انطلاق خدمات طب الاختصاص البعادي بين المستشفى الجهوي بقبلي والمستشفى الافتراضي بوزارة الصحة    لجنة اعتصام الصمود أمام السفارة الأمريكية تدعو التونسيين إلى دعم أسطول فك الحصار على غزة    وزير التجارة يؤكد ضرورة العمل المشترك بين تونس ومصر في إطار اتفاقية الزليكاف    فريق قانوني يضم 45 محاميا ومحامية من تونس للقيام بالإجراءات القانونية قبل إبحار أسطول الصمود نحو غزة    نابل ..التضامن الإجتماعي يوفر 4800 مساعدة بمناسبة العودة المدرسية    البنك المركزي: إرتفاع الاحتياطي الصافي من العملة الصعبة إلى 110 يوم توريد    مهرجان المناطيد الدولي يرجع لتونس في التاريخ هذا...وهذه تفاصيله والأماكن المخصصة    وزارة العدل تقرّر عقد جلسات القضايا ذات الصّبغة الإرهابيّة عن بعد    استئناف دروس تعليم اللغة العربية لابناء الجالية التونسية ببمرسيليا في هذا الموعد    الكاف: تكثيف المعاينات الميدانية للوقوف على جاهزية المؤسسات التربوية لاستقبال التلاميذ في أحسن الظروف    قطر تستضيف قمة عربية إسلامية طارئة بعد الهجوم الإسرائيلي    فيفا تنصف الجامعة التونسية لكرة القدم في قضية رفض لاعبين الالتحاق بالمنتخب    تصفيات مونديال 2026: تأهل 18 منتخبا من أصل 48 إلى العرس العالمي    جريمة مروعة: ينهيان حياة صديقهما بعد اشتكائه عليهما لتحرشهما بزوجته..!    المركز القطاعي للباردو يفتح أبوابه: تكوين مجاني في الخياطة والتصميم!    وزير الشّؤون الدّينية يلتقى رئيس مجلس شركة مطوّفي الحجيج    بقرار من رئيسة الحكومة: انهاء مهام هذا المسؤول..#خبر_عاجل    مواطنة أمريكية لاتينية تُعلن إسلامها في مكتب مفتي الجمهورية    إحالة سهام بن سدرين ومبروك كورشيد على أنظار القضاء في قضايا فساد مالي    الداخلية: حجز 22392 كراسا بين مدعم ونصف مدعم    أضواء على الجهات :ميناء الصيد البحري بغار الملح يحتاج الى رافعة والى عملية توسعة لتعزيز دوره الاقتصادي    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمباريات الجولة الخامسة ذهابا    الرابطة الأولى: تشكيلة مستقبل سليمان في مواجهة الأولمبي الباجي    أمطار متفاوتة في ولايات الجمهورية: أعلى كمية في قلعة سنان بالكاف    تونس تشارك في البطولة العربية للمنتخبات في كرة الطاولة بالمغرب من 11 الى 18 سبتمبر الجاري    افتتاح مرحلة ما قبل البيع لتذاكر مونديال 2026 (فيفا)    منظمة الصحة العالمية تؤكد عزمها البقاء في مدينة غزة..    الأمريكيون يحيون ذكرى هجمات 11 سبتمبر    اليوم: أسطول الصمود يبحر في اتّجاه بنزرت    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة..#خبر_عاجل    بعد تقلبات الأمس كيف سيكون الطقس هذا اليوم؟    ارتفاع مؤقت في الحرارة يسبق انخفاضها مطلع الأسبوع المقبل    فرنسا شعلّت: حرائق وسيارات مقلوبة ونهب في الشوارع...شفما؟    بعد منعها من الغناء في مصر.. هيفاء وهبي تواجه النقابة قضائياً    تأجيل رحلة السفينة قرطاج على خطّ تونس - جنوة - تونس: التفاصيل    تطوير جراحة الصدر واستعمال أحدث التقنيات محور لقاء بوزارة الصحة    تقُص ظوافرك برشا: اعرف الأضرار قبل ما تفرط فيها!    عاجل: هشاشة العظام أولوية وطنية: نحو القيام بإجراءات جديدة    تفاصيل جديدة عن هجوم الدوحة.. 10 قنابل لم تدمر مقر حماس    اريانة:جلسة عمل لمتابعة أشغال تهيئة فضاء سوق مُفترق الإسكال    عودة ثقافيّة موفّقة    التظاهرات العربية ودورها في إثراء المشهد الثقافي العربي    كتاب «المعارك الأدبية في تونس بين التكفير والتخوين» وثيقة تاريخية عن انتكاسات المشهد الثقافي التونسي    نحو تطوير جراحة الصدر في تونس ودعم البحث العلمي    عاجل/ حجز كميات هامة من المواد المدعمة في مداهمة مخزن عشوائي بهذه الجهة    عاجل/ أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق..    من الخميس للأحد: جدول كامل للمباريات والفرق اللي باش تتواجه مع الأربعة متع العشية    جلسة عمل في وزارة الصحة حول المخبر الوطني للجينوم البشري    المركز الوطني لفن العرائس يستقبل تلاميذ المدارس الخاصة والعمومية في اطار "مدارس وعرائس"    بورصة تونس تتوج بجائزة افضل بورصة افريقية في نشر الثقافة المالية    مدينة دوز تحتضن الدورة ال57 للمهرجان الدولي للصحراء من 25 الى 28 ديسمبر المقبل    في نشرة متابعة للرصد الجوي: تغيرات جوية منتظرة بعد الظهر بهذه الولايات    الديوان التونسي للتجارة يُوفّر كميّات من مادة القهوة الخضراء    المسرحي التونسي معز العاشوري يتحصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    بالفيديو: شاهد كيف سيبدو كسوف الشمس الكلي في تونس سنة 2027    تونس في الواجهة: محمود عباس يكرّم كوثر بن هنية عن فيلم "صوت هند رجب"    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اضواء على الجهات: ميناء كاب الزبيب : بين ذاكرة الطنّارة وتحديات الواقع
نشر في باب نات يوم 11 - 09 - 2025

وات - مختار بن جديان - على طول الساحل الشرقي لولاية بنزرت، تتوارى بين الأمواج وذكريات الماضي منطقة كاب الزبيب، حيث ما زال صدى أصوات الميناء القديم و"الطنّارة" يتردد في أذهان أهالي البلدة.
قوارب خشبية غلفها ملح البحر تحكي قصص صيادين عانقوا البحر طويلاً، وصادوا التونة بخبرة تقليدية، قبل أن تتغير أساليب الصيد وتدخل التكنولوجيا مكانها. هذا الميناء، الذي كان يومًا مصدر رزق وخير، يواجه، اليوم، تحديات متعددة، من ضيق المساحة إلى التغيرات المناخية وأعطال القوارب، إلا أنه يظل شاهدًا على حكايات البحر وصمود أهالي المنطقة.
ذاكرة الطنّارة وصيد التونة
لا يزال أهالي منطقة كاب الزبيب التابعة لبلدية الماتلين – شرقي ولاية بنزرت – يستحضرون أصوات الميناء القديم وضجيج الصيادين وهم ينصبون "الطَّنّارة"، تلك الطريقة التقليدية الشهيرة لصيد سمك التونة في البحر الأبيض المتوسط، والتي عُرفت بها السواحل التونسية ولا سيما بنزرت.
الطنّارة هي شبكة ضخمة وثقيلة تُثبت في البحر على شكل ممرات وغرف متسلسلة، وتُنصب في مسار هجرة التونة خلال فصلي الربيع والصيف، حيث تمر الأسماك قادمة من المحيط الأطلسي إلى المتوسط، تدخل التونة تدريجيًا إلى هذه الغرف حتى تصل إلى الغرفة الأخيرة، المسماة "غرفة الموت"، حيث تُحاصر ثم تُرفع إلى القوارب.
لكن هذه الطريقة توقفت منذ سنة 1997، حين دخل ميناء الصيد البحري الجديد حيز الاستغلال، ويؤكد الصيادون أن الاستغناء عن هذه التقنية التقليدية قلّل "البركة" في البحر، حسب تعبيرهم وأدى تدريجيًا إلى تراجع الإنتاج البحري.
قوارب متعبة وأحلام مؤجلة
على أرصفة الميناء ترسو قوارب مختلفة الأحجام والألوان، بعضها يخرج مع الفجر ولا يلبث أن يعود بسبب تقلبات الطقس، وبعضها الآخر يبقى مكانه إمّا بسبب أعطال كهربائية أو في انتظار جرعة وقود لا تتوفر إلا من مركز ولاية بنزرت.
في إحدى الزوايا، تستريح قوارب خشبية قديمة، تغلفها طبقات الملح وتخترق خشبها شقوق وجروح، حتى تحولت إلى هياكل يابسة تتآكلها الرياح والرطوبة، كانت يومًا ما تلاطم الأمواج بشجاعة، تحمل الصيادين في رحلاتهم وتعود محملة بخيرات البحر.
فتحي لامين، المكلف بتسيير الميناء، يؤكد أن كاب الزبيب يمثل شريانًا حيويًا لأهالي المنطقة الذين يقتاتون من خيراته، لكن التغيرات المناخية وضيق المساحة – أربعة هكتارات فقط تحتضن أسطولًا يضم حوالي 70 مركبًا قارًا وغير قار – جعلا الميناء يواجه صعوبات متزايدة، ومع ازدحام القوارب عند سوء الأحوال الجوية، يدعو لامين السلطات إلى تسريع مشروع توسعة الميناء ليصبح مقصدًا أوسع للصيادين.
من جانبها، أوضحت منى البحري، المكلفة بتسيير بلدية الماتلين، أن البلدية تشرف على خدمات سوق الجملة للسمك، وتنفذ حملات نظافة وصيانة خاصة في مواسم الذروة، إلى جانب توفير الإنارة والتدخل خلال موسم صيد "الشاوري".
أما البحارة فيشكون يوميًا من متاعب إضافية، عز الدين قزمير، بحّار بخبرة 27 سنة، يقول إن الدلافين أصبحت مصدر إزعاج كبير، فهي تقطع الشباك وتلتهم المحصول في مشهد يبدو للوهلة الأولى جميلًا لكنه يثقل كاهل الصيادين، زميله سامي أضاف أن غلاء أسعار "الغزل" (خيوط الشباك) وكثرة أعطال محركات القوارب زادت الوضع سوءًا، مما دفع البحارة لاستعمال قطع غيار سيارات بدل القطع الأصلية لارتفاع أسعارها.
شهادات ومقارنات بين الماضي والحاضر
بدر الدين لفقير، صاحب وحدة لتصنيع الثلج بالميناء، يسترجع بحسرة بدايات الألفية الجديدة، حين كان يرقد في الميناء أكثر من 74 قاربًا يفوق طولها 9 أمتار، إضافة إلى عشرات القوارب الصغيرة والمتوسطة، الإنتاج حينها كان وفيرًا من حيث الكم والنوع،ويعتبر لفقير أن السبب الأساسي وراء تراجع الصيد يعود إلى استعمال بعض الصيادين شباكًا صغيرة ممنوعة عالميًا، لأنها تصطاد الأسماك عند الشاطئ قبل أن تضع بيضها، مما يهدد الدورة الإيكولوجية للبحر والثروة البحرية.
ويضيف أن الميناء القديم كان أكثر نفعًا، إذ كانت طرق الصيد بسيطة وتقليدية، بالقوارب الصغيرة والمجاذيف، يزاولها متساكنو الساحل بوسائل محدودة لكن بوفرة في الإنتاج، أما "الطنّارة" فقد كانت حلًّا واقعيًا، غير أنها أُزيلت بعد اعتبارها مضرة بالأنواع الأخرى من الأسماك، ليحل محلها الصيد الصناعي.
على الرصيف، يختلط الحنين بالأمل في حديث العم مختار، الذي يرى أن الميناء كان يومًا منبع خير وفير وأسماك تباع بأسعار معقولة، فضلًا عن أنشطة أخرى كصناعة الثلج وتربية الحلزون البحري (الببوش) التي كانت توفر مواطن رزق إضافية.
اليوم، تلاشت تلك الأيام، لكن القوارب البالية بقيت شاهدًا صامتًا على قصص البحر، وعلى زمن كانت فيه البركة في الشباك والأمل في القلوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.