يبدو أن تحليل تصريحات الراجحي الأخيرة مازال مستمرا في الدوائر السياسية وبين أبناء الوطن عامة لما تحمله هذه التصريحات من خطورة على مستقبل البلاد ووحدة مكونات الشعب التونسي ومؤسساته الوطنية والتي حافظ عليها التونسيون منذ الاستقلال إلى اليوم. ورغم خطورة كل الجوانب التي تطرق إليها الراجحي في تصريحاته إلا أن اخطر جانب كان الذي تناول فيه وزير الداخلية الأسبق مسالة الجهويات وأعطى انطباعا أن جهة بعينها تمتلك السلطة والقوة الاقتصادية والعسكرية وتحاول الحفاظ على هذه المقدرات على حساب الجهات الأخرى وان هذا التقسيم الجهوي قد تغلغل في المؤسسة العسكرية, وتزيد خطورة هذا التصريح بعد الأحداث التي شهدتها بعض الولايات الداخلية خاصة منطقة المتلوي من صراع بين العشائر والقبائل أو ما يعرف في تونس "بالعروشية" اشتباكات آدت لجرح العشرات مما اضطر الجيش الوطني الى فرض حظر للتجول هذه الأحداث تؤشر لمرحلة كارثية إن استمر الوضع عما هو عليه فمثل هذه التطورات ستحمل بذور فناء الدولة التي عرفت بتلاحمها وتعامل أبنائها على أساس المواطنة . كلنا نعلم أن القبلية قد أزيلت من عقلية التونسي منذ أن ارسي الحبيب بورقيبة الدولة الوطنية دولة المؤسسات والقانون التي قضت على مفهوم العروشية وعاش المجتمع التونسي حالة من التجانس الفريد وصلت إلى حد المصاهرة بين عائلات مختلف المناطق إلى حدود ذلك اليوم المشئوم. يوم 7 نوفمبر اليوم الذي بدأت فيه الفرقة حين بدا نظام بن علي يهمش المناطق الداخلية لمصلحته الشخصية وليس لمصلحة جهة معينة فبدأنا نستمع لألفاظ غريبة على مجتمعنا لم يتعود بها أبائنا فذلك ساحلي يعني صنف أول وذلك من الشمال الغربي أو اختزالا "ك ج ب" وذلك من الجنوب والأخر من الشمال تسميات لم ينزل الله بها من سلطان سكنت عقولنا وغذتها للأسف المواجهات الكروية من جهة و غياب التوازن التنموي من جهة أخرى. ويوم اندلاع الثورة من سيدي بوزيد لم تبخل أية منطقة في دعم الثورة وقدمت كل الجهات دون استثناء أبنائها قرابين لثورة الحرية والكرامة ولم نستمع وقتها بهذا التمييز العنصري الجهوي بل كنا كلنا تونسيون أحرار توحدنا لإسقاط الدكتاتور وتحقق الأمر فلماذا العودة إلى الوراء وإعادة النعرات الطائفية والجهوية. أليس النظام السابق هو المستفيد من قطف ثمار بذور الفتنة التي زرعها وكان سببا في التقسيم الجهوي وهاهو اليوم يستعمل هذه الورقة لإعادة سيطرته على الشعب ومقدراته الشعب التونسي اليوم في مفترق طرق والثورة لم تأتي لإشعال فتن وأحقاد بين أبناء الوطن الواحد على الجميع تحمل مسؤولياته في هذه اللحظات التاريخية التي تستوجب لحمة ووحدة لا فرقة وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصبيات القبلية والجهوية "اتركوها فهي منتنة".