بدا الخبر عاديا..برقية باردة لوكالة الأنباء التونسية توضح لنا فيها نقلا عن وزارة التربية ملابسات وفاة الطفل آدم الغريبي المرسم بالسنة الثامنة الأساسي اثر أزمة قلبية مفاجئة ألمت به في مدرسته الاعدادية بالغرابة بصفاقس لتسارع إدارة المدرسة فورا بإعلام الجهات الصحية المختصة لنقل التلميذ لتلقي الإسعافات اللازمة لانقاذ حياته.. سارعت سيارة اسعاف لنجدة الطفل متوجهة الى مدرسته لكنها فوجئت ببعض المواطنين "الشرفاء جدا" وقد قطعوا الطريق الوطنية عدد 1 الرابطة بين تونس العاصمة والجنوب التونسي مرورا بمختلف الولايات الساحلية..قطع هؤلاء الأبطال الطريق ومنعوا كل شيء يتحرك من عبوره .. طالب هؤلاء بتحسين الوضعيات الاجتماعية لأبنائهم وتحسين ظروف عيشهم..لم تجد أدمغتهم الفارغة حلا اخر غير قطع طريق حيوية للفت الانتباه لمطالبهم وتحسيسنا بمعاناتهم ..لم يفلح قدوم سيارة الاسعاف في فض اعتصامهم البطولي مما اضطرها الى إلى سلك الطريق السيارة والوصول إلى "الحنشة "ومنها إلى "الغرابة" أين تقع المدرسة.. لم ينتظر القلب الصغير سيارة الاسعاف التي وقف في وجهها المعتصمون..كان قلب آدم يحتضر ويصرخ فلا من مجيب..صرخ قلبه وعاود الصرخة تلو الصرخة ولكن آذان المعتصمين صماء عن كل شيء وقلوبهم ميتة ليصمت قلب الصغير عن الصراخ والنبض ولتصعد روحه الى بارئها بعد أن فشلت السيارة في الوصول في الوقت المناسب.. لا يهم وفاة الطفل آدم ولوعة قلب أمه ولا سقوط المزيد من الأرواح بل الأهم ان ينجح المعتصمون في تحقيق مطالبهم المصيرية وأن يعطلوا أقصى ما يستطيعون من مصالح العباد والبلاد فحبهم للوطن وتحضرهم يمنعنا من توجيه أي لوم اليهم لهم بل على العكس يجب علينا أن نشد على أياديهم الطاهرة.. أعربت الوزارة "عن أسفها وانزعاجها ورفضها لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة التي تعطل مصالح المجتمع وتعرض حياة الأفراد إلى التهلكة". في استنكار رقيق اللهجة رومانسي جدا لا ينفع مع هؤلاء ممن يستحقون أقسى العقوبات لأنهم مجرمون ومن لا يعتبرهم مجرمين فليتحول سريعا الى منزل أم ثكلى وأب مكلوم يصفعهما الألم يمنة والحزن يسارا.. طبعا سيخرج علينا البعض ليتهم المستشفى بالتقصير وليزعم انها أرسلت بسيارة اسعاف في وقت متأخر..وسيخرج علينا اخرون ليتهموا حكومة السبسي بنشر الاشاعات وقد يطل علينا البعض ليتهم التجمعيين بذلك فلا يهم روح طفل أزهقت ولا يهم صراخ أم ثكلى فقدت ابنا في ريعان شبابه.. ذهب آدم بعيدا وسكت قلبه الى الأبد ولكن أصواتهم البشعة مازالت تتصاعد وحناجرهم لا تكف عن المطالبة ولا يهم ان قطعوا طريقا أو سكة أو شقوا بحرا أو حرقوا شجرا.لا نملك الا أن نقول لهؤلاء مرحى للحرية بكم.. قطفت زهرة عمر آدم وسكن الألم قلب أمه ، رحمه الله وصبر أهله وذويه و"إنا الله وإنا إليه راجعون"..