حياة بن يادم لا صوت يعلو فوق صوت كورونا، حيث ألغى كل البرامج و فرض جدوله الزمني على كل البشر باستثناء النساء الريفيات، اللاتي مع كل مشرق شمس يغادرن البيوت نحو المزارع و الحقول، تعانق أيديهن الأرض لفلاحتها، و تقوم بزراعتها و تقليم الأشجار و رعايتها، و جني ثمارها. تغدق الكثير من الحب لكل بذرة تزرع و لكل نبتة تنغرس في أرضنا الطيبة، دون كلل و لا توقف حتى في زمن الكورونا. في زمن الكورونا، تبرز بشكل لافت أدوار نسائية من مواقع قيادية وميدانية. حيث تم تسليط الضوء على النساء صاحبات الميدعات البيضاء و دورهن الريادي و موقعهن في الصفوف الأمامية لمواجهة الفيروس القاتل. في حين تبين بالكاشف وأن الغذاء و الدواء هما ما يحتاجهما الإنسان في هذه الأزمة. حيث شاهدنا في كامل المعمورة "شراءات الذعر" للمواد الغذائية. لتصبح الفلاحة هي السلاح الأخضر كما الدواء السلاح الأبيض ضد وباء كورونا. و النساء الريفيات كن و لازلن العمود الفقري للفلاحة. و يبذلن الجهود الخلاقة في ابقاء الزراعة عنصرا اساسيا من عناصر اقتصادنا الوطني. و الوباء لم يمنعهن من مواصلة كفاحهن و لم يخشينه. بل قمن بمواجهته بعزيمة و إصرار. جاعلين من "الفولارة" كمامتهن. و لولا سواعدهن لما وجدنا الخضر و الغلال على رفوف الباعة. نساء كتب على جبينهم الشقاء زمن الكورونا و زمن الرخاء على حدّ السواء. و بقين رصيدا زمن الانتخابات، و رقما يضاف لأحداث السير و هن يتنقلن كل صباح في ظروف مهينة على متن شاحنات و مقطورات الموت. حيث حسب إحصائيات وزارة المرأة والأسرة والطفولة أنّ 10.3% من العاملات في الأرياف ضحايا حوادث شغل وأن 21.4% معرضات لمخاطر الحوادث. و62.2 % يعملن في ظروف صعبة، و %18 يعملن في ظروف صعبة جدا. ويعتمدن على "وسيط" ينقلهن، ويصبح الفاعلَ الرئيسي في تحديد مصيرهن في سوق العمالة. و يتقاسم معهن الأجر الذي يتلقينه. هذا كله نظير رغيف يكاد يسدّ الرمق متعرضين للاستغلال الفاحش. بدء بالتمييز في الأجر، إلى تشغيلهن بأنشطةٍ في الأصل مخصّصة للرجال. دون أن نتطرق للتحرش المسكوت عنه و الذي يتعرضن له يوميا في بلد يدعي حماية حقوقهن. هذا البلد يعتبر القطاع الفلاحي ركيزة من ركائز اقتصاده حيث يمثل 9 % من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر 16 % من فرص الشغل. أكثر من 70 % منها يد عاملة نسائية. أغلبها تعمل كمعينات بدون أجر في الفلاحة العائلية، حيث وحسب معطيات وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، فإنّ المرأة الريفية تمثل 4% من مالكي الأراضي الفلاحية. أو كعاملات موسميات بأجور منخفضة وفي إطار غير مهيكل، و دون عقد عمل رسمي ودون تغطية اجتماعية. و الحال و أن الحقوق المزعومة لا تعدو أن تكون إجراءات شكلية لا ترتقي الى مرتبة إنصاف المرأة، نظير مساهمتها الفعالة في النهوض بالقطاع الفلاحي. و بروتوكولات صورية ينتهي مفعولها مع انتهاء اجتماع ساسة البلد. حيث لا تجد سبيلها للتطبيق على أرض الواقع و ينتهي بها المطاف على رفوف الأرشيف. يحق التساؤل هل اختزل وجود المرأة الريفية حول الإنجاب و العمل في ظروف مهينة في الفلاحة، وما دون ذلك سيكون بالصدفة بالنسبة لها؟. أما آن الاوان إدراج المساهمة الحثيثة للمرأة الريفية في القطاع الفلاحي وفق خطط تنموية شاملة دون انتقاص لحقوقهن، و تكفل لهن العمل المنظم الخاضع للتأمين و للتغطية الاجتماعية و الأجر المنصف لمجهودهن و الحق في التملك و في إدارة المشاريع التنموية؟ أما آن الأوان بالنهوض بفلاحة تضامنية تكون المرأة الريفية محوره؟ على الدولة و هياكلها أن تعترف بدور المرأة الريفية في مجال العمل الفلاحي، و في مساهمتها في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، و في تجندها في الصفوف الامامية في الحرب على فيروس كورونا. لذلك وجب و بصفة استعجالية: *إيجاد آلية لهذه الفئة الهشة تضمن حمايتها و وقايتها من خطر الجائحة خلال تنقلها و أثناء عملها بالحقول. و إلزام المشغلين باحترام إجراءات التباعد الاجتماعي. * تكثيف المراقبة على أصحاب الضيعات الفلاحية. *تمكينهم من المنح و المساعدات الاجتماعية دون تعريضهم للخطر. أما على مدى المتوسط و نظرا لمحدودية إمكانيات المرأة الريفية وجب على الدولة : * إيجاد نمط إقتصادي من شأنه تعميم التغطية الإجتماعية والصحية علاوة على تحسين ظروف عيشها. *تقنين وسائل النقل الفلاحي بطريقة توفر لهن الحماية من حوادث السير. *تكثيف مراقبة الضيعات و المستغلات الفلاحية حول مدى تطبيقهم لقوانين الشغل. *إيجاد آليات التمويل المباشر وتوفير الضمانات اللازمة للبنوك للراغبات في انجاز مشاريع خاصة. *إعتماد نمط الاقتصاد التضامني الاجتماعي و ذلك بإيجاد آلية ناجعة لتأطير ومرافقة المرأة صاحبة المشروع الفلاحي في شتى مراحل الانتاج (التمويل والتأمين والتسويق وتثمين المنتوج). و إدماجها في إطار هياكل مهنية قصد تحقيق التمكين الاقتصادي و تنمية القدرات و المهارات التي تؤهلها لتحقيق مستوى العيش الكريم. أما منظمات المجتمع المدني فواجبها النزول من برجها العاجي و خروجها من الصالونات الفاخرة لتصحيح أخطاء التاريخ الظالمة، التي اختزلت المرأة في صورة المرأة السلعة، و تناست حق المرأة البشر في الحياة الكريمة. و القيام بدورها الرقابي و التحسيسي والضغط ميدانيا من خلال دعم المرأة الريفية العاملة الانسانة. المرأة الريفية فخر هذا الوطن ..سلام إلى الأيادي التي تصنع الحياة...