قال رئيس لجنة المبادئ والتوطئة وتعديل الدستور الصحبي عتيق في تصريح لإذاعة شمس أف أم أنه قد تأجل النظر في الصيغة الافتتاحية لتوطئة الدستور بعد وجود خلافات في صبغة هذه الافتتاحية. وقال عتيق " صار نقاش حول عناصر التوطئة ثم بدأنا في موضوع تصدير التوطئة بشعار وهناك اتجاهان في ذلك , هناك شق يقول علينا أن نصدر التوطئة بشعار وهناك من لا يقول بذلك" مضيفا " لذلك قررنا تأجيل النظر في الصيغة الافتتاحية للتوطئة حتى الانتهاء من صياغتها". --------------------- مفهوم توطئة الدستور (جريدة الصباح) بقلم: الدكتور عبد الله الاحمدي - شرع المجلس الوطني التأسيسي في اعداد صياغة الدستور الجديد وتكونت لهذا الغرض عدة لجان من بينها "لجنة التوطئة والمبادئ الاساسية وتعديل الدستور" وهي في اعتقادنا من اهم اللجان نظرا للمكانة المتميزة للتوطئة في الدستور ويتجه الوقوف على مفهومها ووظيفتها وقيمتها من الناحية السياسية والقانونية. لعله من المفيد الاشارة الى ان الدساتير العربية على حد علمنا لم تستعمل مصطلح التوطئة التي هي ترجمة لعبارة préambule اذ ان واضعي تلك الدساتير فضلوا استعمال مصطلحات اخرى منها لفظة مقدمة (دستور دولة الامارات العربية المتحدة) والديباجة (دستور جمهورية مصر العربية والعراق والجزائر وموريطانيا) وتمهيد (دستور المملكة المغربية). ويمكن القول ان البلاد التونسية انفردت باستعمال مصطلح التوطئة في دستور غرة جوان 1959. وهذه العبارة مشتقة لغة من فعل وطأ ويعني هيأ ويقول ابن الاثير التوطئة هي التمهيد اما اصطلاحا فان معاجم القانون الدستوري تعرف التوطئة بكونها وثيقة تتضمن الاعلان عن مبادئ او حقوق او توجهات عامة والفلسفة السياسية التي يقوم عليها نظام الحكم. ويختلف محتوى التوطئات من دستور الى اخر حسب اوضاع كل بلد وخاصة الظروف السياسية والاجتماعية وغيرها التي يتم فيها وضع الدستور كما ان التوطئة عادة ما تكون قصيرة او متوسطة ونادرا ما تكون طويلة من ذلك ان توطئة دستور الولاياتالمتحدةالامريكية الصادر في 17 سبتمبر 1787 قصيرة جدا اذ لم تتجاوز ستة اسطر وكذلك الشأن تقريبا لتوطئة القانون الاساسي الالماني وهو دستور ألمانيا الصادر في 23 ماي 1949 والتي كادت ان تقتصر على التنصيص على مقاطعات ألمانيا الاتحادية انذاك مع اشارة قصيرة الى ارادة الشعب الالماني في خدمة السلام في العالم ومسؤوليته امام الله والبشر كما ان توطئة الدستور الفرنسي الحالي الصادر كما هو معلوم في 4 اكتوبر 1958 قصيرة لم تتعد 10 اسطر خلافا لتوطئة دستور فرنسا القديم الصادر في 27 اكتوبر 1946 التي تعد من التوطئات الطويلة النادرة اذ تضمنت العديد من حقوق الانسان ومن اهمها الحقوق الاجتماعية وحقوق المرأة والطفل والتضامن والمساواة وتجدر الاشارة ايضا الى ان بعض الدستاتير لا تتضمن اية توطئة مثل الدستور الايطالي الصادر في 27 ديسمبر 1947 اذ اقتصر واضعوه على تخصيص 12 فصلا للمبادئ الاساسية ولا شك ان دستورنا الجديد سيشتمل على توطئة ما دام قد تم تكوين لجنة خاصة بها فما هو المطلوب في صياغتها ومحتواها وما هي قيمتها سياسيا وقانونيا. لقد اختلفت الاراء حول هذا السؤال الهام اذ كان ظهر في السابق اتجاهان كبيران يرى اصحاب الاول وهو قديم مثل الاستاذين carré de Malberg وEsmein انه ليست للتوطئة قيمة قانونية على ان هذا الاتجاه قد تجاوزته الاحداث اذ ان الرأي السائد اليوم لدى شراح القانون الدستوري وفقه القضاء الدستوري ان للتوطئة قيمة قانونية كاملة وان جميع احكام الدستور بما في ذلك التوطئة لها نفس القيمة الدستورية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الدستور وهي متصلة به وهي مدمجة في ما سمي بمجموع النصوص التي تتم على ضوئها مراقبة دستورية القوانين ومعنى ذلك ان القوانين التي تكون مخالفة للمبادئ الواردة في التوطئة تعتبر غير مطابقة للدستور وغير متلائمة معه وقد صدر في هذا الاتجاه قرار هام عن المجلس الدستوري الفرنسي في 16 جويلية 1971 والمتعلق بحرية تكوين الجمعيات وفي تونس توخى المجلس الدستوري نفس هذا الاتجاه في بعض ارائه في مشاريع القوانين التي عرضت عليه نذكر منها الرأي الذي ابداه في 15 جوان 1996 الخاص بمشروع القانون المتلعق باصدار مجلة المعاليم والاتاوات المحلية والرأي الصادر في 12 نوفمبر 1998 المتعلق بتنقيح القانون عدد 34 المؤرخ في 17 افريل 1995 وقد اعتمد المجلس الدستوري في هذين الرايين توطئة الدستور للتثبت من مطابقة وملائمة مشاريع القوانين المعروضة عليه للدستور ومعني ذلك ان للتوطئة نفس قيمة احكام الدستور. ومن الناحية السياسية فان للتوطئة أهمية كبيرة باعتبارها كما أسلفنا تتضمن الفلسفة السياسية لنظام الحكم والمبادئ العامة التي يرتكز عليها وهذا ما نلمسه في توطئة دستور غرة جوان 1959 التي أشارت الى جملة من القيم والمبادئ منها الديمقراطية وسيادة الشعب وقاعدة تفريق السلط والنظام الجمهوري ونظرا للقيمة القانونية والسياسية للدستور فانه لابد من اتقان صياغتها وذلك بتوخي الوضوح والسلاسة في التركيب وانتقاء مصطلحات وعبارات واضحة وتفادي الكلمات التي قد يكتنفها بعض الغموض او يدق فهمها فيؤول الأمر إلى التأويلات وتباين الآراء حول مدلولها ويستحسن استعمال المصطلحات المتداولة في لغة القانون وخاصة في القانون الدستوري والعلوم السياسية كما يتعين ان لا تكون التوطئة طويلة اذ يحسن ان تكون موجزة وان تقتصر على جملة من المبادئ الأساسية العامة دون الدخول في التفاصيل ويمكن الاستلهام من توطئة دساتير بعض الدول العريقة في الديمقراطية. أما محتوى التوطئة فالمفروض ان تتضمن الإشارة الى ثورة 14 جانفي 2011 والمبادئ التي اندلعت من اجلها كالحرية والكرامة والتضامن والمساواة والتوازن بين الجهات وحقها في التنمية وكذلك الحق في الشغل كما يجب ان تتضمن جملة من المبادئ الأساسية ذات الصلة بتنظيم السلطة العامة وفي مقدمتها الديمقراطية والفصل بين السلط والصبغة المدنية للحكم والحداثة والتعددية الفكرية والسياسية وانتماء تونس الى محيطها العربي والإسلامي والمتوسطي والمغاربي وتعلقها بميثاق الأممالمتحدة والمبادئ الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وبصفة عامة يجب ان تستجيب المبادئ التي سيقع التنصيص عليها في الدستور لتطلعات الشعب وكذلك الشأن بالنسبة لاحكام الدستور الذي يعد قانون القوانين على حد تعبير بعض فقهاء القانون الدستوري باعتباره يضبط طريقة تعيين الحاكمين وصلاحياتهم كما يضبط حقوق وحريات المواطنين فضلا على ان احكامه تكتسي في نفس الوقت صبغة قانونية وسياسية وتعد عملية صياغة الدستور مسؤولية تاريخية جسيمة على عاتق المجلس الوطني التأسيسي الذي عليه ان يأخذ بعين الاعتبار لكل الاتجاهات الفكرية في البلاد وان يستمع بالخصوص الى مكونات المجمع المدني بدون اقصاء وكذلك الأخذ بعين الاعتبار لبقية أصوات التونسيين الذين لم يشاركوا في انتخاب المجلس وهم كثيرون اذ المفروض ان يكون الدستور الجديد هو دستور كافة الشعب التونسي وليس دستور كتلة معينة من الأحزاب او تكريس لايديولوجية محددة كما انه تجسيما للوحدة الوطنية نرجو حصول توافق على أحكام الدستور الجديد والابتعاد عن منطق الحسابات الظرفية الضيقة مهما كانت طبيعتها لان الدستور سيكون صالحا لعشرات السنين وحتى لقرون وليس لفترة محدودة وهو ينظم الحياة السياسة بالبلاد لعدة أجيال * استاذ متميز بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس