بقلم رويدا مروّه* يتساءل أحمد بزّون، رئيس القسم الثقافي في جريدة السفير اللبنانية، في مقال "صادم" بعنوان "المرأة اللبنانية تفيض أنوثة وجمال" مرّ عليه جميع القرّاء مرور الكرام في الوقت الذي أساء فيه بزّون لصورة المرأة اللبنانية، وما أصعب بل ما أخطر أن يسيء صحافي بحجم ومكانة بزّون لابنة بلده، ونشر المقال على موقع "نسوة كافيه" الذي يعنى بشؤون المرأة ويتبنى بدوره شعار "كوني جميلة ومثقفة"... ويتساءل بزّون في مقال أقل ما يمكن وصفه "بالمنمّط" كيف تريد المرأة اللبنانية أن تحقق ذاتها إذا كانت لا تزال ضلع رجل (...) أو إذا كان همها الأساسي أن تلبس آخر موديل وتجلس في أهم مرفق سياحي أو تتحول إلى كائن ليلي، تسخر نهارها للتحضير لليلها! (...) ويكمل بزّون في مقاله تقييمه "المستفزّ" لواقع المرأة اللبنانية التي يعتبر انّها تعيش تناقضات كبيرة فيما لا يمكن برأيه الحديث عن نموذج معين للمرأة اللبنانية بسبب وجود عدّة "نماذج" للمرأة اللبنانية ويضيف في مكان آخر نسبة لا بأس بها من النساء اللبنانيات اللواتي يرين في العباءة السوداء والعودة إلى الأصول والتمسك بالطقوس الدينية القديمة (...) وأحياناً التشبث ببعض الخرافات أسلوب حياة يسهل لها طريق الجنة، لكنها في الوقت نفسه لا تقبل إلا بأواخر موديلات السيارات، وآخر صرعات العطور والثياب الداخلية، بل تتحول حفلات الموالد الشرعية إلى نوافذ للتنفيس عن سواد العباءات بمزيد من التعرية الشاذة أمام الجنس الواحد(...) يبدو أن وحده القارئ "السطحي" يمكنه ان لا يفهم ان بزّون "يلطش" (تعبير باللهجة اللبنانية يستخدم بمعنى النقد الساخر) في مقاله نموذجين من النساء اللبنانيات... الأول هنّ النساء المسلمات الشيعيات اللواتي يلبسن "الشادور" (العباءة السوداء التي تلبسها نساء حزب الله في لبنان وبعض نساء ايران والبحرين وبعض النساء الشيعيات حيث وجدن) فيسخر من تعلقهّن بهذا اللباس كمدخل لدخولهن الى الجنّة في وقت يفضلنّ فيه حياة الترف في اللباس والمأكل والسيارة والسكن على حدّ تعبير بزّون!... أستاذي الكريم، سأدعوك "باستاذي" لأن صحافي بمكانتك المهنية لا بّد أن يكون استاذا كبيرا لي ولصحافيات شابات أخريات كثر، إعلم ان المرأة المسلمة التي ترتدي حجابا وعباءة فضفاضة (سوداء أو ملوّنة لا يهمّ) ترتديها لقناعة دينية منها بأنّ الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام أمرها بذلك وقد ورد ذلك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الذي وليس لانّ الحجاب او الملابس هي موضة أو "ستايل" أو "وصفة سحرية" للجنّة بل هي قناعة دينية تشبه قناعة الراهبات المسيحيات بارتداء لباسهنّ المعروف بعد قرار شخصي منهنّ بتكريس حياتهنّ لخدمة الرب!... إعلم يا أستاذي أنّه لا يوجد نص ديني ولا عرف اجتماعي يمنع امرأة محجّبة ان تقود سيارة فاخرة او تسافر في سياحة لأوروبا او تحيي حفلة باهظة التكاليف طالما المال مالها... ولا يحق لك أن تعيب عليها ذلك الا لو كان لديك اي معلومات ان ذلك المال مصدره "حرام" وحتّى في هذه الحالة فليحاسبها القانون او المجتمع وليس أنت أو أنا أو ايّ كان وليس لصحافي ان يكتب مقالا لينتقد نمط حياتها الذي هو "حق شخصي" كما هو حق النساء الغربيات اللواتي يتغنين بالديمقراطية بالتحرّر... وبالمناسبة اتعجب انّك اعتبرت في مقالك ان اللبنانيات هنّ في الموقع الاضعف مقارنة بنساء الغرب... ومن أخبرك انّنا نطمح لمقارنتنا بنساء الغرب؟... أستاذي الكريم نحن لدينا هوية وهذه الهويّة قابلة للتحديث والتطوير تماشيا مع حاجاتنا وعاداتنا وديننا وليس مع معايير مستوردة من الغرب... رجاء لا تشبّهنا بالغربيات فنحن لدينا ثقة تفوق تصوراتك بهويتنا!... أستاذي الكريم ما شأنك أنت وشأن العالم بالمرأة اللبنانية التي تسهر او تتسوّق ملابس أنيقة او تسافر في رحلة سياحية لتسمح لنفسك بانتقادها وتعتبر في مقالك المذكور ان المرأة التي ترّفه عن نفسها لا يمكنها المطالبة بحقوقها ولا يمكنها انتزاع هذه الحقوق من الرجل والمجتمع والقانون والحكومة والبرلمان!... أستاذي الكريم لن أتكلم كصحافية او ناشطة في حقوق الانسان هنا بل كامرأة لبنانية أصبحت تحمل تهمة ترافقها وهي "الأنوثة والجمال"!... نعم المرأة اللبنانية تحب الأناقة وتحب ان تكون "أنثى" ولكن هل في ذلك عيب؟... هل في ذلك خدش لكرامة الوطن؟... هل في ذلك ضرر جسدي او معنوي للشعب اللبناني؟... وهل يمنعها ذلك من أن يكون لديها مستقبل مهني ودراسي وانجازات اخرى؟... هل يزعجك ذلك شخصيا؟... أستاذي الكريم اذا لم تصادف في حياتك نساء لبنانيات جميلات ومثقفات فسنتكلّف نحن نساء لبنان بتعريفك على هكذا نماذج واعلم أنّها كثيرة في هذا البلد... استاذي الكريم لست بحاجتي لأذكر لك أسماء لنساء رائدات لبنانيات فانّت رئيس القسم الثقافي في أعرق جريدة لبنانية منذ عقود وتعرفهنّ أكثر من صحافية شابة في سنّي وخبرتي المتواضعة!... أستاذي الكريم اعلم أنني ونساء لبنانيات كثيرات ننهض كل صباح ونلبس أجمل ما لدينا ونتعطر بأروع العطور ونسرّح شعرنا ونضع مساحيق تجميل (كلّ منا بحس "ستايله" الخاص) ونخرج للشارع لنذهب لمكاتبنا كصحافيات ومحاميات ومهندسات وطبيبات ومدرّسات وفنانات وبائعات في متاجر وغيرها من المهن كما نذهب لجامعاتنا وتذهب سيدة المنزل للتسوّق ومتابعة شؤون عائلتها... نقدّم لك ولكل الرجال وللمجتمع اللبناني نساء شريكات في "العمل" و"العلم" "وتربية الأجيال" ولو لم نكن نملك مؤهلات في عملنا وعلمنا وأدورانا كامهات لاحتقرنا المجتمع منذ زمن بعيد ولما رأيت في الجريدة التي تكتب فيها حضرتك اقلام نسائية تحتل مناصب أعلى من منصبك! مقالات لنفس الكاتبة كم كنت أتمنى أن تدافع عن سمعة المرأة اللبنانية من التهم التي تلصق بها بفعل بعض الافلام والمسلسلات اللبنانية "السخيفة" وبفعل بعض "الجيران" العرب وكم تمنيت ان اراك تتحدث عن نماذج نساء لبنانيات ناجحات... كم كنت أتمنى ان لا اقرا مقالك لانني تألمت لانك كاتبا مثلك اهانني واهان المرأة اللبنانية التي هي والدتي واختي وصديقتي وزميلتي وابنتي والأهم انّها ابنة بلدي!... المرأة اللبنانية أنجبت شهداء!.. الا يكفيك ذلك شرفا لتعرف اننا نساء لدينا عقول لا اجساد وصفتها انت "بالفاكهة" ... ام اننا نفاخر بالنساء العربيات في الربيع العربي وننكر على اللبنانيات انجابهنّ وتربيتهن لشهداء الربيع اللبناني قبل أن يسمع العرب بالربيع حتّى (شهداء كل الطوائف اللبنانية كي لا أفهم خطأ")... هل نسيت ان نساء لبنان انجبن الرجل المغترب اللبناني الذي ملأ العالم في كل القطاعات والمهن وتولى مناصب كبيرة حيث وطأت قدمه ولا يزال.. من أنجب وربّى جبران خليل جبران وكمال جنبلاط ورفيق الحريري وموسى الصدر ورياض الصلح وسواهم! استاذي الكريم سأقرأ بعض قليل وبعد انتهائي من تحرير هذا المقال كتابا وساتابع عملي وادير مؤسستي وساعود بعد يوم عمل طويل الى بيتي لأغيّر ملابس العمل والبس فستانا جميلا واضع افضل ما عندي من مجوهرات واخرج لأرقى مطعم في مدينتي... لكنك لن تستطيع انتقادي لانني اديت دروي كمواطنة فاعلة في المجتمع قبل تفكيري في اللهو! وللرجال الذين تحدثت عنهم في مقالك واعتبرت ان عددا كبيرا منهم يعتبر المرأة "فاكهة" اقول لهم: قد نكون نحن النساء اللبنانيات والعربيات فاكهة جميلة بالوان مثيرة وبنكهات مختلفة لكننا فاكهة صعبة المنال ولا ينال هذه الفاكهة سوى من يستحقها... هؤلاء الرجال لهم "حصرم" التخلف ولن ينالوا من حلاوتنا شيء... * رويدا مروه،