" العُمران بجزيرة جربة في العصر الوسيط" كتاب جديد للباحث التونسي الدكتور المنصف بربو، وقد صدر عن مركز الدّراسات والبحوث حول الإباضيّة "إباديكا - باريس" في نوفمبر 2023. والكتاب هو في الأصل رسالة بحث لنيل شهادة الدّكتورا في علوم الترّاث عنوانها " تنظيم المجال والتوّطين والتعّمير بجزيرة جربة في العهد الوسيط"، ونوُقشت في مارس 2018 في كلّيّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعية بتونس، ونال بموجبها صاحبها شهادة الدكتوراه بملاحظة مشرف جدا. ... وتم إصدار رسالة البحث في شكل كتاب ورد باللّغة العربيّة، مع تقديم للأستاذ المشرف الدكتور محمّد حسن، كما تضمن الكتاب جزءا باللّغة الفرنسيّة اقتصر على تقديم للباحثة البلجيكيّة المهتمّة بالشّأن الإباضي في بلاد المغرب في العصر الوسيط ، الدّكتورة " فيرجيني بريفو" وعلى مُلخّص من إنجاز صاحب الكتاب ضمّنه أهمّ المعطيات والأفكار التّي عالجها والنتّائج التّي توصّل إليها. وقد جاء الكتاب، في 584 صفحة من الحجم الكبير، وفي طبعة أنيقة تضمنت مجموعة من الصور بالألوان فضلا عن خرائط وجداول دقيقة موضّحة ومدعّمة لما ورد داخل الكتاب من معطيات. ووفق تقديم الكاتب لعمله، فقد "خاضت هذه الدّراسة في عديد القضايا اللّغويّة والطّوبونوميّة المتعلّقة بالتوّطين الجديرة بالاهتمام، منتهية إلى إعادة تركيب المجال". واعتبر أنها "تتميّز بتعدّد المقاربات الجغرافيّة واللّغويّة والأثريّة والتاّريخيّة، مع السعي إلى الرّبط بين المعطى الطّبيعي والأثري تارة، وبين الخزف وتعمير الموقع، أو بين التفّسير اللّغوي واسم المكان طورا". وقسّم الباحث المنصف بربو عمله إلى جزأين رئيسيين هما المُدوّنة والتحّليل. وانطلاقا من جذاذة نموذجيّة، تناول في المدونة دراسة 78 موقعا رئيسيّا (76 حومة وحارتين يهوديتّين) حدّد موضعها داخل الخريطة الطّوبوغرافيّة. وقد تضمّنت كلّ جذاذة ثماني فقرات تناولت اسم المكان والمعطيات الطّوبوغرافيّة والإداريّة والمعطيات الطّبيعيّة ووصف الموقع والمكوّنات البشريّة والأنشطة الاقتصادية والتعّليق العامّ والوثائق. أمّا في قسم التحليل، فقد عرض الباحث أهمّ الاستنتاجات التي توصل إليها، وهي استنتاجات صيغت ضمن إشكاليّة تفرّعت إلى ثلاثة عناصر كبرى شملت تنظيم المجال الجربي وتوطينه وتعميره خلال العصر الوسيط أي الفترة المتراوحة بين القرنين الأوّل للهجرة (7م) والعاشر هجرياّ (16م)، و تحديدا منذ دخول الإسلام ربوع الجزيرة إلى نهاية العهد الحفصي دون أن يغفل عن تناول الحقب السّابقة وخاصّة الفترة البيزنطيّة وكذلك اللّاحقة وأهمّها المرحلة العثمانيّة. وأخذ الباحث بعين الاعتبار خصوصيّة جزيرة جربة، حيث أبرز مدى ارتباطها بالطّرقات البحريّة و البرّيّة في الآن نفسه واتجّاهها، ممّا يفسّر كيفيّة توطّن القبائل والوافدين على الجزيرة في التجّمّعات السّكنيّة داخلها ماسكا بخيوط الهجرات الطّارئة على الجزيرة من البحر والبرّ . ولئن غلب على التوّطين السّكن المتشتتّ، في علاقة بعوامل عديدة من أبرزها النّشاط الزّراعي، فقد أصبحت الحومة الوحدة السّكنيّة السّائدة في آخر العصر الوسيط وفق ما توصل إليه الكاتب في بحثه. وطبقا لمتطلبات المنهجية في البحوث العلمية، فقد تطرق المؤلف في مقدّمة كتابه إلى دواعي اختيار موضوع البحث وإشكالاته ومنهجه إلى جانب قراءة في مصادره. كما بيّن في خاتمته أبرز ما قدمه هذا العمل من إضافات وما يفتحه من آفاق اعتمادا على مبحث الجغرافيا التاّريخيّة. وتضمن الإصدار أيضا جداول ثريّة تشمل معطيات دقيقة حول أسماء القبائل والعائلات والأعلام والمعالم بجزيرة جربة خلال العصر الوسيط، إضافة إلى بيبليوغرافيا متنوّعة وفهارس عديدة. وجدير بالذكر أن الدكتور المنصف بربو، من مواليد جزيرة جربة، ويدرّس حالياّ بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بمدنين (جامعة قابس). وقد صدرت له مقالات مُحكّمة بمجلّات وكتب جماعيّة ضمن أعمال ندوات علميّة وطنيّة ودولية. ويعتبر هذا الإصدار باكورة أعماله، وحاليا بصدد إعداد كتابه الثاّني الذي سيصدر تحت عنوان " أسماء الأماكن شواهد على تاريخ جزيرة جربة". تابعونا على ڤوڤل للأخبار