كغيرها من جهات البلاد الساحلية لعب البحر دورا مهمّا في نشأة التمركزات الحضارية بالشريط الساحلي لمعتمدية جبنيانة في الاستقرار والبشري وانتصاب مدن بأكملها تشهد عليها الآثار الرومانية في بطرية والاسلامية بسيدي مصرة. لكن هذه الشواطئ الممتدة على مسافة ما يقارب العشرين كيلومترا لم تعد تشجع السكان على الاستقرار والاستثمار في قطاع الصيد البحري كما كان الحال منذ عهود بعيدة ولعل ما يعيشه ميناء دوار اللواتة منذ الخميس الماضي من حراك احتجاجي يتزامن مع ما تعيشه جزر قرقنة من اضطرابات من قبل البحارة خير دليل على ذلك فما هي مظاهر التردي وما هي اسبابها وكيف يمكن تجاوزها ؟ بليانة، حزق، سيدي مسرة، اللوزة، الدوار، بطرية بن عثمان، مراكز يشتغل معظم سكانها في الصيد البحري قرابة خمسة الاف يعملون على ظهور مراكبهم وزوارقهم التي يناهز عددها قرابة 003 اضف اليها بعض الطرق التقليدية في الصيد. في ذات الوقت غابت الانشطة الاخرى، الفلاحية لارتهانها للظروف المناخية المتقلبة والصعبة والصناعية لانعدام أي نشاط حِرفيّ او صناعي مندمج مع الانشطة البحرية.فباستثناء بعض محلات صنع الثلج لاتجد أثرا لأي منتج له صلة بحاجيات البحارة وخيرات البحرمما زاد في تهميش المنطقة وتفقيرها، فمنطقة كعمادة اللوزة ظلت على بؤسها وشحوبها وفقرها، ويكاد الجميع يتفق على تدهور الثروة السمكية وتراجعها بشكل لافت ومفزع، فأحد البحارة ومعه قشار شهدا بما آل اليه محصول القرنيط الذي كان في يوم ما علامة من علامات واختصاصات اللوزة من تدهور مذهل ذلك ان المنطقة التي كانت في الماضي توفر للسوق ما يناهز 81 طنا اصبحت اليوم عاجزة عن توفير نصف طن يوميا. قس على ذلك بقية انواع الاسماك التي عرفت تدهورا كميا ونوعيا مما زاد في تردي اوضاع البحارة بمختلف انواعهم ومراتبهم، فتردي الثروة السمكية والموارد البحرية اصبح جليا اذ لا يحصل العاملون في هذا القطاع على ما يناسب مجهوداتهم وتضحياتهم ومصاريفهم الباهظة وفي بعض الاحيان يقضي الصيادون الايام والاسابيع دون الحصول على الحد الادنى من الانتاج مما دفعهم الى الاقتراض والارتهان الى الوسطاء في ظل غياب تام للدولة تنظيما و مساعدة. مشاكل متراكمة ويعود تتدهور الاوضاع حسب العاملين في القطاع الى اسباب عديدة ابرزها الصيد العشوائي وظهور طرق صيد منهكة للثروة السمكية كالصيد بالكيس والشنشول والشرافي والدراين التي أضرت بالتوازن البيولوجي للبحار وخلقت ما يمكن تسميته بالتصحر البحري الذي ازداد حدة بالتقلبات المناخية والاختلال التوازن البيئي واستفحال التلوث وان كانت هذه المشاكل عامة يعاني منها القطاع على امتداد الشريط الساحلي فان بحارة هذه الجهة يعانون من مشاكل خصوصية تراكمت هذه المدة مما دفعهم الى الاحتجاج عبر اعتصام دام قرابة الاسبوع علّق مساء الثلاثاء في انتظار مفاوضات ليوم الجمعة. وتتمثل هذه المشاكل اساسا في غياب الدولة وعدم مدّها يد المساعدة للبحارة الذين اكتووا بغلاء التجهيزات وتكاليف تهيئة مراكبهم من دهن وشباك وقارور ومراصد وغيرها كارتفاع اسعار المحروقات اضافة الى ظهور نوع من الاقليمية والمحلية من خلال منع البحارة من الإرساء والإبحار في جهات وموانئ اخرى كالجنوب بالكتف والبيبان او السواحل المجاورة كالشابة وقرقنة، وقد عبر بعضهم عن امتعاضه من تقلص تجدد الثروة السمكية بالجهة نتيجة اعتماد بحارة الشابة الصيد بالشرافي التي اصبحت تصنع بشكل منع وحبس على الاسماك تحركها ونموها بسواحل المنطقة. كما ان ميناء الصيد البحري رغم قدمه مازال يشكو عديد النقائص نظرا إلى محدودية التهياة والصيانة وتردي البنينة التحتية فيه كالمسالك والطرقات ومرسى السفن زد على ذلك مسالك التوزيع وفوضى السوق نتيجة كثرة الوساطات مما جعل البحارة يفوّتون في صيدهم بأسعار متدهورة فمثلا ثمن القرنيط عند صيده لايتجاوز الاربعة دنانير لكن عند بيعه للمستهلك بلغ اكثر من عشرة دنانير. ان اوضاع القطاع المتدهورة التي انعكست على اهالينا والتي تتماثل في جانب كبير منها مع اوضاع صيادي البلاد عموما تدفع الى ضرورة التفكير والاسراع بايجاد حلول آجلة وعاجلة تنقذ مصدرا مهمّا من مصادر ثروتنا الوطنية وأمننا الغذائي حاضرا ومستقبلا من ذلك تنظيم الصيد وحماية الثروة البحرية من الاتلاف والاستنزاف وهو أمر لايتحقق الا بتدخل مباشر من الدولة يجمع بين الاستراتيجي الاقتصادي والاجتماعي عبر مساعدة البحارة بقروض ومنح ميسّرة إضافة إلى الحرص على إنجاح الراحة البيولوجية لبحارنا مما يضمن استعادة الثروة السمكية لإمكانية تجددها عبر التصدي لأساليب الصيد العشوائي وكذلك ظاهرة قطع الطرق البحرية واعتراض المراكب وتخريبها كما حدث لبعض بحارة اللوزة الأسبوع الفارط. ويتطلب الأمر أيضا ضبط خارطة طريق وطنية تنظم عملية الصيد ومسالك التوزيع بالتقليص من المتدخلين والدخلاء، كما يمكن تطوير القطاع عبر بعث مشاريع مندمجة مع الصيد البحري كمصانع التصبير ومسالك التصدير وصنع مستلزمات الصيد وتقريبها من العاملين بالقطاع إلى جانب تهيئة هذه الشواطئ بشكل تصبح فيه قبلة للمصطافين خاصة ان المنطقة هي اقرب إلى متساكني جبنيانة الذين يعنون قيض الصيف وقلة الإمكانيات. شهادات: العيدي الصادق: معاناتنا قديمة ومستفحلة ما يقع في الجهة لا يهدد حياتنا فقط بل يهدد الاجيال القادمة لابد من ايجاد حلول تنقذ القطاع وتعيد امل العيش الكريم لأهالينا ولن يتم ذلك الا بتدخل الدولة. منصور الهويدي : اثناء رحلة صيد ليلة السبت اعترضتنا مراكب صيد من جزر قرقنة اجبرتنا على الرجوع بعد نهب تجهيزات المركب والاعتداء علينا ماديا ولفظيا وهذه يدي المجروحة والمضمدة شهادة على ذلك. علي بن حسين: جل البحارة يشكون الخصاصة والاحتياج فبالإضافة الى شحّ البحر هناك نوع من الانفلات الأمني وكذلك انعدام الدعم والتشجيع فلابد من إنقاذ القطاع. جمال بن سالم: احتجاجاتنا مشروعة لقد وقع تضييق الخناق حول مصدر رزقنا الوحيد بأشكال غير مشروعة لابد من تنظيم الصيد حتى لا نضطر الى طرق غير مشروعة كالصيد بالكيس.