أبو مازن مؤكد أن موروثا اخباريا قد تركه العهد البائد مفاده أن النهضة المحظورة هي الدمار بعينه وهي التي تريد قلب الدولة وتغيير نمط المجتمع ليصبح كمثيله في افغانستان أو السعودية قبل مجيء ترامب أو السودان قبل رحيل البشير. مؤكد أيضا أن الاعلام وقتها كان مرتهنا لترديد هذه المقالة فمنها يقتات ومنها ينال الدرجات. ولعل الاعلام المعارض الذي لا يكاد يظهر وسط هذا الضجيج تحدث من حين لآخر أن الأمر لا يعدو أن يكون سجال بين دكتاتورية فاسدة وتوق للحرية. هي عشر سنوات قيل حكمت فيها النهضة وقيل عكس ذلك وأي كانت الصورة فانّ هذا الحزب القديم الجديد كان هدف الاعلام منذ اليوم الأول اذ رددوا أن آخر كلمات الرئيس السابق وهو يغادر المطار (النهضة وراء ما يحدث). عشر سنوات ولا تكاد هذه النهضة التي يصر البعض أنّها مستوردة من الشرق والغرب، يقولون دعائمها في الشرق الأوسط وركائزها بين لندن وواشنطن والله أعلم ان كانوا يصدقوننا الثول أم مجرد تهويل. لا علينا ذاك هو الماضي الذي استغلته الدكتاتورية بشهادة الجميع وكل العائلات السياسية والاجتماعية لتصفية الخصوم ولكن لما يمتد هذا التصويب نحو النهضة الى حدّ الساعة. المواطن الكريم لم يلحظ دكتاتورية ودموية دعت لها ابان الثورة بل بنيت ديمقراطيتنا على مهل وتوجت بدستور يحتمل كافة الأطياف المجتمعية والسياسية ولو شاب اعداده مد وجزر ونفور وتقارب. كذلك صيغت دساتير أغلب الديمقراطيات حتى تعمّر طويلا. المواطن الكريم لم يلحظ أيضا أي انخرام للنمط المجتمعي فتعداد المصلين بالمساجد لازال على حاله وتعداد رواد الحانات يتزايد ولباس الناس نسوة ورجالا تواكبه الموضة فيحل أينما حلّت، سراويل مقطعة وقصير وطويل وعاتم وشفاف. هكذا نتّبع الهوى في الملبس كما كنّا من قبل فلا نترك موديلا ولا تقليعة دون تجربة. سقطت اذن اطروحة التخويف فانتشرت منذ حكومة الترويكا فرق اعلام مدربة تتحكم في المشهد الاخباري والحواري برمته لعملية غسيل طويلة المدى غايتها المحافظة على هذا الكره والمقت الشديد الذي تعرّت مقوماته وبات يحتاج لمن يؤججه. عند الظهيرة ينتشر الفريق الإعلامي في كل الاذاعات تقريبا ويجلب معه ضيوفا لسبّ النهضة ومن وقف لجانبها ولو كان من قلب اليسار. قد يكون لحدث سياسيا أو رياضيا أو اجتماعيا أو حتى عرس لأحد المشاهير، لا يهم اذاعيونا و كرونيكاراتنا أكفاء لوجود ثغرة من ورائها يقع حشر داد عيشة كما يقال. ينتقل في الليل نفس الفريق فيتوزع عل القنوات التلفزية ليأتي بضيوف أخر ليساندوا ما قيل في الظهيرة ضد النهضة ومن وقف الى جانبها. يكون البرنامج الحواري مثلا مكون من أربع ضيوف كل بيافطته وكذاك المقدم ضد النهضة واطروحتها في مواجهة قريب منها أو أحد أفرادها. مشهد سريالي اعتدنا على متابعته منذ عدة سنوات ولعله يفلح في الصد فيأتون في المرة القادمة بآخر. ولو تعلم شدة فرحهم بمن استقال أو غضب من داخل النهضة فيصبح حديث البلاتوات ونجم الحصة فيطلق له كامل الوقت ليخرج ما في جوفه ويعاونه في ذلك المقدم والكرونيكر. غدا صباحا وعلى موجات الأف أم يذكرنا نفس الفريق بما وقع البارحة من مشاحنات و اتخاذ مواقف من النهضة و يشيدون بدور هذا وذاك الذي أنشأ حزبا أو جبهة لصدّ تقدّمها الانتخابي أضف الى ذلك الحصة الشهرية التي تروج سبر الآراء والذي يبنى على بينة مما يدور في الاعلام. هما سؤالان فقط لأختم حديثي؟ أولا: لماذا لم تقع النهضة رغم كل هذه المكائد رغم تنبؤات عدد من المرسكلين سياسيا والكرونيكارات وحتى سيء الحظ العيفة. أما الثاني: لماذا يطوى كل ملف دون ضجيج ولا حتى مجرد تساؤل اذا بانت حقيقته أنه مفبرك و محض افتراء فلا يقع التوضيح ولا تبسط انارة الرأي العام كما يحدث في أغلب ديمقراطيات العالم؟