قيس بن مفتاح كيف؟ متى عرفه الناس؟ ولماذا؟ بعض من أسئلة يطرحها الكثيرين منذ إعلان نتيجة سبر الآراء عند الخروج من الاقتراع وتبرز النخب وخاصة منها السياسية والإعلامية الأكثر اندهاشا و "صدمة" بهذه النتيجة، نخب تصدّر بعضها المشهد السياسي والإعلامي منذ ثماني سنوات وتحكم فيه وآلت فيه الأمور لما نعلمه جميعا من تردي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى أن داهم الجميع ذات أحد من شهر سبتمبر قطار تنوعت أطياف عرباته لكنها اصطفت كلها وراء قاطرة الرفض واللفظ والإنكار والازدراء وحتى التشفي.. حلّت الانتخابات وقد ساد الفساد وعمّ الكساد وكثر الهرج والمرج والشدّ والجذب داخل سلطة ومعارضة فشل كليهما فيما ندبا له فخسرا ثقة الناخب وانقطع منهما الرجاء والأمل، وتشتت أصحاب الخلفية المشتركة والتوجه المتقارب داخل المعسكر الواحد فقلَ عددهم وذهبت ريحهم، حمي الوطيس واشتد الخصام على اقتسام الغنيمة قبل تحصيلها فقرف بعض الشعب منهم وكره لقائهم وتاه البعض الآخر بين دكاكين الإعلام المنتشرة هنا وهناك تحت طائلة القانون وخارجه وبين صفحات التواصل الاجتماعي المأجورة والمتطوعة وبحث آخرون عن طبق آخر مختلف يشبع خواء عقولهم أوبطونهم و يلبي رغبتهم .. يعود الأستاذ قيس سعيد في ذاكرة العامة إلى السنة الأولى بعد الثورة فتذكره ضيفا محللا للمسائل القانونية الدستورية في نشرة الثامنة للقناة الوطنية بصورته شبه الجامدة وصوته الاستثنائي ولغته العربية التي لا تكاد تفارقه، أما المهتمين منهم والمتابع للشأن السياسي فيذكرون حديثه عن الشعب أصل السلطة وعن الهرم المقلوب في الحكم الذي جعل القرار مركزيا عوض أن ينشأ محليا وعن تزوير عقول الناخبين بافتعال مواضيع ليست بأولويات وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالح خاصة وليس عامة وعن سحب الوكالة من النائب إن أخلّ بواجبه أثناء مدة نيابته وعن امتناعه عن المشاركة في التصويت رفضا لمنظومة تدّعي زيفا الامتثال لإرادة الشعب في حين انها ترضخ لمصالح مجموعات ضغط ولأحزاب تستمد شرعيتها من التخويف من الآخر وليس من برامج ومشاريع فقلّ ظهوره في القناة الوطنية وعزفت عنه القنوات الخاصة الواسعة الانتشار فيما بقي هو يرافق طلبته ومناصريه في اجتماعات ولقاءات توعوية تثقيفية تنشر تصوره السياسي للنظام والحكم في كامل مناطق الجمهورية معتمدا على الإمكانيات الذاتية لطلبته وأنصاره وسعة معرفتهم وتمكنهم من تقنيات التواصل الاجتماعي فروّجت رؤيته على نطاق واسع دون أن يكون سبيل ذلك الاستعراض بل الإقناع. يسترعي قيس سعيد اهتمام المتلقي وانتباهه بشكل متفرّد عن غيره ساعد في ذلك أيضا هيبة الأستاذ المربي صاحب الأمانة العلمية والخبير المطلع على القوانين والتجارب المقارنة كما يجذب أسلوبه السّامع بطرافة الخطاب وصيغه الواضحة والاستدلال القصصي لمضمون مبسط يطرح تغييرا لمنظومة الحكم بتوفير الآليات القانونية التي تجعل من كل مواطن فاعل مباشر وشريك أساسي في السلطة له الكلمة العليا في الشأن العام (الشعب يريد) وتغذي في الفرد روح الانتماء للوطن والمساهمة في بناء المجتمع وتحمله مسؤولية الاختيار وتحمّل الأعباء دون إطلاق وعود سئم سماعها المواطن لعقود ، خطاب ينهل أيضا من القواسم المشتركة لطيف واسع من المجتمع التونسي فتجد قيس سعيد في الكثير من الآراء متفهما ومساندا لرأي جزء مهم من العامة في مواضيع كالإعدام والميراث وغيرها من المواضيع التي تُسقط حلولها إسقاطا على المجتمع من قبل بعض النخبة ممن ترى نفسها وصية عليه . خطاب الأستاذ ورؤيته استهوت أكثر من 600 ألف ناخب في 2019 لكنها ومنذ سنوات استفزت رجال المنظومة ضده واستنفرتهم فجعلته عدوهم فغيبوه وحاصروه إعلاميا حتى لا ينشر فيروس رفض المنظومة وطلب تغييرها إلى أن حان وقت الحساب ليعاقب الشعب أحزاب المنظومة وداعميها بتحقيق المفاجأة المدوية فانبرت الأذرع الإعلامية المصدومة من نتيجة الانتخابات تشوه الرجل وتلفق له الشيء ونقيضه محاولة خلط الأوراق ونشر الضبابية حوله لدى الناخبين وساعية لاستدراجه ليقع في شراكها مثلما أوقعت في السابق زعماء الأحزاب ورموزها لكن الأستاذ لم يقع بعد..