كنت أعوض كوني امرأة وقلة خبرتي بلعب كرة القدم بنفس طاقة العنف التي أثبتها عند لعب الركبي (rugby). بالنسبة إلى بعض الرجال، من الممتع أن أهاجمهم وأضربهم، لكن البعض الآخر يرفض ذلك. في أحد التمارين، أوقف أحد الفتيان اللعب وصرخ: ماذا تفعلين؟ وقف أمامي في وضع القتال. ثبت قدميه على الأرض. أحكم قبضة يديه. امتلكني الحنق كأنني رحلت بعيدا وفكرت بسذاجة: لن يضربني، فأنا امرأة. كنَّا نتمرَّن يوم الاثنين على الساعة السادسة مساء، في ذلك الوقت لم يكن بالملعب غير حجرتين لتغيير الملابس، وكانتا مخصصتين للذكور. كانت الأدواش مشتركة، وكانت أصواتهم وصخبهم يملأ الأروقة. كنت أتباطأ بالخارج في انتظار خروج اللاعب الأخير. أسند ظهري للحائط، أو أجلس على حقيبتي الرياضية. كنت سأصفر لو كنت أجيد فعل ذلك، فقط لكي أطرد فكرة أنني أنتظر بالخارج لسبب واحد: أنني كنت مختلفة عنهم. خلال التمرين الثالث توقف »داميان« (Damien)، حارس المرمى، في الطريق إلى حجرة تغيير الثياب، ليطرح علي سؤاله: ألن تستحمي؟ أجبت: بلى. وكنت على غاية من الانزعاج. قال: تعالي إذن. كانت تعبيرة وجهه تنمُ عن سخرية واضحة، ولكن أيضا كانت ممتلئة بروح التحدي. نظرت إليه للحظة ثم نهضتُ. كان الجميع ينظر إليَّ عندما ولجت حجرة تغيير الثياب. رائحة العرق والثياب المُبللة تفوح في المكان. تظاهرت بتجاهلهم، واسترقت النظر إلى سيقانهم المشعرة، والى ملابسهم الداخلية المخططة. بحذر شرعت في خلع ملابسي تقريبا بشكل احتفالي فيه الكثير من التكلف والتصنع: التبان، الجوارب، رافعة الصدر الرياضية، وبالنهاية أنزلتُ آخر ما كنت أرتدي من على ساقي. وضعت كل شيء داخل حقيبة الرياضة قبل أن أقف تحت الماء. بعد أخذ مسافة من ذلك، تفاجأت بقلة حيطتي وحذري. لم أكن ساذجة. كنت قد قرأت أشياء عن اغتصاب جماعي في فريق »لاكروس« (Lacrosse) في جامعة» سان جون«، ولكن ما قمت به بدا لي مجردا من الجنس على نحو لا يمكن لي التفكير به الآن، بكثير من الحنين والحب، إلا كحركة مبنية على الثقة المتبادلة. من يومها توقفت عن انتظار الرجال حتى ينتهوا من أخذ حمامهم كي آخذ بدوري حمامي. مع ذلك لم أكن ألهو بتمرير الصابون على ظهورهم بشكل أخوي، ولم أكن »أمزح« بأعضائهم الذكرية، وكان دائما يزعجني النظر إليهم عند تغيير الملابس. كنت أعي أنني لم أكن أحد الذكور، وسيكون من الساذج أو المكر أن أقول بأنني لم أفكر أبدا فيهم كرجال بالمعنى الجنسي للعبارة، أو أنهم أبدا لم ينظروا لي على أني امرأة، ولكنهم، وبشكل ما، قد قبلوني بينهم وحظيت بدعوتهم لي إلى عالمهم. مع »داميان« (Damien) وآخرين صرنا، وبسرعة، أصدقاء مقربين. كنا نحتفل بعد التمرين. نذهب في مجموعة إلى المغازات لاقتناء »الفودكا« وقطع الجبن والخبز لنُعد البيض بالجبنة الذائبة. لقد علموني العامية الفرنسية، كما تعرفت من خلالهم على المغني »فرانسيس كابرال« (Francis Cabrel). لَّما دُعيَ الفريق إلى هولندا لمباراة كرة قدم، طلبوا من صديقاتهم اللواتي لم يسبق لهن أن لعبن كرة القدم، تكوين فريق كي أتمكن من مرافقتهم والمشاركة في المباراة. عندما سُئلت ذات مرة حول الموضوع، وعن قدرتي على التعري أمام الذكور في الفريق، أجبت بأن حجم نهديَ صغير. أحيانا أصدق ذلك، لو كانت تفاصيلي أكثر أنثوية لكان تجاوز اختلافي أكثر صعوبة. بعد سنوات، عندما أجدني في حجرة تغيير الملابس مع عديد الفتيات (كنا نغيّر ملابسنا لنلعب الركبي (rugby) في غرفنا خلال سنوات الجامعة، وبالمعهد تعلمنا ارتداء ملابسنا الداخلية دون خلع بقية الملابس كما في حجرات تغيير الملابس) تفاجأت بإحساسي، بشيء من الانزياح. اندهشتُ واعتراني الاستغراب تجاه الأجساد الماثلة قبالتي، تجاه تعدد واختلاف الأشكال، الألوان، النبرات والأنساق... كم فتنتني النهود. اعتراني شعور بالاختلاف كما لو أنني على الجهة الأخرى. كما لو أنني أتجسس على جنسي. ثمة مفارقة في الكتابة. لأن الكتابة فعل يتخذ بادئ الأمر صبغة ذاتية جدا ولكنها تتحول إلى شيء نتقاسمه ونشترك فيه. انه فعل إيماني، محفوف بالمخاطر سواء حين نقترفه كقراء أو ككتاب. الكتابة تسمح لنا باكتشاف ذواتنا، بتغيير الصفحة، باكتشاف أشياء جديدة. حين نكتب، نكتشفُ أيضا المألوف، الشائع، العادي، الذي يرن مع تجاربنا الخاصة ويربطنا بالآخرين، وبالنهاية، إن ما يبني علاقة حقيقية بين القارئ والأدب ليس الاختلاف ولا التماثل أو المشترك، إنما هو حدة التوتر بين هذين القطبين. لاشك بأن الأمر ذاته نعيشه مع الرياضة ومع الحياة. ❊❊❊❊❊❊❊❊❊