تطبيقة جديدة: التصريح بالعملة عن بعد يدخل حيّز الاستعمال قريبًا    كيفاش تتصرف كي تشوف دخان أو نار في الغابة؟ خطوات بسيطة تنقذ بلادنا    الكرة الطائرة – كأس العالم للسيدات تحت 19 سنة: هزيمة رابعة لتونس أمام بلجيكا (فيديو)    الصباح ولا العشية؟ أفضل وقت للعومان    غرامات مالية تنتظر المخالفين لقواعد السلامة في البحر    هاو الخطر وقت تعوم في عزّ القايلة..التفاصيل    في موجة الحرّ: الماء أحسن من المشروبات المثلّجة    وقتاش تعطي الماء للرضيع من غير ما تضره؟    كأس العالم للأندية : نادي ريال مدريد يواصل تصدر الاندية الاكثر ربحا بحوالي 73 مليون يورو    يوم 8 جويلية: جلسة عامة للنظر في مشروع قانون يتعلّق بغلق ميزانية الدولة لسنة 2021    قائمة الفرق الأكثر أرباحًا في مونديال الأندية 2025 ... بعد انتهاء الدور ربع النهائي – أرقام قياسية ومكافآت ضخمة    عاجل/ للمطالبة بفتح المفاوضات الإجتماعية : إقرار مبدأ الإضراب الجهوي في القطاع الخاص بهذه الولاية..    الثلاثاء القادم.. تنسيقية القيمين والمرشدين التطبيقيين المتعاقدين تنظم تحركا احتجاجيا    ابن الملكة كاميلا ينفي صحة مفاهيم مغلوطة عن والدته    "القوات الشعبية" تتوعد "حماس" باستئصالها من غزة والفصائل ترد:"دمكم مهدور"    البكالوريا دورة المراقبة: هذا موعد انطلاق التسجيل عبر الإرساليات القصيرة..    عادل إمام يتوسط عائلته في صورة نادرة بعد غياب طويل بمناسبة عقد قران حفيده    "الزعيم" يظهر..ابتسامة غائبة تعود لتُطمئن القلوب    كيف تحمي حقك كسائح في تونس؟ رقم أخضر لاستقبال الشكايات    الى غاية 4 جويلية.. تجميع أكثر من 9 ملايين قنطار من الحبوب    انطلاق قمة "بريكس" في ريو دي جانيرو اليوم بمشاركة بوتين    نوردو ... رحلة فنان لم يفقد البوصلة    إلغاء إضراب أعوان شركة فسفاط قفصة    الصدمة الحرارية: خطر صامت يهدّد المصطافين... وتحذيرات متجددة مع اشتداد موجات الحرّ    بلدية مدينة تونس: تنظيف وتعقيم المسلك السياحي بالمدينة العتيقة    ارتفاع عدد قتلى فيضانات تكساس.. والبحث عن المفقودين مستمر    اليوم الأحد: الدخول مجاني إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية    حرائق الغابات تنتشر في أنحاء أوروبا    كأس الجزائر - اتحاد الجزائر يحرز الكأس على حساب شباب بلوزداد 2-0    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب للغولف    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    مهرجان ساقية الدائر في دورته الثامنة: محرزية الطويل ومرتضى أبرز الحاضرين    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    عاجل/ أول رد من حماس على مقترح وقف اطلاق النار في غزة..    إدارة الغابات.. إطلاق سراح طيور الساف التي تم القبض عليها لممارسة هواية البيزرة    خدمة مستمرّة للجالية: الخارجية تفتح أبواب مكتب المصادقة طيلة الصيف    في تونس: أسعار الزيوت تنخفض والخضر تلتهب!    الملعب التونسي: تجديد عقد اللاعب وائل الورغمي الى 2028    الليلة: خلايا رعدية مع أمطار متفرقة بهذه المناطق    غياب رونالدو عن جنازة جوتا يثير حيرة الجماهير    زغوان: تقدّم موسم حصاد الحبوب بأكثر من 90 بالمائة    هام/ تكثيف حملات المراقبة لمياه الشرب بهذه الولاية تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة..    مواجهة ودية منتظرة بين الأهلي المصري والترجي الرياضي    الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية والبصرية بالمركبات الثقافية ودور الثقافة بمدينة مكثر يومي 11 و12 جويلية الجاري    "أوركسترا الفالس العربي الافريقي": موسيقى تتجاوز الحدود وتجمع الشعوب في المسرح الأثري بدقة    نهاية مسيرة خالد بن يحيى مع مولودية العاصمة: الأسباب والتفاصيل    وزير الفلاحة يؤكد حسن الاستعداد لموسم زيت الزيتون القادم وخاصة على مستوى طاقة الخزن    البنك المركزي: تطور مداخيل الشغل والسياحة خلال السداسي الأول من سنة 2025 وتراجع طفيف في الموجودات من العملة الأجنبية    الزهروني: تفكيك عصابة تخصصت في خلع ونهب مؤسسات تربوية    تشيلسي يتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية بعد فوز مثير على بالميراس 2-1    التمديد في أجل التمتع بالمنحة الاستثنائية للتسليم السريع لكميات الشعير المقبولة    الشراردة: وفاة طفلة ال8 سنوات اثر سقطوها من شاحنة خفيفة    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    الفرجاني يلتقي فريقا من منظمة الصحة العالمية في ختام مهمته في تقييم نظم تنظيم الأدوية واللقاحات بتونس    فوائد غير متوقعة لشاي النعناع    تاريخ الخيانات السياسية (5): ابن أبي سلول عدوّ رسول الله    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريطة "فلسطين المقاومة" للفنانة البصرية الاستبطانية ريم سعد...جرح أخضر وحبات زيتون تقطر دما
نشر في باب نات يوم 05 - 11 - 2023

فلسطين الأرض والهويّة، الشعر والسرديات والملاحم، أيقونة الأحرار، وحدها تلك الزيتونة المباركة من أسقطت ورقة التوت عن مارد لا يشبع من الدم.. "المقاومة" تٌكتب بكل نفس وفي كل صباح جديد، فلسطين كالفن، فعلا مقاومة في هذا الزمن.
خريطة فلسطين المقاومة لريم سعد تنعكس في عبارة علم التصوف الإسلامي النفري :"كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة." ، خارطة تختزن دلالات ورمزيات وألغاز ومعاني تتولّد بكل رؤية وعند كل فكرة وتأبى على الصياغة فتضيق الكلمات.. فالصورة تُشاهد ولا تٌكتب.. وتبقى الكتابة محاولة من المحاولات لتبيان إشكالية الفنانة انطلاقا من الحياة والإنسان وقضاياه الوجودية مِن منظورها الفكري.
...
اشتغلت الفنانة على عدّة خرائط، على غرار خريطة تونس وإفريقيا وغيرها، وقد اتخذت العديد من المحاور محطات ووقفات وتأملات، كانت ثمارها سجال فكري فني ملئ بالنقاشات والأطروحات، وعماده الوعي والإنارة، وغايته التجاوز والمصالحة.
وبخصوص اختياراتها الفنية البصرية في تصميم خريطة فلسطين، بينت الفنانة ريم سعد في حديث مع وكالة تونس إفريقيا للانباء، أنها تميل إلى الاتجاهات الضوئية اللونية المشرقة، غير أنّ خريطة فلسطين بالذات كانت مغايرة لما دأبت عليه ، فألوانها لم تكن مريحة ومطمئنة، بل كانت مؤلمة كجرح فلسطين الأخضر .. فهي لم تستطع أن تكون وفيّة لألوانها التي تحبّذها في أغلب أعمالها، حيث وجدت نفسها وجها لوجه أمام أودية من دم، وهنا تقول ريم: "عندما عملت على الجسد الإنساني مثلا، تصالحت مع الجسد في شتى تمثلاته، كذلك كل موضوع أعمل عليه أتصالح معه حد الممكن إلا فلسطين ظلّت عصيّة، ألواني أبت المصالحة''.
وردت خريطة فلسطين مكثّفة كأنها تختزل جرح فلسطين الأخضر، من الصور التي برزت في خارطة فلسطين المحتلة، عندما ضاعفتها الفنانة أو عكستها (وهي تقنية رقمية ملازمة لأغلب أعمالها) برزت حبات زيتون تقّطر دما، كما برز جيش وكتيبة، ومعمار وأقواس وصوامع وصليب وريشة حمراء، (سمتها الفنانة ريشم الدم، فالتاريخ يدوّن بالدم هنا) ورحم بصدد مخاض في رمزية لفلسطين الولاّدة.
إنها فلسطين بأبعادها المعقدة في هذا العمل، يمكن رؤية جرحها الأخضر لنتذكر المجازر والمذابح والمحارق التي جرت على هذه الأرض على مر العقود... أما حبات شجرة الزيتون التي تقطر دمًا تشكل رمزًا للتضحية والصمود والمقاومة التي يظهرها الشعب الفلسطيني الأبي في وجه الطغيان.
تظهر الخريطة المضاعفة أيضًا جيشًا وكتيبةً وسهما وبساطا وطيور أبابيل.. السهم يشير إلى توجيه الهمم والكفاح نحو تحقيق الحرية والعدالة الإنسانية، أما البساط المنقوش بالدم يُظهر التمسك بالتراث والهوية الفلسطينية. أما الطيور الأبابيل، فهي رمز للخلاص والأمل والعدالة وانتصار الحق على الباطل.
وتعكس مقاربة ريم سعد أيضا لخريطة فلسطين، حسب وجهة نظرها الفنية، المقاومة ودعوة إلى شعوب الأرض والمفكرين الأحرار (كما سمتهم الفنانة) إلى التأكيد على أن القضية الفسطينية هي قضية الكون بأسره، فهي ترسل دعوة مباشرة لشحذ الهمم وإعلاء صوت الحق، والتمسك بالإيمان والأمل، عبر الاستلهام من القوة الروحية وصمود الفلسطينيين في مواجهة القتل والإبادات والتهجير والجوع.
وتعتبر تقنية les aquarelles introspectives التي تعتمدها الفنانة ريم سعد فيسفساء مائية ضوئية استبطانية توليدية، حسب توصيفها، وهي تقنية تتفرد بها الفنانة لتجمع بين الألوان والضوء والأشكال والرموز والألغاز بطريقة تجعلها مختبرا لدّلالات والأفكار، هي تقنية معجزة بالمعنى الحرفي للكلمة، من حيث تعدّد السرديات حسب القراءات، ترتكز بمنهجية سلسلة حتى في مركّباتها وتراكيبها وثنائياتها، خالقة لمقاييس فنية جمالية مستحدثة بزاد معرفي متجدّد.
تعتبر هذه التقنية الإستبطانية حساسة للغاية وتحتاج إلى الساعات الطوال يوميا من العمل والتركيز والتأمّل في تفاصيل التفاصيل، وفي ثنايا الهوامش.
وبواسطة هذه التقنية، تندمج المواد والألوان والضوء في مزيج عجائبي يخاطب المشاهدين تفكيرا وتأملا. حيث يبقى للمشاهد تفسيره الخاص ولا يمكن أن نقول أنّ هذه الرؤية خاطئة وتلك صحيحة، فكل قراءة نسبية، وكل قراءة حقيقة، لأنها تلامس أفكار ونبض من يقرؤها.
كما ترتكز تقنية "Aquarelles Introspectives" على استخدام الألوان المائية لتمثيل الأفكار والمشاعر الداخلية. حيث تعمل الفنانة على تجسيد هذه الألوان من الخلية لتتشكّل الخلايا مترابطة متشابكة بصريا، وتبني عليها لوحاتها. وتستمد اللوحات حيوية من الماء والألوان والشفافية، وتعكس التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل. إذ تقوم هذه التقنية بجمع الأبعاد المتعددة للزمن والتاريخ من خلال الكيمياء المعقدة للألوان.
وعندما تحدّثت ريم سعد عن تقنيتها المبتكرة أوضحت أن الماء يمثل جزء من تقنيتها، وهو ما يعزّز العمق والتعقيد في أعمالها وما يعكس أبعادًا جمالية ومعاني فلسفية في فنها، إذ تعتبر الفنانة الماء وسيلة وغاية في أعمالها من خلال تقنيتها، ما يرمز للانسكاب والتدفق وما يمثل الحياة والحركة المستمرة. فالماء يمكن أن يخلق تأثيرات بصرية رائعة عن طريق الانعكاس والانعكاس الضوئي في لوحاتها، كذلك يعكس استخدامه لتجسيد الفكرة الفلسفية لكل إنسان كيان فريد بذاته.
والمتمعن في لوحات الفنانة يستبطن سرديات و سياقات مختلفة من حيث المحتوى والمضمون. إذ تستند أعمالها على القصص والروايات التي تحمل معاني عميقة وترتبط بالتراث والموروث المادي واللامادي بطرق متعددة، إذ تتعمق لوحاتها في التراث الثقافي والتاريخي لمجتمعات، وتستخدم العناصر التراثية لتمثيل القصص والتجارب التي تعبر عن الهويات الثقافية.
ريم سعد هي فنانة تعتمد في أعمالها على الفن التجميعي (Art De Synthèse)، وهو نمط فني يجمع بين الفنون المختلفة ويجسد الإبداع والتنوع، حيث تقوم بدمج مكونات متنوعة من الفنون، مثل الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي، والسينما والكتابة لخلق قطع فنية فريدة محملة بعدة مفاهيم وتأخذ من كل شيء بطرف، فيه التجريد "abstrait" والتصويري "figurative" (التصويري)، ويمكن أن تصفه بالبسيط "minimaliste" والمعقّد "complexe" في آن واحد، دون أن يكون هنالك تناقض بين هذه المفاهيم، فهو حمّال للمعنى والأوجه، كل حسب مرجعيته الفنية والفكرية.
وتقول الفنانة في حديثها مع "وات" انها تسعى من خلال توجهها الفني لتحقيق تكامل وتصالح بين العقل والشعور، وبين الإيمان والعلم مشيرة الى أنها تأخذ على عاتقها مهمة تجسيد العوالم المعقدة والأفكار الفلسفية من خلال لوحاتها، بالتالي، يمكن القول إن أعمال ريم سعد تعبّر عن توازن متقن بين الأبعاد المعرفية والعاطفية وبين العقل والشعور، مما يجعله فنًا متكاملاً ومعبرًا عن عالم داخلي غني ومتعدد الأبعاد.
وهنا تتنزّل قضية فلسطين كما تراها الفنانة، وهي قضية إنسانية كونية، حيث ترفض فكرة التكافؤ بين المستعمِر والمستعمَر، وتدعم حق الشعب الفلسطيني، غير القابل للتصرف، في المقاومة، باعتبار أنّ كفاح الشعوب من أجل التحرر والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي هي فكرة حيّة لا تموت.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.