بين ولي يقف أمام معلم أو أستاذ ابنه ليقول له «حاسبني بالجلد». وبين ولي يمارس مع العلم أو الأستاذ أسلوب الضرب والركل والجلد مسافة كبيرة كتلك التي تفصل بين مستوى تلميذ الأمس وتلميذ اليوم علما وأخلاقا وانضباطا... مسافة جردت المربي من كبريائه وانتزعت منه وقاره وهيبته ونصبت التلميذ «مربيا» له يلقنه دروسا مثلى في التسيب والاعتداء والإهابة ووليه مناصرا ومعاضدا لما يأتيه ابنه من عمل مشين في حق من يفني العصر في رفع أميته وأمية أمثاله ممن أحالوا ويحيلون عددا متزايدا من رجال التعليم على الأخصائيين النفسانيين جراء ما يكابدونه من توتر عصبي وما يعانون منه من انهيار خطير انتهى ببعضهم في الرازي وبالبعض الآخر في الاستعجالي... إنه زمن سطوة التلميذ هذا الذي نعيش ... زمن جرد فيه المربي من هامش التصرف إزاء كل ما يخرج عن إطار الانضباط وحرم فيه عليه استعمال وسائل الردع الكفيلة بحفظ كرامته وصون هيبته ووقاره.. زمن حوله إلى شخص منزوع القدرة على مجابهة ما يتعرض له من صروف التطاول والإساءة على أيدي مارقي المؤسسة التربوية الذين يتضاعف عددهم من سنة إلى أخرى وتعرف اشكال ابذائهم لمعلميهم وأساتذتهم تنوعا وإمعانا في الصلف والبذاءة. مؤلم بل مبك هذا الذي آل إليه وضع المربي الذي كان التلميذ يهابه أكثر من والديه ويخشاه ليس خوفا وإنما احتراما لشخصه وتقديرا لدوره واعترافا بفضله وجميله... فكم من معلم بصق تلميذه في وجهه وكم من أستاذ استهدف لاعتداء بدني ساهم في سقوطه... وكم من مرب عطبوا سيارته أو أسمعه عاقون من تلامذته ما لم يكن يوما يتصور سماعه... نعم هناك قلة ممن يعجب المرء من انتمائهم إلى الأسرة التربوية لا يستاهلون ذرة تقدير واحترام ولا يصلحون أصلا للتربية والتعليم إما لافتقارهم للكفاءة أو لافتقادهم لمواصفات دنيا يتعين توفرها في من اختار التعليم مهنة... ولسنا عن هذه القلة التي تتبرأ منها الأسرة التربوية المقدرة لدورها والمحترمة لوظيفتها والمتفانية في عملها نرافع ... وإنما عن ضحايا السلوكات المنحرفة والخطيرة لنسبة من تلاميذ العصر... عن المربي الذي ينفق كل قوته ويهدي كل جهده لابنتي ولابنك ولا يستبقي منهما شيئا لأسرته وأبنائه ... عن المعلم والأستاذ اللذين يمنحان مئات الأطفال حبا وعطفا ورعاية وعناية ولا يدخران من معين ذلك شيئا لفلذات كبديهما ندافع ونكتب بفؤاد يعتصر ألما وبقلم يرتجف خجلا عسى وزارة التربية تتخذ من الإجراءات ما يعيد للمربي اعتباره وما يمكنه من فرض سيطرته وبجعله سيدا في مؤسسته ويرفع عنه غبنا لا يليق به وظلما بات يورقه في نومه وصحوه...