اصدرت الدار التونسية للكتاب مؤلفا جديد للدكتور و المؤرخ عبد اللطيف الحناشي تناول فيه موضوع السلفية التكفيرية في تونس ، وهو كتاب متوفر في جميع المكتبات ، و قد عالج الظاهرة من جميع النواحي كما يبدو من المقدمة العامة للكتاب التي جاء فيها: " لا يتردد باحثون وإعلاميون وسياسيون تونسيون وعرب بتوصيف الشعب التونسي ك"شعب مسالم لا علاقة له بالعنف والإرهاب" و انه من "أكثر شعوب العرب مسالمة ونبذا للعنف بالمعنى العصري للسياسة"بالتوازي مع ذلك يرى آخرون أن :"الإرهاب دخيل على تونس" وان سببه هو حكومة الترويكا في حين اعتبر آخر ان سبب العنف هو حطم الاستبداد السابق :"تونس لا يوجد بها تاريخ إرهاب... و أن هذا العنف الذي نعيشه هو وليد النظام الدكتاتوري والاستبدادي الذي عرفته البلاد طيلة عقدين ونيّف من الزمن " أما الاتحاد العام التونسي للشغل فتحدث عن التوحّش وانعدام الإنسانية لغالبية الذين التحقوا ببؤر الصراع معتبرا أن تلك الممارسات "لا يمكن أن تمتّ بصلة بشخصية التونسي ولا بحضارته وثقافته". أقوال ومواقف و توصيفات تبدو في أغلبها مجانبة للحقيقة والواقع: فصحيح أن العنف السياسي الذي كان مصوّبا تجاه الأجهزة الاستعمارية المادية والبشرية، في تاريخ البلاد كان تواتره محدودا، مقارنة بما جرى في الجزائر(1830-1862) وليبيا(1911-1931 )() باعتبار أن البلاد التونسية قد تحولت إلى "محمية" فرنسية الأمر الذي ساعد على وجود ثنائية في الأجهزة والأنظمة، بالرغم من شكلية الكثير منها،ما أتاح للبلاد تحقيق تطور، محدود و نسبي،في المجال التربوي والاجتماعي والمؤسساتي...لكن ومقابل ذلك لم يخل تاريخ الحركة الوطنية التونسية بدوره من العنف(الداخلي أن صحّ التعبير) الذي بدأت بعض ملامحه تبرز بعد انشقاق المرحوم الحبيب بورقيبة وتأسيسه للحزب الحر الدستوري، الديوان السياسي. (1934). كما مارس الحزب الحاكم بعد الاستقلال العنف بكل أشكاله(اغتيال الزعيم صالح بن يوسف في 2 جوان 1961 في ألمانيا)ضد الحركة اليوسفية والزيتونيين و القوميين والبعثيين و العروبيين و الماركسيين والإسلاميين وضد الحركة النقابية(1978) و ضد المجتمع سنة 1984 (أحداث الخبز). كما عرفت الساحة الطلابية بدورها، ومنذ مؤتمر قربة 1971 عنفا مزدوجا عنف السلطة والعنف بين مختلف التعبيرات الإيديولوجية والسياسية الطلابية وهي ظاهرة لازالت تعرفها هذه الساحة دوريا في الكثير من الكليات والمبيتات والمطاعم الجامعية،ظاهرة تتفاقم خاصة بمناسبة الانتخابات الطلابية للمجالس العلمية أو النقابية... أما نظام بن عليّ فكان نظاما مُوَلّدا للعنف وليس ممارسا له فقط.. وان كان المنتمون لحزب النهضة من أكثر ضحايا العنف متعدد الأشكال والمضامين فلم تكن بقية الأطراف بمنأى عن ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر . وإذا كان الشعب التونسي مسالما. فبماذا نفسر وجود بين ثلاثة إلى خمسة آلاف (3000 إلى 5000) مقاتل تونسي(كحدّ ادني) قاتلوا على دفعات وفي فترات مختلفة في العراقوسوريا وليبيا... و غيرهم ممن شاركوا في مالي وقبلها في الجزائر وأفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان؟ و بماذا نفسر منع وزارة الداخلية لنحو 29 ألف تونسي منذ سنة 2012 من مغادرة ارض الوطن للالتحاق بؤر الصراع في سورياوالعراق؟ و بماذا نفسر وجود 1390 تونسيا(1349 من الذكور و41 من الإناث ) مفتّش عنهم دوليا بتهم تتعلّق بالإرهاب. و بماذا نفسر السلوك "الوحشي"لبعض التونسيين تجاه المدنيين أفرادا ومؤسسات في بؤر الصراع : قتل وتمثيل بالجثث وتفجير المباني العامة والخاصة على ساكنيها؟ بل كيف نفسر ما قام به"الدواعش" في تونس تجاه سكان سفوح الجبال التونسية من ذبح وقتل وتمثيل بعشرات من العسكريين ورجال الحرس الوطني والشرطة والمدنيين تونسيين وأجانب؟ و بماذا نفسر العنف الاجتماعي الواسع الذي عرفته البلاد،بعد الثورة على الأقل،الذي اتخذ نسقا متصاعدا ألا يمكن تحويل تلك الطاقات العدوانية الفردية إلى عنف ذو طابع سياسي منظم مؤدلج إذا توفرت الظروف و الإمكانيات والتأطير...كما حصل في عدة بلدان عربية؟ وبعيد عن النظرة "الطُهرية" والتوصيفات غير الواقعية للمجتمع التونسي نرى أن تاريخ أي شعب من الشعوب، بما في ذلك الشعوب التي وصلت إلى درجة كبيرة من التقدم،لا تخلو من مظاهر العنف السياسي الذي تمارسه الأطراف السياسية فيما بينها كما تزال بعض من مظاهر ذاك العنف ا متداولة في أوساط بعض الأحزاب والتنظيمات والبرلمانات في البلدان المتقدمة.. ناهيك عن العنف المتنامي الذي يمارسه بعض الأفراد المنتمين إلى المنظمات والجمعيات اليمينية المتطرفة سياسيا أو دينيا أو الاثنين معا في أوروبا الغربية تحديدا.. فالعنف كما التطرف بأشكاله المختلف ظاهرة اجتماعية إنسانية و سياسية عرفتها المجتمعات البشرية في كل حقبها منذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض، و المجتمع التونسي لا يختلف عن بقية المجتمعات البشرية التي عرفت أو،مازالت، تعرف بدورها أشكالا مختلفة من العنف الاجتماعي والسياسي يرتفع منسوبه أو يتقلّص حسب الظروف العامة الداخلية والخارجية... ولا شكّ أن تمدد ظاهرة السلفية التكفيرية العنيفة في تونس وضخامة المنخرطين في تنظيماتها من التونسيين في الداخل أو في الخارج يدفع لطرح عدة أسئلة أخرى منها: كيف ولماذا حصل ذلك في تونس التي تعتبر من الدول العربية القليلة التي حققت تقدما ملحوظا على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والتربوية. وهي البلد المنفتح والمتفتّح الذي عُرف بريادته في مجالات عديدة كتحرر المرأة والتنظيم النقابي والسياسي والحقوقي...كما أن ما حصل يدفع للبحث والتدقيق عن حجم هؤلاء سواء الناشطين منهم في الداخل أو المقاتلين في بؤر الصراع وأهم تنظيماتهم وأبرز العمليات العنيفة و الإرهابية التي قاموا بها وحجم ضحاياهم و محاولة تحديد مواصفاتهم الاجتماعية والثقافية والجغرافية ومعالجة الأسباب والعوامل التي دفعت بهؤلاء في الانخراط في تلك المجموعات... لا شك أن الكتب والبحوث التي رصدت وحلّلت هذه الظاهرة في تونس على تميزها و فرادة البعض منها تظل محدودا إذ نعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من البحوث والدراسات العلمية والاستقصائية. أمر يتطلب من الجهات ذات العلاقة بهذه الظاهرة أن توفّر للباحثين ما لديها من وثائق ومعطيات، ما لم تمسّ بالأمن "القومي"، تخصّ هذه الظاهرة حتى يتمكنوا من دراستها من مختلف جوانبها ما قد يساعد على معالجة أسبابها وتحجيم انتشارها...ودون ذلك أي بغياب تلك المصادر تظل الصحافة وبعض المواقع الالكترونية بما تتمتع به من حرية في النظام الديمقراطي أحد أهم المراجع التي يمكن للباحث الاعتماد عليها بعد التحقق من مصداقية المعطيات التي تقدّمها ."