كريم السليتي يصادف الثامن عشر من ديسمبر من كل السنة اليوم العالمي للغة العربية الذي أقرته منظمة اليونسكو ، وككل سنة تشهد عديد الدول العربية وغير العربية مجموعة من الفعاليات الثقافية لدعم والتعريف بأهمية وثراء اللغة العربية. ... تقدر إحصائيات اليونسكو عدد المتكلمين باللغة العربية بشكل يومي بحوالي 450 مليون نسمة، أضف إلى ذلك حوالي 700 مليون نسمة من الذين يفهمون اللغة العربية ولو جزئيًا بحكم إما دراستهم لها كلغة ثانية، أو إقامتهم لمدة طويلة في دولة عربية أو لأن أصولهم عربية أو بمناسبة تعلمهم أو حفظهم للقرآن الكريم، حيث تُدرس اللغة العربية بشكل رسمي في كل من ايران وباكستان كما تُدرس بنسب متفاوتة في الهند وإندونيسيا وماليزيا وتركيا ودول وسط آسيا وغرب افريقيا. كما تعتبر اللغة الأجنبية الثانية في عدد من الدول الاوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وتلقى إهتمامًا متزايدا لتعلمها في كوريا الجنوبية والولايات المتحدةالامريكية. وتعرف اللغة العربية منذ عقد من الزمن زخمًا كبيرًا واهتماما عالميا متزايدًا فرضه النشاط الثقافي الكبير للشباب العربي على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا النشاط أدى لانتشار استعمال كلمات عربية كثيرة عالميًا وأصبحت مفهومة لدى الجميع مثل (شكرًا ، السلام عليكم ، حبيبي، ان شاء الله ،الحمدلله...). في دول المغرب العربي اللغة العربية هي لغتنا الوطنية وهي اللغة الرسمية القانونية لبلداننا وهي اللغة التي نفهمها دون الحاجة إلى بذل أي مجهود. وقد شهدت تطورًا ملحوظا في استعمالها على حساب لغة المستعمر كما اعترف به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مؤخرًا. كلنا نتذكر كيف كنا قبل عقد من الزمن نستعمل اللغة الفرنسية والأحرف اللاتينية للتعبير عن آرائنا في مواقع التواصل الاجتماعي وفي ايميلاتنا (emails)، وكيف كانت أغلب المواقع الاخبارية والاقتصادية في بلداننا بالفرنسية حصرًا، اليوم نرى أن أكثر من 90% من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي في بلادنا باللغة العربية الفصحى أو بالدارجة العربية المهذبة. حتى أن أغلب الكُتاب والمثقفين الذين كانوا لا يكتبون إلا بالفرنسية صاروا اليوم مضطرين للكتابة باللغة العربية لأن كتاباتهم بالفرنسية لا تلقى إلا تفاعلا ضعيفا مقارنة بما ينشرونه باللغة العربية. كما اضطرت عدة مواقع اخبارية واقتصادية لإنشاء نسخة باللغة العربية بعد تراجع نسبة الإقبال على النسخة الفرنسية. هذا النجاح والزخم والانتشار الذي حققته اللغة العربية ، جاء بسبب الوعي الشبابي في تفعيل استخدام لغة الضاد، لكن ماذا عن المجهودات الرسمية ؟! للأسف لم يصاحب هذا الاهتمام الشبابي والانتشار والاحتفاء الواسع باللغة العربية أي مجهودات رسمية تذكر لمزيد تفعيلها في مختلف المجالات الاقتصادية والتعليمية والاعلامية ، بل على العكس تمامًا لاحظنا كيف أنه تمت زيادة ضارب وعدد ساعات اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية والمواد العلمية في كل من تونس والمغرب بشكلٍ متزامن، ولازالت عدة مواقع رسمية على غرار موقع ديوان التونسيين بالخارج ومواقع البنوك لاتتضمن إلا نسخة فرنسية فقط، ولازالت أغلب اللافتات على المحلات التجارية والمصانع باللغة الفرنسية حصرًا ، ولازالت الفواتير والاسعار واللافتات الترويجية وكثير من الوثائق الادارية مثل عقود العمل والتقاريرالمالية والتقارير والوصفات الطبية تسلم للمواطن باللغة الفرنسية حصرًا دون أي ترجمة للغتنا العربية وهو ما يشكل عائقًا كبيرا في التواصل الفعال، رغم علم هذه الجهات أنه من حقنا استخدام لغتنا الرسمية التي نفهمها. ويبدو أن البعض لا يزال يعيش ثقافيًا في السبعينات أو الثمانينات من القرن الماضي ولا يدركون حجم التغيير الذي حصل؛ تخيلوا أنه وإلى اليوم لازالت الأفلام الأمريكية تدبلج للفرنسية عوضًا عن العربية رغم أن كثير من الشباب التونسيين يتقنون الانجليزية أفضل من الفرنسية. ولسائل واع أن يسأل أين التظاهرات والفعاليات التي ستنظمها وزارة الثقافة أو وزارة التربية أو وزارةالشؤون الدينية للاحتفاء باليوم العالمي للغتنا العربية ، أين الاعلام وأين المنتديات التي يتمخض عنها مقترحات عملية لتفعيل استخدام اللغة العربية في جميع المجالات. لماذا لا تعاضد الدولة هذا الزخم الشبابي والشعبي في تفعيل اللغة العربية، ولماذا وعي ومبادرات الشباب أكثر فعالية من وعي ومبادرات المسؤولين الحكوميين ؟ في الأخير نقول أنه من حقنا كمواطنين أن نطالب بتفعيل استخدام لغتنا الرسمية التي نفهمها في جميع المجالات لأن من يستعمل لغة أخرى في معاملاته أو تواصله مع المواطن هو بالضرورة مخالف لدستور البلاد وقوانينها وهو يعاني من استلاب ثقافي وضعف الارادة ونقص في الوعي وخلل في الشعور بالانتماء لهذا الوطن. تعلم ما شئت من اللغات لكن كمواطنين نريد أن يتم التعامل معنا بلغتنا العربية التي تمثل هويتنا، كما يتعين علينا كمواطنين نشر الوعي بهذه المسألة لأن كل شعوب العالم تتعامل وتتعلم بلغتها الأم باللغة التي تفهمها وتتقنها. * كاتب وباحث في السياسات العمومية تابعونا على ڤوڤل للأخبار