شهدت البلاد في الفترة الاخيرة تساقط كميات هامة من الامطار على مناطق عدّة شملت الشمال وخاصة الوسط بعد جفاء للقَطْرِ استمر سنتين متتاليتين جفت معه الارض وغاب الزرع ونشف الضرع وحتى الاشجار والغرس المجبول على الصبر مثل الزيتون انحنى في بعض الجهات وكاد في الاخرى، وذبلت أوراقه واحتضرت أغصانه على مرأى من صفوف الهندي التي تحول »ضلفها« الى »كردون« لا يفي بنجدة الفلاحين والصغار منهم بالخصوص وقطيعهم الذي نفق ولم تبق منه الا شويهات ذات صوف وعظام ولا لحم ولا شحم هذه الصورة القاتمة والحالة المزرية والعيش الضنك لاهلنا في البوادي والذين لا مفاوضات إجتماعية يعلقون عليها الامال ولا زيادات ترتق جيوبهم مالهم الا سماء يستسقون الله حتى تمطر فتبدل نكدهم وغمهم أفراحا وخوفهم أمنا ٭ فعل وفعائل
هذه السماء محطة انظار الفقراء الى ربهم جادت ببعض الدموع التي مسحت بعضا من مدامع الزرع والضرع، استبشر من أضناهم العطش والجدب في هذه السنين العجاف الاخيرة آملين ان يكون فعل السماء هذا صادّا لفعائل البعض من أهل الارض ثنْيا لهم عن التنكيل بصغار الفلاحين والمربين الذين صرح لنا البعض منهم متشائما بان »الخروف، العنزة، العجل والجحش« ستتحول الى حيوانات متاحف حدائق باعتبارها تسير »الهويْنا« اي يبطئ نحو الانقراض في غياب بلْ ندرة ما تعيش عليه، فالحشيش الرّباني لم يكس الارض والتّبن علف البغال المفضّل تحول الى مطلب صعب المنال للخرفان ذات الدّلال، أما »القرط« فكمشة منه تعتبر مكْسبا لنعاج جف ضرعها ولا حيلة لها لإعالة حمْل حاله أشبه بأطفال المجاعات الذين يراهم البعض فيشيح عنهم »فطْشاططه« متطيّرا
٭ النبلاء
المواد المذكورة آنفا هي ملاذ البروليتاريا ايام القحط والمعاناة ولكن حتى هذه بدأت تنقرض بعد الموسمين الكالحين الماضيين مما اضطرّ معه الفلاحون والصغار منهم بالخصوص الى التردّد على »السيلون« ومعامل الاعلاف المركبة هناك فعل البعض فعله حتى أصبحت »النخالة« البسيطة تناطح مادة »السميد« واصبح الخليط المركب ندّآ للقمح »البيدي« الامر الذي دفع ببعض المربين الى تقليص »رسلتهم« او التفويت فيها بأرذل الاثمان ما دامت اسعار الاعلاف تهم النبلاء فقط، أمّا الاقنان فلهم اللّه و»براد تاي« وطرح »خربڤة« و»الفْدد والصهدْ« أو »غداد يسوقهم« وهي دعوات على الشياه حين تشوش او تستغيث متضورة جوعا
٭ ستْ هانمْ
على الطرف الآخر للصورة وخاصة في هذه الايام المناطحة للعيد لاحظنا بداية هبة الهوانم على الاسواق متبوعات ببعولهنّ متأففات من رائحة »العْبس« أو »الوذح« رائحة ليست قبيحة تنبعث من النعاج والخرفان وباحثات عن »علوش« يملأ العين ويطرب »الماسكارا«، يلعب معه الاولاد قبل اللعب بعنقه، تلك الهوانم وبعولهنّ تراهن يدخلن في حرب مساومة مع ذاك الفلاح ولا أتحدث عن القشارة حاش المحلْ ناعتات اياه بنعوت متوسطة الحقارة عندما يعرض عليهن ثمن حيوانه متجاهلات أو جاهلات كيف وصل ذاك الخروف الى تلك الحلاوة يقولون ووه ماحْلاه التي سبقتها مرارة تجرعها ذلك الفلاح البائس الذي لا يعرف الكرى الى عينيه سبيلا من أجل ضمان إقامة طيبة لخرفانه وحماية لها من سطو اللصوص الذين كم »عرُّوا« من رؤوس، ومتناسيات أو ناسيات أباطرة الشعير وما شابهه الذين يذبحون الفلاح كل الايام ويذبحون الخروف يوم العيد
٭ العود والظلّ
فباللّه عليكم كيف يريد البعض ان ينخفض سعر الخروف في العيد وغيره من الايام والحال على ما ذكرنا ؟ فهلاّ تحركت الجهات المسؤولة وذات النظر للتخفيف من هذا الوزْر بالتصدي مثلا لمصّاصي الدّماء والمضاربين والمزودين في هذا القطاع بالذات ولماذا لم تقطع تلك الايدي التي امتدّت الى »فلاح كان فايت بيغني« اغنية لشريفة فاضل وتحول الى فلاح مهموم، مظلوم، معفوس؟