«أيام جربة وأهاليها» هو عنوان اخر الكتب وأحدثها والمتداول حاليا في المكتبات، منذ أوائل شهر ماي الماضي، تأليف فؤاد الرايس وطبع «دار «سيمباكت». يتركب من 108 صفحات من الحجم المتوسط هو ذو ورق من النوع الرفيع اللامع، غلافه الاول والاخير في لون زرقة بحور جربة الدافئة. أقسام الانجاز كلمة شكر توطئة من تحرير الدكتور حسونة المزابي، عميد كلية الاداب والعلوم الانسانية بتونس سابقا، مؤرخة في اوت 2007 مقدمة للمؤلف الاطار الطبيعي (صفحة 7 الى 13) العصر القديم (صفحة 14 الى 39) العصر الوسيط (صفحة 40 الى 67) العصر الحديث (صفحة 68 الى 106) الفهرس مؤلفات مقترحة (سابقة حول جربة)، وحسب ما ورد فان الكاتب اعتمد على نفسه وافراد عائلته والاصدقاء وجمعية صيانة جزيرة جربة التي فتحت له ابواب مركز التوثيق التابع لها بزاوية سيدي عبد القادر الشلاخي بحومة السوق، والناشر ابراهيم عمر. محتوى دسم ودقيق درس الكاتب في اطار القسم الاول من العمل «الاطار الطبيعي» الموقع الجغرافي المتميز للجزيرة بأرض منخفضة ومنبسطة وسواحل ممتدة متنوعة، اما في المجال البحري الاستثنائي فقد غاص في «الاعماق العالية» وحركة المد والجزر، مستكشفا بحيرة «بوغرارة» ويمتاز مناخ جربة حسب الباحث بأنه شديد التأثر بالبحر، ودرس لذلك الحرارة والرياح والتساقطات والثروة النباتية والحيوانية الثرية. وقد دعم مبحثه بصور شمسية حية ناطقة وحدها وتغني عن الكلمات والتعليق، وأرفقها بخرائط تحدد موقع الجزيرة في البحر المتوسط، وتظهر تفاصيل التضاريس بها. ثم انتقل فؤاد الرايس الى «العصر القديم» للتنقيب في قسم أول عن «المراحل التاريخية» وهي «الجذور اللوبية» ثم «العصر البوني» فالعصر القرطاجي» و «العصر النوميدي» و «العصر الروماني» و «العصر الوندالي» و «العصر البيزنطي» واهم ما في هذا الجانب جزء خصصه ل «اسهامات العصور القديمة» في أنشطة الفلاحة وصناعة الفخار والصباغة التي لا تزال بعض الملامح موجودة منها الى الان. في جزء «العصر الوسيط» أهتم الكاتب ب «فترة تجذر الاسلام والمذهب الأباضي من 668 م الى 1135 م، حين عرفت جربة سلطتين خارجيتين تنتميان الى المذهب الاخير وهما فرقة «النكار والخلفية والنفاثية» من جهة و «الوهبيين» من جهة اخرى، وحاول تعريف هذين الاتجاهين، وما أدى ذلك للتنظيم الجديد للمجال وبروزه في الزراعة واهمية «الحومة»، والمسكن او «الحوش» وحزام «الجنانات» و «غابة» الزياتين ومجال النخيل «الغابي» والمجال البحري، وانعكاسه في قواعد الهندسة المعمارية الجديدة باعتماد مواد بناء محلية واستنباط طرق البناء الملائمة واعتماد البساطة والنجاعة والحاجة وقد التزم بالقواعد المعمارية العامة الجميع وهي التي في حد ذاتها «صاغت الخصوصيات المعمارية لكل نوع من انواع البناءات، لتكون الفوارق بينها جلية مهما كان موقعهما في الجزيرة». وقد شهدت هذه المحطة التاريخية فترة مقاومة الحملات المسيحية والتي حددها الباحث في ما بين 1135 م الى اواخر القرن 15 م وما تميزت به جربة من «رفض أسطوري للهيمنة الخارجية» واتخاذ أهلها «اجراءات أمنية انعكست على المجال» وأظهروا «قدرة عالية على رفع التحديات» جعلت الحركات التبشيرية تفشل في الامتداد والتوسع لدى سكان الجزيرة. العصر الحديث قسم الكاتب هذا الجزء الى ثلاثة عناصر اهتم في الاول بعصر النفوذ التركي وما شهده من الصراع العثماني الاسباني حول جربة في القرن 16، وسرد موجزا تاريخيا للاحداث المتتالية انذاك والتي انتهت بدحر الاسبان سنة 1506 م، شهدت بعده الجزيرة صراعا مريرا اخر بين اتراك طرابلس واتراك تونس للهيمنة عليها، انتهى لصالح الثانين. ومن الطريف التعرض لما ذكره المؤلف في هذا الباب حول نشأة مدينة «حومة السوق» او «السوق الكبير» اذ يقول «يبدو ان بداية تحول حومة السوق من «سوق» اي فضاء تجاري بسيط ينتظم مرة أو مرتين في الاسبوع الى مدينة تعود الى القرن الخامس عشر ميلادي، أباضية المنشأ و «هذه المدينة التي أرادها الاباضيون مجرد مركز تجاري وفندقي خاضع لنفوذهم، تحولت تدريجيا، في ظل الحكم التركي الى مدينة حقيقية ومركز النفوذ السياسي والاداري والقضائي والاقتصادي في الجزيرة». وفي القسم الثالث من العصر الحديث درس المشهد الاقتصادي على حدة وتعمق في نجاح المدينة المذكورة سابقا واسباب تفوقها الى العصر الحاضر، اذ بالرغم من تقسيم الجزيرة الى ثلاث معتمديات، فان فكرة «النزول» لحومة السوق» «للتسوّق» بقيت راسخة في ثقافة جميع متساكني الجزيرة ويعتبر يوما الاثنين والخميس، احداثا اسبوعية لها نكهة خاصة، تستوجب الاعداد العائلي والتنظيم الداخلي لترتيب التنقل اليها. ان هذا التقديم لمحتوى الكتاب لم يؤثث كل المعطيات الواردة، وتكمن خصوصية الاثر في اعتماده على الصور الشمسية الحية المعبرة، وقد حاول صاحبه الموازنة بين النص والصورة دون نشاز. بقي ان نشير الى ان الدراسة التاريخية هذه تتوقف الى أواسط القرن 19، وعلى الدارسين الجدد البحث في التحولات الحادثة في الجزيرة خاصة بعد انتصاب الاستعمار، وفترة الاستقلال والصراع اليوسفي البورقيبي وانحسار الانشطة الاقتصادية حول السياحية. من هو المؤلف السيد فؤاد الرايس بن التوهامي هو استاذ، اختصاص جغرافيا، متحصل على الاستاذية في المادة بتاريخ جوان 1978 مع جائزة رئيس الجمهورية، وهو يعمل حاليا بالمدرسة الاعدادية بحومة السوق، وهو من مواليد سنة 1954. له مساهمة في كتاب مشترك باللغة الفرنسية، صدر سنة 1988 تحت اشراف جمعية صيانة جزيرة جربة بعنوان «جربة الأزلية» اDjerba Eternelleب.