لديك أموال في حساب متروك؟.. هذا ما عليك فعله لاسترجاعها..    أكثر من 63% من التلاميذ نجحوا في مناظرة النوفيام 2025    عاجل/ بعد ما راج عن موجة حر الأسبوع المقبل في تونس: عبد الرزاق الرحال يكشف ويوضح..    عاجل/ جريمة مروعة تهز هذه الولاية: شخص يقتلع عيني زوجته..!    بسبب الأسماك النافقة: الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يوجه هذه الرسالة للمواطنين..    فرنسا تشترط الإفراج عن رعاياها لرفع العقوبات على إيران    "الصحة العالمية" تعلن إجلاء 23 مريضا من غزة..    عاجل : طلاق بالتراضي بين فوزي البنزرتي و الاتحاد المنستيري ...تفاصيل    عاجل : إلغاء الإضراب فى الخطوط التونسية الفنية    نتائج التحاليل تؤكد: لا خطر صحي في استهلاك الدلاع التونسي    ''الستاغ'' تغرق في الديون: أكثر من مليار لدى الحرفاء و7 آلاف مليار لدى الدولة    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة متابعة..وهذه التفاصيل..    تعرف شنوّة تعني الأعلام في البحر؟ رد بالك!    تنظيم سهرة فلكية بعنوان 'نظرة على الكون' بقصر اولاد بوبكر بمنطقة البئر الاحمر بولاية تطاوين    ''فضيحة اللحوم الملوثة'' في فرنسا: وفاة طفل وإصابة 29    "الزنجبيل".. ينصح به الأطباء ويقي من أخطر الأمراض..    موجة عنيفة من حرائق الغابات تجتاح تركيا    وزير الفلاحة يوصي مراكز التجميع ومركبّات الحبوب بسليانة باتّخاذ كلّ التّدابير لحماية الصّابة وإنجاح الموسم    700 مليون د خسائر محتملة.. "الستاغ" تدخل في إضراب عام رفضاً لسياسة التهميش    اختتام اللقاءات الأكاديمية ببيت الحكمة يوم السبت بمحاضرة عن "الثقافة الوطنية في عصر العولمة" يقدمها الأستاذ توفيق بن عامر    اضطراب في تزويد عين الناظور ببنزرت بماء الشرب وهذا موعد الاستئناف    جندوبة: حريقان يأتيان على هكتار من القمح وكوخ من التبن    نجم المتلوي: تواصل التحضيرات .. وإيفواري يخضع للإختبارات    الرابطة الأولى: لاعب جديد يعزز صفوف الإتحاد المنستيري    إنتقالات: باير ليفركوزن الألماني يتعاقد مع مدافع ليفربول الإنقليزي    الدفاع عن المستهلك: أسعار معقولة في السوق...وهذه المنتجات الأكثر ربحًا    مرتضى فتيتي يطرح "ماعلاباليش" ويتصدّر "يوتيوب" في اقلّ من 24 ساعة    بلدية تونس تدعو متساكنيها الى الاسراع بالانتفاع بالعفو الجبائي لسنة 2025    الهلال السعودي يعلن انضمام المغربي حمد الله للمشاركة في كأس العالم للأندية    رد بالك من الماسكارا اللي تقاوم الماء..هاو علاش    برد الكليماتيزور بالليل... خطر صامت؟    "نتنياهو" يتوعد بالقضاء على حماس..#خبر_عاجل    عاجل : وفاة لاعب مشهور في حادث مروّع    بشرى سارة لمرضى السرطان..    مقتل 4 أشخاص وإنقاذ 23 إثر غرق عبارة قبالة بالي    وزارة الصحة تعقد اليوم جلسة تفاوض جديدة مع الأطباء الشبان..    لي سيو-يي.. رحيل مفاجئ لنجمة الدراما الكورية يثير التساؤلات    ما تخبئه الكواكب ليوم الخميس 3 جويلية: يوم حاسم لمواليد الأبراج المائية والنارية    وزير الخارجية ونظيره العماني يؤكدان على ضرورة متابعة تنفيذ توصيات الدورة 16 للجنة المشتركة التونسية العمانية    اليوم: ارتفاع درجات الحرارة ...والشهيلي حاضر    كولومبيا تضبط لأول مرة غواصة مسيّرة لتهريب المخدرات    محمد صلاح يتصدر قائمة أغنى اللاعبين الأفارقة لسنة 2025 بثروة قدرها 110 ملايين دولار    عاجل: صفقة جديدة للنادي الإفريقي    كوريا الشمالية تصعد لهجتها ضد الولايات المتحدة    تراشق فايسبوكي بين خميس الماجري ومحجوب المحجوبي: اتهامات متبادلة بالتكفير والتطبيع و«الإفتاء للراقصات»    باجة: رياح رملية قوية وتحذيرات من تقلبات جوية وأمطار غزيرة    وزير التجهيز: تقدم ملحوظ في أشغال الطريق السيارة تونس-جلمة [فيديو]    لدى لقائه الزنزري.. سعيد يعطي تعليماته باعادة هيكلة عديد المؤسسات العمومية    أخبار الحكومة    تاريخ الخيانات السياسية (3) خيانة بني أبيرق في عهد رسول الله    التحقيق مع راغب علامة بقضية "المكالمة الهاتفية" المسرّبة    عاجل/ تغييرات في رحلات "تونيسار" من وإلى فرنسا خلال هذه الفترة    وفاة مفاجئة للمطرب المصري الشاب أحمد عامر    3 حاجات لازم تخليهم سرّ عندك...مش كلّ شيء يتقال    ماهر الهمامي يدعو إلى إنقاذ الفنان التونسي من التهميش والتفقير    المرسى: 12 سنة سجناً وغرامة مالية ب20 ألف دينار لمروّج مخدرات داخل الملاهي الليلية    كيفاش تستغل دارك والا محلك وتدخل منهم فلوس؟    تاريخ الخيانات السياسية (2)... قصّة أبي رُغال في هدم الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بديهيات" تعيق الجدل السياسي في تونس
نشر في باب نات يوم 12 - 02 - 2021


المهدي الجندوبي
"النهضة هي الدمار بعينه"، هذه "بديهية" ترسّخت في ذهن قسم لا يستهان به من الناس و يناقشها الأستاذ أبو مازن في مقاله : "النهضة في قلب المعادلة...و في المثل التونسي راس الهم دادا عيشة " مستعرضا حججا عديدة و مقنعة تبيّن أن النهضة في الحكم لم تكن مطابقة للصّورة المخيفة و المسيئة التي سعى الى تكريسها النظام السابق عبر قنواته الإعلامية. لكنّ الكاتب بقدر ما إجتهد في التبرير العقلاني لمواقف النهضة المعتدلة و هي في الحكم، إنطلق من "بديهية" أخرى لم يناقشها بالمرّة و كأنها حقيقة مطلقة: "العهد البائد" عبر "موروثه الإخباري" هو المتسبّب في هذه الصورة التي تلاحق النهضة و يضيف أن ما جرى بين النهضة و النظام السابق ليس سوى "سجال بين ديكتاتورية فاسدة و توق للحرية".
فعلا "داداعيشة هي راس الهم". عندما كنت شابا في السبعينات كنت أستمع الى مناقشات سياسية تقول ان شيخوخة الزعيم بورقيبة هي التي اصبحت تعيق تونس بعد أن ساهم في تحريرها و في تنميتها نهاية الخمسينات و طوال الستينات حيث إنتشرت المدارس و المستوصفات في الأرياف و غادر بورقيبة الحكم ووصلت مسامعي و أنا كهل في مطلع التسعينات أن الرئيس بن على و اصهاره "تملّكوا" تونس و أعاقوا تنميتها بسبب الفساد، و جاءت الثورة و في جرابها الحرّية لكن تبيّن أن الفساد لم ينته مع نهاية الأسرة الحاكمة.
و إنتشرت بعيد الثورة "بديهية" حلّ حزب التجمّع الديمقراطي الدستوري لإنهاء ولاءات النظام السابق و سدّ الباب أمام "الأزلام" وصدر سنة 2011 قرار قضائي في ذلك لكن إكتشف الكثيرون أن المدرسة السياسية الدستورية التي حرّكت الساحة السياسية التونسية منذ 1920 بزعامة الثعالبي ثم بورقيبة، لا تختزل في هيكل متآكل و إكتشف الجميع أن لهذا الحزب بكلّ نجاحاته و أخطائه قاعدة إجتماعية لا تموت بمجرّد موت التنظيم.
و قاربت الشيخوخة سنة 2012 و مسامعي ترنّ بوجوب إنهاء "حكم الترويكا" و فعلا نجح الأستاذ باجي قائد السبسي في هذه المهمّة و "و شمل تونس خير عميم" عندما وصل حزب نداء تونس الى الحكم سنة 2014 و نسي "الزعماء الأفذاذ" الذين وحّدهم سي الباجي من روافد سياسية عريقة، "فتح 100 قاعة عرض ثقافي" وعدوا بها مع غيرها من الإلتزامات، و تقاتل الإخوة الأعداء الندائيون غداة إنتصارهم، حتى قبل دخول زعيمهم الى قصر الرئاسة و انتشرت فكرة شغلت المحلّلين و الفرقاء و عمّرت المقالات و البرامج الإخبارية، أن إبنه هو سبب تلاشي الحزب ثم إندثاره، و مات الباجي و غادر إبنه الوطن و أستقرّ في المهجر منذ أكثر من سنة و بقي حزب نداء يراكم خرابه.
و تستمرّ البديهيات التي تعصف بعقولنا. فالأستاذة عبير موسي التي تصدّت بكل شجاعة لتيّار جارف مطلع الثورة أراد و نجح في حلّ حزب التجمّع الحاكم قبل الثورة، تلوّح هي بدورها ببديهية مقاومة ليس النهضة وحدها كتنظيم سياسي و لكنها تحلم حسب آخر تصريح لها في إذاعة موزاييك، لخلاص تونس "بمشهد سياسي يلغي الإسلام السياسي و التنظيم الإخواني" ناسية أو متناسية أن فكر الإسلام السياسي يشغل كبار الدارسين للسياسة الدولية منذ عقود و أنه محرّك رئيسي سواء كان في الحكم أو في المعارضة، للساحة السياسية من أندونيسيا الى موريطانيا و أن تونس لا يمكن أن تكون إستثناء تاريخيا او جغرافيا. فلا يقاوم الفكر إلاّ الفكر. يمكن حلّ حزب النهضة كما وقع حلّ حزب التجمّع لكن هل يمكن الغاء القاعدة الإجتماعية لحزب النهضة حيث فشل قرار حلّ التجمّع في إلغاء قاعدته الإجتماعية؟
و يرى آخرون اليوم أن الأستاذ راشد الغنوشي يجب أن يغادر ليس رئاسة البرلمان فقط لكن عليه أن يعتزل السياسة، "طبعا لمصلحة تونس". فهل تونس افضل عندما غادرها بورقيبة و بن علي و المرزوقي و الباجي؟ و هل ستكون فعلا افضل عندما سيغادر الغنوشي إن آجلا أو عاجلا الحياة السياسية؟
و حلّ بيننا منذ سنة 2019 رئيس دولة جلبنا بالملايين نشدّ طابور التصويت لإنقاذ تونس من خطر "الفاسدين" في دور ثان للإنتخابات الرئاسية و دعت الى التصويت لصالحه جلّ التنظيمات السياسة التي اصبحت اليوم تنتقده بشدّة، و رمى هو أيضا في الساحة العامة "ببديهياته" فاصبنا نسمع منه أن من ناصره هم "الوطنيون" و غيرهم "خونة" و من إجتهد في تاويل القانون او تفسيره خارج ما يراه صحيحا، فهو "جاهل" حتى و إن كانت كتبه في القانون و فلسفه القانون تعمّر المكتبات الجامعية. و إنتظرنا أن يشرح لنا كيف يريد ان يصلح "إنحراف" النظام السياسي التونسي بعد الثورة بطريقة الإنتخاب على مستوى محلي على الأسماء مع أمكانية سحب الوكالة و هو سلاح يمتلكه المواطن كلّما خاب ظنّه من ممثليه، في وثيقة مكتوبة مطوّلة دقيقة، نتدارسها و نتشبّع بنورها و نناقشها، فلم تصلنا سوى فيديوهات تعلن الحل و لا تشرحه، أو إجتهادات الأستاذ رضا شهاب المكي الشخصية أو أصوات أخرى لا نعلم هل هي أفكار الرئيس أو أفكار انصار الرئيس.
"البديهيات" التي تعتمد على المشكل الوحيد تؤدي طبعا الى الحلّ الوحيد و هو اسلوب بليغ في الدعاية السياسية لأنه يشخّص العدو و يحرّض الجموع ضدّه و قد يحقق إنتصارات سياسية لكنّه سلاح ذو حدّين لأنه يخدمك يوما و ينقلب ضدّك يوما آخر. و هنا نقطة الإختلاف بيني و بين الأستاذ أبو مازن الذي يعود له الفضل في كتابة هذه المقالة، فالنهضة تتعرّض اليوم الى أحكام قاسية يرفضها ابو مازن و يرى ان سببها "إرث إخباري" مناهض للنهضة وريث "العهد البائد". بينما أرى أن النهضة و رئيسها يواجهان نار التراشق بالبديهيات التي طالما كانت لصالحهما عندما كانت تكال بسهولة ضدّ بورقيبة و بعده بن علي، فالحاكم "ظالم، مستبدّ، فاسد، جاهل للدين" في ثنائية ملائكية تشيطن الخصوم و هي طريقة تفكير أصبحت، النّمط السّائد في الجدل السياسي في تونس و إستفحلت بعد الثورة بحكم توسّع دائرة المجادلين و سهولة تدخّلهم في المجال العام عبر تضاعف وسائل الإعلام و إنتشار الشبكات الإجتماعية.
الجدل السياسي في تونس، خارج مجال الكتب و الأطروحات العلمية و التقارير الجادّة و مقالات الرّأي الرصينة و هي محدودة الإنتشار، يمرّ في الفضاء العام عبر وسائل الإعلام. و رغم ثرائه و تعدّده بالقياس مع فترة ما قبل الثورة، فهو يشكو اليوم أكثر من أي وقت مضى من العقلية الدّعائية خاصة و أن مجاله الطبيعي اصبح ما يسمى "بالبلا توهات" التلفزية و الإذاعية و صفحات الفايسبوك، حيث "الكل خصم الكل" في تقاتل رمزي مسترسل، على خلفية لحاف من "الضمار" و خفّة الرّوح و الهزل الذي يفتح يوميا لعشرات من "المناضلين المقاتلين" المنخرطين في تيّار ضد آخر، و هذا الفضاء هو البيئة التي تضاعف من رواج أسلوب تفكير سياسي يعتمده كل المتنافسين في السّاحة العامّة رغم إختلاف مشاربهم، وعتاده الفكري الأحكام القاطعة و المزاج و شيطنة الخصم.
بعض وسائل الإعلام التلفزية و بصفة أخصّ القنوات الخاصّة التي تعيش من الإشهار و قياس جمهور المتابعين، فاقمت طريقة تفكير تعود الى عقود قبل بعث هذه القنوات و ساهم كل طرف سياسي في الّسّلطة و المعارضة في تكريسها،لأن "راس الهم دادة عيشة" هذا المثل الشعبي البليغ الذي أحسن إختياره الأستاذ ابو مازن في عنوان مقاله، هي مدرسة سياسية مترسّخة في تونس، لكن"دادة عيشة" شهّالة بدّالة، يكتوي بنارها كلّ حكّام تونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.