بلاغ صحفي - يتواصل منذ مدة الاعتصام الذي دعت إليه عبير موسي وحزبها أمام مقر فرع "اتحاد العلماء المسلمين" بشارع خير الدين باشا بتونس العاصمة. وقد شهد هذا الاعتصام تطورات خطيرة في اليومين الأخيرين، إذ تحوّل إلى تصادم بين أنصار هذا الحزب، الذين اقتحموا مقر الفرع المذكور بقيادة عبير موسي بنيّة الاستيلاء عليه وغلقه بعد أن رفض القضاء في مرتين الاستجابة إلى مطالبتهم بحلّه، وبين أنصار هذا الفرع من حركة النهضة والأوساط القريبة منها وعلى رأسها "ائتلاف الكرامة". وقد كاد هذا التصادم الذي يدفع إليه الفريقان المتقابلان في ظلّ الأزمة الحالية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الطبقات والفئات الكادحة والمفقّرة فاتورتها، أن يتحول إلى كارثة لولا تدخل قوات الأمن والحيلولة دون المواجهة. ويهمّ حزب العمال أن يتوجه إلى الشعب التونسي بما يلي: 1- إنّ "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" بقيادة "الإخواني" يوسف القرضاوي ليس سوى تنظيما رجعيا ظلاميا وهو في الواقع جناح لحركة "الإخوان المسلمين" وأداة لقوى دولية (الولاياتالمتحدةالأمريكية) وإقليمية (قطر وتركيا خاصة)، تستعمله لاختراق بلدان المنطقة وشعوبها وتمزيق وحدتها وتشريع العنف والإرهاب في ربوعها بعنوان "الجهاد المقدس". وبالطبع فإنّ وجود فرع لهذا التنظيم في بلادنا لا يخرج عن هذه الأهداف التي تقف وراءها وتحميها حركة النهضة والأوساط الظلامية والمتطرّفة المحيطة بها. وهو في النهاية أداة لتكوين الكوادر بغاية الترويج للأفكار الظلامية والتّطرف الديني والحث على الاصطفاف وراء المحور القطري التركي في المنطقة. 2- إنّ المطالبة بحلّ هذه المنظمة وكشف حقيقة أعمالها وأهدافها، مثل بقية المنظمات والجمعيات ذات الغطاء الديني والخيري التي اخترقت بلادنا منذ 2011 مستغلة مناخ الحريات ودعم حركة النهضة وبعض حلفائها الانتهازيين الذين وصلوا إلى السلطة، هو مهمة ديمقراطية ووطنية على شعبنا والقوى الديمقراطية والتقدمية الحقيقية الاضطلاع بها صلب برنامج عام لإخراج تونس من التبعية والتخلف وحكم العائلات ولوبيات الفساد والسماسرة من كل الألوان والاستبداد والنهوض بها في إطار نظام وطني، ديمقراطي، اجتماعي، تقدمي، يحقق في ظله العمال والكادحون والمفقّرون والمهمّشون والنساء والشباب والمثقفون والمبدعون مطالبهم في الشغل والحرية والكرامة الوطنية. 3- إنّ انشغال عبير موسي وحزبها بهذا الملف لا يعود إلى تناقض جوهري بين حزبها وبين المشروع الظلامي لحركة النهضة وحلفائها و"الإخوان المسلمين" عامة. إنّ نظام بن علي الذي خدمته عبير موسي وما تزال تمجّده إلى اليوم وتحنّ إليه، كان قد استقبل هو وحزبه، "التجمع الدستوري، سنة 2009 بحفاوة كبيرة يوسف القرضاوي زعيم "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" بمناسبة الاحتفال بالقيروان "عاصمة للثقافة الإسلامية"، كما تمّ بثّ خطابه في افتتاح التظاهرة في قناة تونس 7 (الوطنية الأولى حاليا). ولم ترفض هذه الزيارة في ذلك الوقت سوى القوى الديمقراطية والتقدّمية. واليوم فإنّ اندفاع أنصار "التجمّع" المنحلّ المنتظمين صلب "الدستوري الحر" إنما يتمّ في إطار حرب بالوكالة نيابة عن الجناح المقابل للرجعية العربية والإسلامية ممثلا في السعودية ودولة الإمارات ومصر. وبعبارة أخرى فإنّ ما يجري اليوم أمام مقر اتحاد الخراب الظلامي ليس سوى حربا بالوكالة بين أتباع الجناحين اللذين يتظلّلان بنفس المظلّة الأمريكية خاصة والغربية عموما ولذلك فهما يتّبعان مثل تلك الأساليب القائمة على العنف و"البلطجة" والتشهير المبتذل في ظلّ منظومة حكم متأزمة وفاشلة حوّلت البلاد إلى مرتع للقوى والمخابرات الأجنبية. 4- إنّ مصلحة شعبنا ليست مع هذه القوى الرجعية المتطاحنة والتي لم تجلب لبلادنا وشعبنا طيلة عقود من حكمها سوى التبعية والتفقير. إنّ الصراع "الدستوري – الاخوانجي" لا مصلحة للشعب فيه. إنّ مصلحة الشعب الحقيقية هي في خيارات وطنية شعبية تقدمية تحمي استقلال البلاد وكرامة الشعب. وليس أدلّ على ما نقول من أنّ "الدستوري الحر" الذي يرفع شعار "مقاومة" حركة النهضة لا يختلف معها في شيء في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المعادية للشعب والوطن. كما أنّ الدستوري الحر وقف نفس الموقف في المدة الأخيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والشعبية التي أدانها واعتبرها "مشبوهة". إنّ معارضة حركة النهضة لا تُكسب صاحبها بالضرورة صفة الوطنية والديمقراطية والتقدمية، فقد بيّنت التجربة أنه بالإمكان أن تتم هذه المعارضة من مواقع رجعية، فاشية، لا وطنية. لقد قمع بن علي حركة النهضة وكافة المعارضة السياسية والحقوقية والنقابية والثقافية لإرساء دكتاتورية مستبدة. كما أنّ حكم السيسي في مصر يمثل درسا لكل الذين راهنوا عليه وتذيلوا له لضرب "الإخوان"، فقد تحولت مصر اليوم إلى سجن كبير لكل معارض مهما كان موقعه وموقفه بل حتى لأيّ مدوّن يجرؤ على التعبير عن أدنى نقد لحكم العسكر، ناهيك أنّ مجرد الحديث عن ثورة شعب مصر ضد حكم مبارك صار جريمة. إنّ معارضة قوى ما يسمى ب"الإسلام السياسي" لا يمكن أن تتمّ على أساس رؤية وبرنامج وطنيين، ديمقراطيين، شعبيين، تقدميين، يعبّران عن مصالح الوطن والشعب. 5- إنّ دفع البلاد نحو استقطاب ثنائي، "دستوري-إخوانجي" كما تريده اليوم أوساط البورجوازية الكبيرة المحلية العميلة وبعض وسائل الإعلام وعدد من أشباه المثقفين الذين ظلّوا طوال حياتهم خدما باسم "حداثة" مزيفة وتغريبية وبالطبع أقطاب المحورين الإقليميين العربيين والإسلاميين المذكورين أعلاه، هو ما حكم عليها بمزيد التفكك والفشل والتبعية والإفلاس. إنّ مصلحة تونس تقتضي التباين مع القوتين الرجعيتين الاستبداديتين الفاشيتين المتصارعتين والتي خبرهما الشعب التونسي ووقف عند طبيعتهما المعادية لمصالحه، بتوحيد القوى التقدمية من أحزاب وجمعيات ونقابات وشخصيات في إطار قطب وطني، ديمقراطي، شعبي حامل لمشروع إنقاذ حقيقي لبلادنا من براثن التبعية والدكتاتورية بمختلف أشكالها المغلّفة بالدين أو بحداثة مزيفة. إنّ ضبابية الرؤية والحسابات الضيقة أو المباشرة والمراهنة الخاسرة على أحد أقطاب الرجعية والتذيّل له باسم "الاعتبارات التكتيكية" أو منطق "عدو عدوي صديقي" أو منطق "أعطيك نرتاحو من الإخوانجية وبعد ربي يعمل دليل"، كل هذا هو الذي تستفيد منه قوى اليمين بمختلف ألوانها ويحرم الشعب من اتباع طريقه المستقل نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويُبقيه لقمة سائغة لتلك القوى تتلاعب بإرادته وتستعمله حطبا في صراعاتها.