بعد مرور أكثر من مائة يوم على انطلاق اعتصام الصمود الذي ينظمه السجناء السياسيون من ضحايا القمع والاستبداد في بلادنا. وبعد مرور سنتين على حكم "الثورة" لازالت بعض الاجساد تئن من الجوع وبعض النفوس تتألم من قلة ذات اليد. فاجعة .. كبيرة، وخبر هز النفوس، بعد تناقل صور لعدد من المساجين، وقد أدى بهم اليأس من ابلاغ صوتهم الى محاولة الانتحار، نعم الانتحار. بعضهم شرب البنزين واضرم النار في نفسه، وآخر قطع شرايين يده، وهو ما أدى الى حصول حالات اغماء وانتشار الدماء في كل مكان في الساحة التي لا تبعد سوى أمتار عن قصر الحكومة ! صورة تقشعر لها الابدان، لم نستطع رغم الجدال الطويل في هيئة التحرير نشرها، ليبقى التساؤل الى متى؟ الى متى يظل جزء من أبناء شعبنا من الذين حملوا عبء النضال لعشريتين أو يزيد، من "البدون" دون حقوق ودون كرامة.. في عهد ثورةٍ كان الشعار الابرز لها "الكرامة". الى متى يظل السجناء السابقون، محرومون من الحق في الحياة، وتظل عائلاتهم تئن وتتألم في صمت؟ ألهذه الدرجة بلغت بنا الخصومة السياسية، حتى نترك جزءا من أبناء شعبنا من الذين رفضوا الضيم والقهر وناضلوا ضد الاستبداد وتحملوا بطشه، وتحملوا تآمر النخب عليهم، نتركهم يموتون إما جوعا أو قهرا؟ إن الذين شنعوا بمطالب هؤلاء، واتهموهم بكل ما لا يتخيل العقل من تهم، بما في ذلك، بيعهم لنضالاتهم، وزايد عليهم آخرون من الذين لم يعرفوا للحاجة طعم، من الذين تحولوا الى السكنى بالمنارات والمنازه حديثا، بأن ادعوا تنازلهم عن حقهم في التعويض، وهم الذين لا حق لهم أصلا لا في التعويض ولم يكن لهم حظ في النضال، إن هؤلاء سيحملون وزر المساجين السياسيين ووزر عائلاتهم الى الأبد، وسيكتب التاريخ مشاركتهم للمخلوع في قمعه لهؤلاء، واصرارهم على ذلك بعد الثورة. أما بالنسبة لحركة النهضة، باعتبار أن الغالبية من ضحايا الاستبداد في العهد السابق هم من أبنائها، فلا أحد يستطيع أن يتفهم موقفها، ولا أن يستسيغ استمرار بعض قياداتها في تجاهل عذابات إخوانهم، بل وتقديمها قربانا لبقائهم في الحكم. إن هؤلاء لا يريدون حسنة من أحد، والمطلوب من الدولة التونسية باعتبار أنها هي من أجرم في حقهم أن تعوضهم عن العذابات التي تعرضوا لها خلال فترة الدكتاتورية. والمطلوب أن لا تكون التعويضات رمزية، كما يطالب البعض، بل يجب أن تكون كفيلة بإعادة الاعتبار لهؤلاء، وحفظ كرامتهم، وتكفيهم شر مد اليد للآخرين. إضافة الى ذلك فإن هذه التعويضات ليست على الماضي، وعلى المعاناة التي تعرضوا لها، لأن ذلك الماضي وتلك المعاناة لا تقدر بأموال الدنيا كلها، ولكن هذه التعويضات من أجل المستقبل، وحتى يتمكن هؤلاء من تعليم أبنائهم، وتوفير الضروريات لهم، ومعالجتهم في حالات المرض. سوف يأتي زمن نقول فيه فلان من المساجين السياسيين مات ولم يجد ما يداوي به علته، وقد حصل مثل هذا وللأسف، مثلما ذكرنا في إحدى الافتتاحيات السابقة. وسيأتي زمن نقول فيه ابن فلان من المساجين السياسيين ظل وتاه لان أباه لم يستطع تحمل نفقات دراسته، وشيء من هذا حصل فعلا، فإلى متى؟