يبدو أن ما قاله وزير الشؤون الدينية في الحكومة المؤقتة السيد العروسي الميزوري خلال اللقاء الصحفي الذي عقده أول أمس بمقر الوزارة حول تحييد المساجد وإبعادها عن الحملات الانتخابية أو الدعوة لحزب معين قد أثلج صدور الكثيرين وعبر بصدق عن تطلعات مختف الكيانات السياسية حتى التي تتخذ الفكر الإسلامي المعتدل منطلقا لها. إذ لا احد يرضى أن تتحول المنابر الدينية منابر الفضيلة إلى منابر للدعوة إلى تيار فكري وسياسي مهما كانت توجهاته ولكي لا نظلم أحدا فان اغلب هذه الأحزاب وليس حزبا معينا كما يعتقد البعض قد استغل في مرحلة ما المساجد للتعبئة الجماهيرية وقد وجب اليوم تغيير هذا الأمر وأظن أن تصريحات السيد العروسي الميزوري تندرج في هذا الإطار. إذ اعتقد البعض في لحظة من اللحظات أن وزارة الشؤون الدينية قد تراجع دورها فلم تقم بإجراءات كافية تحفظ قدسية بيوت الله مما أنتج عديد الظواهر الغريبة والمدانة كظاهرة إنزال الآمة من على المنابر والصلاة في الشوارع والأماكن العامة ونشر بعض الخطب التي تدعو إلى التطرف وتحرض على العنف وتؤسس لتقسيم طائفي بغيض وغيرها من الظواهر التي تعتبر طبيعية بعد كل ثورة على شرط احتوائها سريعا. ولكن من ناحية أخرى نرجو أن لا تتخذ مثل هذه الظواهر الشاذة كذريعة من قبل البعض للتعدي على دور المسجد في تناول الحياة العامة بنشر قيم الفضيلة و وترسيخ مبادئ الإسلام المعتدل ومعالجة عديد الظواهر الشاذة التي تهدد المجتمع كظاهرة الانحراف بين الشباب والتفكك الأسري وغيرها من الظواهر التي انتشرت في مجتمعنا طوال عقدين بعد أن عمل النظام السابق على جعل المسجد مجرد مكان للدعوة باليمن والبركات للرئيس المخلوع ونظامه. خنق الخطاب الديني ومحاصرة المساجد أوجدت جيلا بعيدا كل البعد عن التعاليم الإسلامية الصحيحة والتربية الدينية القويمة وهو امر اعترف به الجميع وتحاول وزارة الشؤون الدينية في هذه المرحلة الجديدة الارتقاء بدور المسجد دون تسييسه وهنا يكمن التحدي. لقد بلج فجر الحرية وكفلت الثورة حرية الاعتقاد وحررت المسجد من سلطة النظام الأوحد الشمولي ولحزبه المتغلغل في الدولة بما فيها دور العبادة لذلك لا بد أن نتعظ من الفترة السابقة بان ننزه المسجد عن العمل الحزبي الضيق وان نحمي أئمتنا من الانزلاق في متاهات الصراع السياسي الذي سيؤدي في النهاية إلى التكفير باسم الدين وهو أمر عاشته عديد المجتمعات العربية والإسلامية وحتى المجتمعات الغربية في وقت ما ونحن لسنا مستعدين لخوض نفي التجارب المريرة نعم المساجد لله فلا تدعو معه أحدا والسياسة للجميع , فانحافظ على ذلك الخيط الرفيع بين المقدس والمدنس.