بقلم : محمد يوسف ناشط ومحلل سياسي تصدير : من ترك نفسه لتلاطم امواج اللغو السياسي , واشتد به داء الولع بالكراسي , ولم ير في الحرية الا المآسي ... فاسد المزاج ليس له علاج . يقول المثل الشعبي المعروف , وان اختلفت روايته محليا : " هرب من القاطر فوقع تحت الميزاب ." وهذا المثل الشعبي فيه سخرية وتحذير من فعل الذين يهربون من مشكلة صغيرة فيقعون في كارثة عظمى . اليوم , يشتدّ الصياح والعويل والنواح و" النديب " ... مناضلين افذاذ وثوار لا تقر لهم عين اذا لم يصدعوا بكلمة حق من اجل هذا الوطن العزيز : انه التحذير المتصل بدون انقطاع منذ نهاية شهر جانفي 2011 من خطر المؤامرة القطرية على تونس ,تهدد سيادتنا وثورتنا وامننا وسلامتنا. انه اعلان حرب كشف عنه جزء مهم من الساسة والمناضلين والمثقفين من اجل ابطال مفعول الاستعمار القطري . " ان الترويكا بقيادة النهضة ضالعة في العمالة والخيانة العظمى . اما الدكتور المنصف المرزوقي , الرئيس , فهو عرّاب او لنقل قطّار السيل الجارف و الزحف القطري الذي لا يبقي ولا يذر..." حقيقة ,انا لا ارتضي لنفسي ان اكون مدافعا عن قطر. فقطر شأنها شأن الدول الخليجية المتخلفة , و كغيرها من هذه الدول جزء من نكبة الامة , جزء من المشكلة ولن يكونوا بوضعية الحال جزءا من الحل . يدورون ضمن فلك العمالة والخضوع والخنوع لامريكا... ولا يمكن بأي حال من الاحوال للثورة المنشودة ان تتكأ على دولة خليجية ولا ان تتكأ على غيرها من الدول... وغريب كل الغرابة ان يصبح التحدي المطروح لدى عدد غير يسير من الساسة والناشطين هو ازاحة عتبة قطر من امام الثورة , ويصير الامر , اعلان حرب , اولوية الاولويات تسخر له كل الطاقات والامكانيات... لا يتجاوز عدد سكان قطر ست مائة الف نسمة , اي ان قطر بطم ّ طميمها تشكل حوالي نصف سكان حي التضامن . اما مساحتها فهي اقل من عمادة الصّابرية بمعتمدية الفوار بولاية قبلي ولا اظنها اكبر عمادة في تونس... ما هو حجم التبادل التجاري بين قطر وتونس؟ ما هو حجم التبادل الثقافي ؟ما هو حجم حركة البضائع والاشخاص ؟ ما هو عدد القطريين المقيمين بتونس ؟ سيقول المصابون بفوبيا قطر , انها عرابة المشروع الامريكي في تونس. أفلا يكون الحراك الدبلوماسي والسياسي القائم بيننا وبين الولاياتالمتحدة بشكل مباشر اقوى واشد وطأة ؟ هل يعقل ان تكون الحملة على قطر في ذروتها وتستحوذ على جهد الناشطين دون ان يولوا اهتماما لبعثة البنك الدولي والمفاوضات الحاصلة معه وتزايد المديونية ؟ الا تكون علاقات عديد من الوجوه بالكيان الصهيوني وبالموساد جديرة باهتمام المناضلين وهم لا شك مناوئين لقطر (وليس كل من عارض قطر وندد بها عميلا )؟ الا تكون علاقاتنا بالاتحاد الاروبي وامريكا محل تساؤل في ما يتعلق بتهديد ثورتنا واغتصاب ثروتنا ؟ وما طبيعة العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية ؟ ما حجم الانشطة التي تشرف عليها دول ومنظمات امريكية واوروبية وتمولها وتشارك في تنفيذها الميداني ؟ ما هي طبيعة علاقتنا بفرنسا وما حجم التبادل التجاري معها ؟ ما هي مكانة الثقافة الفرنكوفونية ضمن حراكنا الثقافي في التعليم والاعلام وفي انشطة المجتمع المدني وفي مجالات الثقافة والفنون؟ ما هو عدد ونشاط الجمعيات التي تمول أساسا من فرنسا ومن الاتحاد الاروبي ومن الولاياتالمتحدة ومن المنظمات الدولية ؟ ما حجم المجهود وآثاره المستقبلية والذي يطبخ على نار هادئة يؤسس مستقبل الامازغية في تونس عبر جمعيات ومراكز تعد العدة بعناية وصمت استعدادا لمستقبل متعدد الاعراق والثقافات واللغات ؟ الى اي مدى ترتبط المؤسسة العسكرية والامنية وشبكات الاتصال والنسيج الصناعي والسياحي والفلاحي بدول اخرى ,هي بلا شك اروبية او امريكية ؟ هل ان كل هذه الدول متوقف تعاملها معنا على العبور عن طريق القنطرة القطرية ؟ الا تكون السعودية مثلا اشد تأثيرا على الحالة التونسية بما انها تتبنى نشر منهج سلفي وترعى اتباع الوهابية ؟ الا يكون التدخل الجزائري المحتمل عبر الجنرالات الطيبين اشد خطرا ؟ اننا في كل الحالات مضطرون للتعامل مع كل هؤلاء الاخوة الاعداء . فعلاقات الدول والشعوب قائمة على التشابك والتداخل وتبادل المصالح . كما ان النظام الدولي السائد محكوم بقوانين لعبة يخضع لها الجميع , بلا اختيار , لانها تقوم على الحاجة وهي امنية , اقتصادية ,غذائية ,تكنولوجية ,صحية ... وهي ايضا مرتبطة بقانون القوة والنفوذ اي ان من يقدر على محوك من الوجود او تهديد مصالحك وأمنك الترابي والغذائي و ...تتفاعل معه للمحافظة عما تبقى من السيادة ما دامت سيادة الدول ضاعت في طوفان العولمة والتدويل. الذين يسيطرون على الارض والسماء وعلى الغذاء والدواء يصنعون كل حاجيتنا اليومية . الا نكون مضطرين تجاههم على تبادل المصلحة ومضطرين لتجنب اعلان الحرب عليهم ... نحن في سيرورة البحث عن الانفلات من كماشتهم بالتفاعل مع اخف الاضرار وتفعيل مكامن قوتنا اعدادا واستعدادا لتحسين امكانيتنا وتحصين ذواتنا... دون نفرط في سيادتنا وكرامتنا ... وتجوع الحرة ولا تأكل بثدييها... قطر صنعت نموذجها وهو بالضرورة ليس نموذجنا... راهنت على استقطاب الموارد البشرية , وفعلت تكنولوجيات الاعلام والاتصال للظفر بنفوذ تفعله لمصالحها... ولم يصح نفوذه الا بالتنازل عن تقاليدهم الاعلامية المحافظة التي لا تعترف بحرية الاعلام ولا تعترف بالديمقراطية... قبلت بقواعد عسكرية امريكية حتى تتخلص من كماشة السعودية المهيمنة ... عددت مراكز البحوث والاستقطاب لتحتكر نوع من الدبلوماسية الناعمة التي تتدخل في كل شيء دون التصادم مع النظام الدولي السائد , تلعب بقوانين لعبة صناعة القوة الناعمة عبر النفوذ الرمزي وشبكات البحث والاتصال الثقافي والاخباري والاجتماعي ... راهنت على جيل جديد من الاستثمارات في البحث والاعلام والرياضة والثقافة... ومع ذلك فلسنا ملزمين بخياراتها ولكننا لا نهرب من تقاطعات المصالح المشتركة المحتملة بلا عقد وبلا فخر ... الم يبق الا قطر ...علينا ان نوجه اليها كل طاقات الغضب و الثورة في الرفض والمقاومة ونجند الاعلام والمواقع الاجتماعية ؟ لقد هربوا من القاطر فوقعوا تحت الميزاب... ان الرسالة الحقيقية التي يريد ان يوصلها المهوسين بالفزاعة القطرية ضمن صراعهم الانتخابي المفضوح لتشويه خصومهم ,لا يعدو ان تكون الا ما يفيد ان الثورة التونسية صنيعة قطرية . وهذا التأويل اليقين تفسيره وجهان : - وجه يحن الى العهد البائد الذي لطالما لعن قطر ونكّل بقناة الجزيرة,وهذا الشق مخلص لنهجه يريد ان يحافظ على مكاسبه. - وجه آخر لا يحن في أصله الى عهد ولّى وفات ولكن هزيمته ويأسه من الظفر بنصيب من السلطة حاضرا ومستقبلا قادته الى الاحباط والاحباط يتبعه اكتئاب من اعراضه الهلوسة والشعووذة... لقد حسبوا الثورة عسلا فوجدوها قطران , فهل مفرده قطر؟