أبو مازن شكر الله سعي المجلس التأسيسي المنتخب و الحكومات المتعاقبة على الحكم في تونس منذ فرار المخلوع، شكر الله سعي الترويكا التي نالت تفويضا من الشعب حتى تحمي الثورة و تسندها بقرارات قوية وفورية ولكنها ترنحت بفعل الفاعلين و لقلة دراية بالحكم و لانتهاجها أيضا سلوك الضعيف الحليم المتسامح. لقد أقبرت الثورة وهي تحتضر و واراها القوم التراب فأضحت شهيدة من بين الشهداء الذين ينتظرون في عليائهم القصاص. اختلفنا في تونس منذ ثلاث سنين في تقييم عديد القضايا و الأطروحات، فبين كل منا طريقته في بناء الديمقراطية و كبح لجام الدكتاتورية التي أينعت عروقها وصارت قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى أرض المعركة. و لكننا لم نختلف في من قدموا أنفسهم شهداء لتونس إبان الثورة فعرفنا تعدادهم و تناقلنا صورهم عبر المواقع الاجتماعية ولكن الإعلام لم يشاركنا في التعريف بهم و بما بذلوه في سبيل عتق رقاب الشعب من الظلم والقهر والتسلط بل جعلهم نكرات سرعان ما ننساهم و ننسى ما حملهم على الاستشهاد. لا أستغرب هذا الأسلوب القذر من الإعلام المتردي الذي أطلق عليهم عديد النعوت في آخر أيام المخلوع فسماهم خفافيش الظلام و عصابة المفسدين و غيرها من المصطلحات البالية التي تربى عليها. إعلامنا لم يسهم البتة في التعريف بهؤلاء الفتية واكتفى بالترحم عليهم كلما تكلم المتكلمون في المنابر الإعلامية و برامج الحوار حتى امتهنوا أيما امتهان و جردوا من لقب الشهادة ثم نسبت لآخرين. لقد قال قضاء الأرض كلمته في حيثيات استشهادهم بعد أن جمع قوته و فحص أوراق ملفاته ثم أصدر أحكامه مزامنة لعيد الشهداء، و سواء سعد أهل الشهداء أو توجسوا خيفة من ضياع حقوق أبنائهم فإنهم قد لاحظوا حيفا فاضحا لأطراف داعمة للماضي المستبد و عودة لوجوه خالها الجميع غابرة إلى يوم الدين تتيه في الجبال والصحاري حتى تواري سوءة نفاقها و تملقها للمخلوع و قبيله. إن تاريخ الثورات ملهم للمطلعين عليه بأن التغيير المنشود يتطلب أشواطا من البذل والعمل والتضحية، فمجرد الانتخاب أو الحكم أو إصدار الأحكام الباتة لا يمكن أن يحدد مستقبل وطن و يحسم الأمر لحساب طرف ما دون غيره، بل إن حياة الثورات أخذ و رد بين ثوار وثوار مضادين فقدوا الجاه والعديد من المصالح المادية والمعنوية فتخبو نيرانهم فترة و تستعر أخرى ولكن عزم أهل الثورة و وفائهم لدماء سكبت من أجل حرية منشودة تظل دوافع رباعية الدفع تجوب صحاري الحنين "لبوهم الحنين" فلا تتوقف و لا تستكين إلى أن تبلغ أرضا خضراء موعودة يحلو فيها المقام و يحترم فيها المواطن البسيط الذي يسأل الحكام القدامى والانتقاليين والجدد لقمة كريمة تسد رمقه و سقفا ساترا لبيته المتواضع و رأفة بأم فقدت فلذة كبدها في لحظة إخلاص للوطن.