أصدرت "المجموعة الدولية للأزمات" -International Crisis Group- وهي منظمة دولية مقرها بروكسيل، تقريرا جديدا الأسبوع الماضي بعنوان "تونس: أعمال العنف والتحدي السلفي". وأشار التقرير إلى أنّ المعالجة الأمنية والقضائية للظاهرة السلفية أيام حكم بن علي لم تفلح في تجنيب البلاد عديد أعمال العنف "الجهادية". كما أن التضييقات الشديدة التي مورست على السلفيين بشكل عشوائي قبل الثورة لم تسمح لهم بتطوير آرائهم ومواقفهم أو الاحتكاك بمختلف التيارات الفكرية والسياسية في المجتمع. الواقع السلفي بعد الثورة استعرضت المنظمة مراحل تطور التيار السلفي، بجناحيه العلمي والجهادي، منذ الثورة. وسلط التقرير الضوء على التركيبة الاجتماعية والتنظيمية والإيديولوجية للمنتسبين إلى هذا التيار وعلاقاتهم بسائر الاتجاهات السياسية الأخرى وخاصة منها الحركات ذات المرجعية الإسلامية. وقدّر التقرير عدد العناصر السلفية في البلاد (من ذوي الانتماء العقائدي العلمي والجهادي) بحوالي 50 ألف شخص.وأشار إلى أنّ العناصر السلفية ليست بالضرورة كلها منضوية تحت لواء تنظيمات لها هياكلها وقياداتها، لكنّ هناك محاولة من قبل "أنصار الشريعة" لتنظيم صفوفها في إطار هيكل هرمي يضم مكاتب ولجان محلية. كما أنه تم في نوفمبر 2012، وفق التقرير تحت تأثير الشيخ الإدريسي، إنشاء "مجلس للشيوخ" تدخل للتخفيف من حدة بعض المواجهات. وقال التقرير إنّ الكثير من العناصر السلفية تنشط ضمن الشبكات التجارية الموازية في المناطق الفقيرة ويساعدون سكان الأحياء الشعبية على حل مشاكلهم الإدارية أو تلك المتعلقة بدراسة أبنائهم. سوسيولوجيا العنف قالت المنظمة إن أعمال العنف المنسوبة إلى السلفيين تعود "لأسباب اجتماعية وحضرية وكذلك دينية وسياسية". ومقترفو هذه الأعمال هم عادة من الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و 35 سنة والقاطنين الناطق المتاخمة للمدن أو في المجموعات السكنية الصغيرة التي تعاني من التهميش وسط البلاد. وهم من ذوي المستوى التعليمي المتدني وغالبيتهم من العاطلين عن العمل والبعض منهم من ذوي السوابق العدلية. وقال التقرير إن أغلبية هؤلاء الأفراد ينتمون سوسيولوجيا إلى نفس الشريحة الاجتماعية التى ينتمي اليها شباب الثورة الذين كانوا واجهوا قوات الأمن في انتفاضات ديسمبر 2010 إلى جانفي 2011 . وقد وجدوا بعد ذلك في السلفية هوية ومتنفسا. وأكد التقرير أنه وإن كان بعض الملاحظين يقارنون بين الاوضاع في تونس والأحداث المسجلة في الجزائر إبّان الحرب الاهلية، فإنّه لا ينبغي تضخيم أحداث العنف الحاصلة في تونس. وأضاف أن عدد الضحايا نتيجة أحداث العنف في تونس منذ الثورة كان محدودا. وكل هؤلاء الضحايا تقريبا كانوا من بين السلفيين. ولكنه رغم ذلك لا ينبغي -حسب التقرير- استبعاد احتمال تفاقم خطورة أعمال العنف خاصة وأن عديد العناصر الجهادية لها دربة قتالية في مناطق ساخنة من العالم . وأشار التقرير إلى أن تنظيم "أنصار الشريعة" وإن كان يؤكد باستمرار نبذه للعنف على الصعيد الداخلي فإنّه يساند المشروع الجهادي العالمي. مقاربة حركة النهضة تجاه الظاهرة السلفية تحدث التقرير عن تشجيع حركة النهضة للمجموعات السلفية للانصهار في نطاق الحياة السياسية ، بما في ذلك التنظم في شكل أحزاب. وقال التقرير إن "الوضع الجديد يحتوي محاذير وكذلك على فرص إيجابية . ذلك أن دينامية الاندماج في العمل السياسي والجمعياتي قد تدفع الإسلاميين الراديكاليين نحو المزيد من البراغماتية". وتابع التقرير أنه "بالرغم من سقوط النظام السابق ووجود فراغ أمني والمشاكل الاقتصادية والإضرابات والحركات الاحتجاجية بكافة أنواعها وإطلاق سراح الجهاديين وعودة بعضهم من المنفى، بالرغم من كل ذلك فإن تونس لم تشهد لحد الآن أعمال عنف كبيرة أو أعمال إرهابية جسيمة". وأضاف تقرير المجموعة الدولية للأزمات أنه "وقع تجنب الأسوأ إلى حد ما بفضل الرد الحذر لحركة النهضة على أشكال التعبير الدينية الراديكالية وهو رد كان مبنيا على الحوار والاقناع والاحتواء". غير أنّ التقرير أشار إلى أن مقاربة حركة النهضة لها "حدودها" إذ أن الحركة تجد نفسها "بين انتقادات الاتجاهات غير الإسلامية التي تتهمها بالتقاعس على الصعيد الأمني، من جهة، والسلفيين الذين يهاجمونها كلما ابتعدت عن مقاربتها تلك وساندت استعمال القوة، من جهة اخرى". ويرى التقرير أن النهضة تواجهة نتيجة لذلك خيارا صعبا : "فهي أذا انخرطت أكثر في العمل الدعوي والديني فسوف تثير انزعاج الإسلاميين . وإذا تصرفت بطريقة سياسية وبراغماتية فقد تخسر جانبا من قواعدها وتترك فراغا يمكن أن تستغله الحركة السلفية والأحزاب المتموقعة على يمينها". أية معالجة أمنية؟ أشار التقرير إلى أهمية المعالجة الأمنية لمظاهر العنف خاصة وأنّ أنشطة الحركات الجهادية أصبحت بكل وضوح عابرة للحدود. ولكنه أكد ضرورة "عدم الخلط بين السلفية التونسية والحركات الجهادية التي تسير على منوال القاعدة ومعاملتها جميعا بنفس الطريقة فذلك من شأنه أن يؤجج العنف والراديكالية". وأضاف أنه "من البديهي أنّ القمع العشوائي للأفراد على أساس انتمائهم السياسي والديني المفترض، مثلما كان الحال إبان حكم ابن علي في مطلع الألفية الثانية، سوف يدفع السلفيين نحو العنف". وقال التقرير إن هناك تحديات كبيرة تواجه اليوم الحكومة وحركة النهضة. وقد أصبحت هذه التحديات عاجلة اكثر من الماضي بعد عملية اغتيال شكري بلعيد التي زادت في حالة الاحتقان والاستقطاب الثنائي . ومن الضروري الآن إيجاد حل للأزمة السياسية ثم التصدي بعد ذلك للمشاكل العالقة ومن بينها المشكل الامني، مع تجنب وضع الإسلاميين كلهم في نفس الخانة ودون ان يطغى البعد الامني على كافة الأبعاد الأخرى. وأكد التقرير ضرورة إصلاح قطاعي الأمن والقضاء وترسيخ التعاون الأمني الاقليمي في شمال إفريقيا. الآفاق والتوصيات حذر التقرير من أن "عدم الرد بشكل ملائم" من قبل السلط العمومية وحركة النهضة على المشاكل المطروحة اليوم من شأنه أن يؤدي إلى تصاعد العنف إلى حد بلوغه "مستوى حرجا" في البلاد. وتضمن التقرير جملة من التوصيات الموجهة لمؤسسات البلاد واحزابها ونقاباتها وسائر النسيج الجمعياتي دعت فيها الى: -- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في مقتل شكري بلعيد -- إقامة مجلس أعلى للحوار يجمع اهم التنظيمات السياسية والجمعياتية والنقابية من أجل صياغة خارطة طريق تخص المحطات القادمة للمرحلة الانتقالية --وضع سياسة للتأطير الاجتماعي والتربوي موجهة للشباب في الأحياء الشعبية والمناطق المحرومة -- إجراء استشارة واسعة يتم على أساسها أعداد وثيقة مرجعية للتعليم الديني وقراءة للإسلام على أساس الإرث الإصلاحي للبلاد -- اصدار قانون يحدد الاطار القانوني لتدخل قوات الامن -- تنفيذ برامج لتأهيل رجال الأمن وتحديث التجهيزات الأمنية بشكل يعزز وسائل التدخل التي لا تعرض حياة الناس للخطر.