسألة لا تنحصر في هؤلاء. نعلم جميعاً أن عدداً كبيراً من الأدمغة التونسية –إن لم يكن أغلبها فربّما أحسنها- تهاجر إلى أوروبا وأمريكا وكندا لتدرس وتعمل هناك. هذا يتواصل منذ عشرات السّنين، وإن كان الأمر قد أخذ نسقاً أكبر بكثير في السّنوات الأخيرة. الظّاهرة تفاقمت وتوسّعت ولا تزال الدّولة التّونسيّة تلازم موقع المتفرّج فيما يحدث من دون أن يكون لها أيّ موقف أو ردّة فعل.
بل أن من بين "حمقى" السياسة والحاكمين من يفتخر بكوننا نصدّر أعداداً كبيرة من الأطباء والمهندسين نحو الضّفّة الشّماليّة للمتوسّط، وهناك من ذهب حدّ اقتراح "تنظيم" هذا القطاع و"التربّح" منه!
ربما كان في الأمر حكمة ما يوم بدأ هذا البرنامج في السبعينات، ولكن أستغرب أن التوجّهات ذاتها تبقى سائدة لنصف قرن من دون أن تكون موضع مراجعة.
طوال سنوات، عرفنا إسهالاً من الشعارات والصّراخ والمعارك الدونكيشوتية حول مسألة الثروات الطبيعيّة. أغلب من تحدّثوا في الموضوع لا يفقهون منه شيئاً فخاضوا صراعات هامشيّة ضدّ أعداء وهميّين (المواطن الحقيقية للفساد عموماً ما كانت في مواقع مختلفة تماماً عن تلك التي شكّلت محور الجدال، من عقود وعدّادات وكلام فارغ).. إذا كان هناك نزيف يضرّ ببلادنا ويستنزف ثرواتها الحقيقيّة، فهو هنا.
الثروة الحقيقية لتونس هي في شبابها وعقولها ونخبتها الحقيقية. هذه النخبة التي تترك البلاد منسحبة، تاركة إيّاها فريسةً للانتهازيين والمتشعبطين والفاشلين -الا من رحم ربي..
نحن في القرن الواحد والعشرين يا سادة... أدرك أنّ هجرة الأدمغة هي ظاهرة عالميّة لا يمكن إيقافها، لكن دول العالم، بمن فيها الهند وكينيا ودول أفريقيا السمراء وضعت السياسات للتصدّي لذلك، أو على الأقلّ الحدّ منه. وأشكّ أن تكون أي دولة محترمة يمكن أن تكون راعية لسياسة ممنهجة نحو التّخلّي عن خيرة عقولها. بلا، نحن في تونس نفعل ذلك بقرار رسمي معيب، وبتواطئ شعبي أقرب إلى البلاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.