مرتجى محجوب عندما أقول حكومة وحدة وطنية ، فأني أقصد عمليا أن تحظى الحكومة المقترحة بثقة ما لا يقل عن 160 نائبا من مجموع ال217 المشكلين لمجلس نواب الشعب . شخصيا ، كنت أفضل منهجية التشاور و التوافق حول برنامج انقاذ و انعاش اقتصادي قصير و متوسط المدى قبل المرور الى اختيار رئيس الحكومة و أعضائها و ذلك بالنظر الى واقع البلاد المتأزم و الى عدم امكانية تحمل مزيد من التجاذبات و الصراعات الأيديولوجية و السياسية و أسلوب المغالبة أو الأغلبية الحاكمة في مقابل معارضة قوية و شرسة . واقع الحال و للأسف الشديد ينحو في اتجاه اختيار رئيس حكومة قبل التوافق على برنامج انقاذ وطني ، و بناء عليه ، فأني أعتبر أن مسؤولية رئيس الحكومة الذي سيكلفه رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور هي في تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات أغلبية واسعة مع قيادة المشاورات الضرورية مع كل الأطراف السياسية و المنظمات الوطنية من أجل التوافق على الأقل على خطة إستعجالية لمعالجة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية التي استفحلت أكثر من أي وقت مضى اثر أزمة الكورونا و التي نتمنى أن لا تشملنا موجتها الثانية . نعم على رئيس الحكومة المكلف أن ينجح في كسب تأييد النهضة و قلب تونس و الكتلة الديموقراطية و ائتلاف الكرامة و الكتلة الوطنية و كتلة المستقبل و غيرها أن امكن ، في نفس الوقت ،او أن يعيد الأمانة لنذهب نحو اعادة الانتخابات التشريعية بعد تعديل القانون الانتخابي . أعلم انها عملية صعبة بل تكاد تكون مستحيلة ، بعد ما شاب العلاقات الحزبية و البرلمانية من صراعات و نزاعات و مشاكسات ، و لكني أعتبرها شرطا أساسيا و ضروريا لنجاح الحكومة القادمة . المسألة اذا و بحكم المنهجية المذكورة أعلاه ، أصبحت مرتبطة بنسبة كبيرة بقدرة و براعة و حنكة رئيس الحكومة المكلف ، السياسية و التفاوضية . في هذا الاطار ، فلا بد و كما كتبت سابقا أن يكون رئيس الحكومة القادم ، رجل سياسة بامتياز و لا يكفي أن يكون خبيرا اقتصاديا ، فأزمتنا قبل كل شيء هي سياسية تولدت عنها أزمات اقتصادية و اجتماعية ، ثم أن السياسي المحنك هو حامل بطبعه لرؤية و خطوط عريضة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية ...تؤهله للحكم و القيادة . في الخلاصة ، على الأحزاب البرلمانية و على رئيس الجمهورية أن يحسنوا و يتوفقوا في اختيار رئيس الحكومة القادم الذي أعتبر مهمته حاسمة و تاريخية ، لن يقدر عليها خبراء الاقتصاد او المبتدئين و المتطفلين على السياسة ممن يتداول البعض أسمائهم في بعض المواقع الإعلامية . "السياسة عندها اماليها " و كذلك القيادة و الزعامة و هي لا تأتي صدفة بل نتيجة خلفية ثقافية عميقة و رؤية ثاقبة و واضحة و حكيمة و قدرة على التأثير و الاقناع و المفاوضة و ذكاء حاد و حس سياسي مرهف و استشراف و بعد نظر و استراتيجية ناجعة و واقعية و برغماتية و جرأة و شجاعة و اقدام و قبل كل شيء ، نزاهة و صدق و اخلاص ووطنية طاغية لا تقبل المساومة . لحظة تاريخية فارقة ، ستحدد حاضر و مستقبل وطن و شعب سئم من الوعود الكاذبة و الخيانات الموصوفة و العمالة المفضوحة . كلي أمل و تفاؤل ، بنجاحنا جميعا في نحت ملحمة انقاذ الوطن ووضعه بصفة نهائية على سكة الرقي و الازدهار ، فقط بالعمل و لا شيء غير العمل من اجل الصالح العام مهما كلفنا الأمر من تضحيات و مشاق ، تهون كلها وفاءا و حبا في تونس وطننا الذي ليس لنا غيره على وجه الارض . بالتوفيق لكل مخلصة و مخلص للوطن مهما كانت انتماءاتهم السياسية او الأيديولوجية . عاشت بلادي حرة مستقلة أبد الدهر ، و المجد لشهداء الوطن .