ابو مازن حدث حمّه البارحة في ساعة متأخرة من الليل، وهو محاط برفاقه وخلانه وفرقة المنسحبين، انّ الحمار الوطني قد علّق وهو مازال جحشا صغيرا ينطّ من مكان الى مكان باحثا عن ضرع أمه الأتان. عُلّق المسكين بأمر من العباسي بعد تفحيص و تمحيص من الرباعي الراعي لهذا الجحش الصغير. جحشنا الوطني لا يكاد يحتمل فوق ظهره جماعة صفر فاصل فكيف يريده البعض ان تركبه الاغلبية و الترويكا. زد على ذلك أن جحشنا الوطني ازدان بعد عسر ولادة استوجبت نقله إلى طاولات النقاش بالسفارات والمنظمات الدولية فأدلى كل بدلوه و صفف جنوده المحليين وقدم لهم النصيحة والدعم. لقد بقينا لأيام نترقب ولادة هذا الجحش لنركبه ونمتطيه و نحمل عليه الماء من الحنفية العمومية عشرات الكيلومترات لبيوتنا النائية عبر مسالك وعرة، ونحرث الأرض التي سقاها الله ماء غدقا انهمر لأيام فاخضرت الأرض و نبت الزرع والكلأ. فرحنا بهذا الجحش الوليد وهنأنا الأتان التي تبخترت في مشيتها وأعلنت عن فرحتها بجمع كبار الشخصيات والمنظمات و الأحزاب وغيرها من تنظيمات المجتمع "الاسطبلي" ولكنها نسيت حصانا قويا رشيقا ابتاعه الشعب بأسره بعد أن هرب البغل، ليقضي أمور حكمه فينظر في القوانين والدساتير ويركب الصعاب وييسرها ويبني لغد أفضل. تناسى الجميع أمر الحصان العربي الأصيل وقوته ونفاذ رأيه وشدة جبروته و راحوا يهتمون بالجحش ليكبر فيعوض الحصان ممثل صوت الشعب. تلك فكاهة أسوقها للقراء بعد أن نال منا الحوار الوطني المزعوم و من أصواتنا التي منحناها عن قناعة وطيب خاطر فتركوا المجلس الشرعي الممثل للشعب بأسره وراحوا يبحثون عن بديل كهيئة بن عاشور لتشير علينا بالرأي و تصحح أخطاءنا. فعلا لقد أخطأنا مرتين وحفظ الله البلاد من خطأ ثالث، أما الزلة الأولى فكانت قاعدة الانتخاب وأفضل البقايا التي جعلت الفأر بحجم الكنغر ولكنه لا يحسن غير الاختباء في ثقوب الجدران. و أما الزلة الثانية فهو حلّ ذلك الحزب الذي كتم أنفاسنا لعشرات السنين فتوهمنا اقتلاعه دون رجعة ولكنه انبت رضّاعا بعد أن أصابته أمطار الحرية وتكيّف مع الوضع الهش. رحم الله شهدائنا و شفى الله جرحى الثورة و عوض الله الشعب الكريم حصانا خيرا من حمارنا الوطني المعلق، ولعل الحلّ لا يدرك بالتمني ولكن بالقبض على جمرة الحقّ و الانصراف عن حلوى التوافق المخدرة فتؤخذ الثورة على حين غرة.