عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    بعد لجوئها إلى دار المحامي.. الأمن ينفّذ بطاقة الجلب في حقّ المحامية سنية الدهماني    وزير الخارجية ووزير النقل العراقي يُشددان على ضرورة فتح خط جوي مباشر بين تونس والعراق    2500 أجنبي عادوا طوعيّا....رحلة جوية لإعادة 166 مهاجرا غير نظامي إلى بلدانهم    قادة المقاومة الفلسطينية خلال منتدى في تونس...وضعنا الخطوات الأولى لتحرير فلسطين    يوم تاريخي في الأمم المتحدة :فلسطين تنتصر... العالم يتحرّر    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    سوسة: أيّام تكوينية لفائدة شباب الادماج ببادرة من الجمعية التونسية لقرى الأطفال "أس أو أس"    تطاوين: إجماع على أهمية إحداث مركز أعلى للطاقة المتجددة بتطاوين خلال فعاليات ندوة الجنوب العلمية    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ (رئيس قسم المياه والتجهيز الريفي)    شيبوب: وزارة الصناعة بصدد التفاوض مع مصالح النقل لإعداد اتفاقية لتنفيذ الالتزامات التعاقدية لنقل الفسفاط    الاعلان عن اول نادي رعاة اعمال "بيزنس أنجلز" بنابل تحت مسمى " نيرولي انفستمنت كلوب"    الجمعية التونسية للفضاء: الشمس تطلق توهجات قوية باتجاه الأرض    النادي الافريقي: فك الارتباط مع المدرب منذر الكبير و تكليف كمال القلصي للاشراف مؤقتا على الفريق    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    بطولة الاردن المفتوحة للقولف - التونسي الياس البرهومي يحرز اللقب    فظيع : تاكسيست يحول وجهة طفل يجرده من ملابسه ويعتدى عليه بالفاحشة داخل سيارته !!    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    كيف قاومت بعض الدول الغش في الامتحانات وأين تونس من كل هذا ...؟؟!!.    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    تنظيم الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية من 14 إلى 21 ديسمبر 2024    مهرجان الطفولة بجرجيس عرس للطفولة واحياء للتراث    مقرر لجنة الحقوق والحريات البرلمانية " رئاسة المجلس مازالت مترددة بخصوص تمرير مبادرة تنقيح المرسوم 54"    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس تشمل اغلبها اجانب (رئيس الجمعية التونسية لجراحة السمنة)    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    المهدية.. إفتتاح "الدورة المغاربية للرياضة العمالية والسياحة العائلية"    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    سليانة.. يحول مستودع لتخزين الغلال الى مستودع لتجميع محركات السيارات    الجمعية التونسية للفضاء: الشمس تطلق توهجات قوية باتّجاه الأرض    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لويس إنريكي.. وجهة مبابي واضحة    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    نيوزيلندا تتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة العاصفة الشمسية الجيومغناطيسية الكبرى    رئيس الجامعة بالنيابة جليّل: اعجاب كبير بعمل الوحيشي وسنبقي عليه    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    صفاقس: الإحتفاظ بشخصين من أجل مساعدة الغير على إجتياز الحدود البحرية خلسة    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    هذه المناطق دون تيار الكهربائي غدا الأحد..    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    من الأعماق..الفنان الخالد بلقاسم بوقنة: عاش عزيزا متعففا ... ورحل في صمت !    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    البطولة العربية لألعاب القوى تحت 20 عاما : تونس ترفع رصيدها الى 5 ميداليات    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أما زال ثمة مثقفون يساريون؟
يبدو مثقّف اليسار اليوم غير موجود في الرهان السياسي
نشر في الشعب يوم 20 - 02 - 2010

هب ان مثقفي اليسار لم يوجدوا قط؟ فإن السؤال يفاجئ، مع ذلك فإن هناك في أساطير مثقفي اليسار عطر جذّاب للخرافة، ودون العود الى الزمن المؤسس لقضية (دريفيس) حين كان التمرد ضد اليسار المتشكّل يعبّر عن كرامة الكثير من أولئك الذين يدفعون بمفهوم المثقف الى التعميد بالنار حد الوصول الى الرهاب الاجتماعي.
لننكبّ ولو للحظات على أزمنة الجبهة الشعبية اين تشكلت الصورة النهائية لمثقف اليسار منافحا ومتظاهرا في الشوارع وخطيبا في التجمعات. فثلاثة أسماء قد وسمت هذه المرحلة: جيد، آلان ورومان رولاّن.
وإذا، فكل ما يمكن قوله في هذا الصدد هو انهم قد اقتربوا ولبعض الوقت من الحزب الشيوعي متماشين مع النسق السوفياتي ولكن في الجانب الآخر كان «جمهورهم» منخرطا منذ وقت طويل فيما لا يمكن ان نسمّيه بعد «شعب اليسار».
في هذا المعنى أمكن ل «جون توشار» أن يقول بأن «جيد» و «الآن» يعبران بوضوح عن الوعي الذي اقترح السياسي الكبير تسميته «الراديكالية الموسعة». ولكن المتأمّل عن قرب للسيرة الذاتية لأدعيائنا الثلاثة يصطدم بمفاجآت!
إن الالتزام ضد الاستعمار ثم بعد ذلك ضد الفاشية ل: «أندري جيد» لم يكن سوى حلقة في حياة كاتب نخبوي حدّ النخاع متأثرا بعمق لا ساميّ الى حدود «فرنسا العجوز» مما جعله يقول بأنه انخرط في «العمل الفرنسي» سنة 1916 تماما كما فعل سنتي 1940 1941 إذ كان رحيما مع نظام قد جعل منه ومن كتبه المسؤولين الوحيدين عن الكارثة الفرنسية.
فقد استقبل «إيميل شارتيي» هذه الكارثة إذ تكلم عن «آلان»: بفرح عارم حتى ان كتاب سيرته لم يقدروا على اخفاء انزعاجهم. إنه لمن الصحة بمكان ان الاسطورة مرتبطة بآلان ديمقراطي متعاطف مع «الصغار» ومعاد ل :»الضخام» ل : المهمين وهو الى حد ما باحث مستكشف ضد الكليانية لأنه داعية متحمس إن اجيالا من اساتذة الفلسفة قاموا بذلك روحيا لانجيل حقوق الانسان حسب سبينوزا وكانط.
ولكن هناك «آلان» اخر قارئ للسفسطائيين و «لكونت»، يضع فوق كل اعتبار الحفاظ على العقلانية والاستدامة، يفعل هذا مقابل القبول ب «نظام روحي» امام البربرية، محافظا على قيم حضارة لا يتصورها «النورمندي» الا حضرية انسانية وغريبة عن التحديثات الشيطانية للتقنية.
إنه معنى «لسلميته» العميقة حيث ان الكثير من اتباعه توصلوا حد التعاون الخارق الى نتائج ولسبب ما لم يتردد في الكشف عنها بنفسه مساهما بالكتابة في N.R.F ل «دريو» مثلا» وغريبا ايضا عن اليسار يبرز «رومان رولان» ضد الدريفورسيرية اثناء قضية «ما فوق التناحر» في 14 من اجل الدفاع اللامشروط عن أوروبا التي ستظل دوما بالنسبة ل «وبينو» مجرد أخوّة بين الشعوب ومع ذلك فهي تتوقف في الالب ELBE (جزيرة في ايطاليا وليس جبال الآلب الملاحظة للمترجم).
عاشقا كان للهند «الارية» وفي قلب الحقبة المناهضة للفاشية يعاود صب كل احتقاره «على الخطابة الجوفاء لحقوق الانسان» وعلى «الجمهورية البرلمانية» والتي من المفترض بالرغم من ذلك «الدفاع» عنها.
ايضا هل نحن مدعوون للمطالبة اذا ما كان هذا التمييز المطلق (المنغلق) لا يمكن ان يكون قائما بين مثقفين يساريين «حقيقيين» بل وأقل من ذلك اذ في كثير من الاحيان يكون هذا التميز مختنقا بالسياسة المهنية. (أنظر روائع «جمهورية الاساتذة» ما بين الحربين وبالنتيجة ترشيحيو نهج ULM، هريو، بلوم بانلوفي). فمثقفو اليسار مهتمون اساسا وهذا كل ما في الامر بالشيوعي المطلق على حساب الاتفاقات المنحطة والتي يستوجبها دائما «التزام ما» (فالأمل لا يستحق اذا هذ الاسم) الى جانب رجال ذوي اتفاقيات اجتماعية بسيطة أو اصلاحات.
انه على العكس من ذلك فالتمشي الاصلاحي منتشر جدا لدى المثقفين «المتدينين» الذين يضعون قليلا من المساحيق هذا إن وضعوا إذ ليس دائما بطبيعة الحال.
ان المطلق والتعالي في نظامهما الحقيقي هما من الوجدان، فأحدهم وهو «جيليان بوندا» ودون التخلي عن منطقه الخاص يقدر اذا على توجيه النقد اللاّذع ل «الكهنة» والذين «خانوا مصالح القيم اللائكية» واصبحوا على نفس الوجهة مع الحزب الشيوعي وذلك لأن الشيوعية ليست لائكية حقيقة ولكنها منتظمة حتى تكون في «صلب القرن» مثل «جيليان بوندا» نفسه.
على العكس من ذلك فالماركسية والتي باسمها تقول الشيوعية انها تتفاعل (تتحرك) «علميا» ليست سوى «معبودا رومانسيا» يرفض باندا عاليا ان ينحني أمامها.
فأن تكون مثقفا يساريا لا يعني أبدا الانخراط في إيديولوجيته وسارتر قضى حياته في ذلك مدلّلا على هذه الحجة.
إن التمييز المقترح منذ زمن»ريجيس دوبري» بين انتلجنسيا «رفيعة» واخرى «وضيعة» تكون هنا مقنعة، فالذين في الاسفل هم من اليسار ولكن ليسو معلومين كمثقفين بالمعنى الكهنوتي ل «سلطة روحية» تؤكد خصوصية فرنسا، لن نسميهم «بدائيين» مثلما الحال في الزمن الجميل للموراسية (موراس) ولكن القلب هناك.
أما أولئك الذين في الأعلى فانهم ولوقت طويل محددين من طرف الكنيسة ليس كسلطة روحية منافسة ولكن مبهرة كذلك جماليا، ايضا بالنسبة للشيوعية التي تدير في نفس الوقت الرغبات العولمية والحماسة الرسولية دون الحديث عن الحسابات غير المعلنة.
ففي العمق كان «الشيخ» «لوكا» قريبا جدا من حقيقة مهمة عندما تحدث وفي مقدمة 1962 حول «نظريته في الرواية» على : «أطروحة أخلاقية لليسار وابستمولوجية لليمن» وهي أطروحة خاصة «بأرنست بلوخ».
إن أطروحة كهذه هي في الحقيقة احدى خصوصيات الانتلجنسيا الفرنسية الرفيعة منذ 1945 وستبدو ربما كذلك مرئية اكثر من ذي قبل حتى ان شاشة الماركسية ليست جاهزة للتخفيض من النتيجة المضطربة. فماذا نستنتج من مشهدنا الباريسي الصغير 1987 أو أنه مثل صراع متشكك بين القدامى والجدد حيث لا يجد اليسار ولا اليمين صغاره (ولكن قد لا يعدو الامر ان يكون لقاء مستعادا؟).
ويبدو في الحقيقة إن نحيّنَا لينين جانبا يصبح الحلم هو : «تسخير العنف في خدمة العقل» ريمون آرون «أفيون المثقفين» و «بودلير» يعود الى كهنتنا.
هذا «البودلير» الذي يقول مثلا «لماذا لا يحب الديمقراطيون القطط، إنه من السهل على المرء ان يكونه. فالقط جميل ويعلن افكارا رفيعة نظيفة ورغائبية...» (Fusées) إن رد الفعل ضد الحداثة ومخاطرها بالنسبة للثقافة العالية والذكاء العالي... الخ هو في الحقيقة كذلك قديم قدم التصنيع... والفرز الكوني.
فالاسطورة السوفياتية تسمح بالمواءمة (آراغون!) بين ارستقراطية مقدسي الفن على الطريقة الروسكانية مع انخراط جد مفارق للمجهود البرومثيوسي للبروليتاريا حتى تغطى الارض بقموح عملاقة وبحيرات خارقة.
فاليوم لم يعد الكهنة يرفضون الحداثة باسم الشعب او البروليتاريا أو «المعذبون في الارض» ولكن باسم الارض ذاتها وعلى الاقل عصارتها المهددة بالتكنولوجيا الذرّية ووسائل الاعلام المتوحشة، اين السلوك المقدس والموجه ذاتيا ليتعالى على كل نقد جذري حيث تحلم في هذا المجالات الهيد جرية الديانة المدنية الحقيقية للانتلجنسيا الفرنسية كما فعلتها من قبل الفانيزية واين باركها «بارّاس» و «زولا» و «إدوارد دي جردان» و «لوسيان روباتي».
في الحقيقة يجب ان يكون حاملا مخجلا ما ليس في العمق سوى الاغنية القديمة ضد العلم وضد الديمقراطية ومهتما بالنداء للجذور العميقة للغرب (الاغريق) الى حدّ الاعلان عن الغرب الحالي صالحا لكل الملابسات.
ان محاكمة سقراط المتناولة من طرف المسمى «جورج صورال» لا تهم الآن الا بعض المتعمقين، وهي تحيل في كل الاحوال على السخرية والتي أعيد تحويلها الى الدراماتيرجية للاستاذ «دومسكيرش» وهي تعرض بنفس المحتوى لأجل رقّة (جمالية) فيلم «التفكيكية».
فهل ان هيدجرية اليسار لازالت ايضا هامة استراتيجيا في التمظهر الراهن للسلطة الثقافية في فرنسا وفي العالم: إن هذا يبرهن عن طريق وجوده الخاص بأن بعض الفلسفة وبعض علم النفس التحليلي وبعض دراسة اصل الديانات وبعض دراسة اصل الاجناس... الخ أصليا وحرفيا بأن تكون رجعية دون ان تكون قادرة أبدا على التموضع يمين الرقعة (الرهان) وذلك لو انه وجد قانون غير مكتوب «المجلة» حسن السيرة للكهنة لكان ذلك الذي يمنع باستمرار اعتماد المحافظة كراية، فأن تغادر اليسار فهذا مسموح به اما ان تستخرج الاسباب المنطقية فهذا وضع مليء بالمخاطر.
منذ عشر سنوات بدأ «آلان دوبونوا» بخَضْخَضَة هذا العالم الصغير مدعيا ب «يمين جديد» ملزم بغزو السلطة الثقافية باستراتيجية التقيَّة.
يبدو وقيل كل شيء مهما كان مركز النفوذ الذي يمتصه الى حد التعلّم الذي يضاعف نقاط الافتراق مع ايديولوجيات اليسار ومواصلة «توبيخ» اليمين فهو يجسّد اليوم الفاشي ذي الرفقة «الحسنة المحروم من كل الندوات الرفيعة».
أما بالنسبة «للويس يوال» فانه لم ينته بعد من مطالبته الاعتذار عن جملته القصيرة حول «السيدا الذهنية» وهو لم يتراجع ابدا حتى النهاية امام مواجهة مع «ميشال بولاك» صديقه القديم منذ الخمسينيات.
ماذا لو كان في حقبتنا ما بعد اللينينية «للسلافوفيليين الغربيين» الذين يقرون لكل ذاهب مغالطات التقدم مع كل رغبتهم في الوفاء لمثل عصر الأنوار مما قد يستغربه «بودلير» أو «ديستوفسكي» سواء أكانا منسجمين أو اقل احتسابا فإنهم لم يأخذوا بالحسبان نسيان الحداثيين الذين من ناحيتهم يقودون النادي لفرض «أقنومهم» (مثالهم) الاعلى والذي ليس بالضرب «لحوض صواب» «لهدرلين» بل كاليفورنيا «الحايك» و «ريغن».
ان مشكلة هؤلاء الناس شيء اخر الى درجة انهم خضعوا للعرقلة القديمة المستحكمة للأمريكا نوفوبية (شدة الخوف من امريكا) الفرنسية وان ليس لهم في صفوفهم أدنى بداية مهابة سياسوثقافية مقارنة بتأثير هيدجر تقريبا حينما يكون مرتبطا بتأثير «لاكان».
(كما ينحو كما رأى ذلك صائبا آلان باديو (فكّر سياسيا طبعة ساي) الى «تأثير مالارمي») أو تأثير باتوكا أو ايضا تأثير «لييناس».
إن الليبرالية على الطريقة الفرنسية لأكثر خطرا من ان توسم بالرجعية ذلك أنها تجلب الخمول للجميع سواء كانت في أزمة مع البورصة أم لا، والحال ان الفضاء ضيّق جدا بالنسبة لاولئك الذين يدافعون باستمرار عن تحديث ديمقراطي للبلدان أو لأوروبا دون السقوط في عبادة المال والمغالطة، فمن اجل هذا ينطلق فريق بأكمله نحو المفتاح بجرأة ضد الفاشية والعنصرية.
(نفس السلوك ل «بقدر ما ابدو ظاهريا على اليمين بقدر ما أنا منشد الى اليسار لأن «بيتان» ليس قريبي !»، وانه لخطير ايضا ربما الدافع الاخلاقي الذي قد تسبّبه المواجهة الساخرة بين السلافوفيل «دي سان جرمان دي بري» والتكنوقراط الاداريين للشباب الحضري المتخصص (des yuppies) فقد تؤدي الى ظهور المغالطة الثورية والعالم ثالثية بطرق شتى. وهكذا هو ابهار الاسلام او حتى «الاسلام الراديكالي» على الطريقة الايرانية، أيتطور هذا الابهار في بعض المساحات المسيحية التي قد ترى فيها ربما صورة ممكنة لرفض العالم و «العقل السنّي» كما قال «بيتر سلوتردجك» في كتاب (نقد العقل السني / طبعة برجوا) فيجد (هذا الرفض) الفرصة لترجمته كمضاد ضروري للترجمة الحالية ل «الروح العزلاء» / طبعة جيليار.
«آلان بلوم» والذي يتناول نفس الموضوع العدمية الاوروبية اليوم في أفق مختلف طبعا.
لقد كتب «جاك بوفراس» منذ ثلاث سنوات وهو من المثقفين الباريسيين القلائل المتابعين للانتاجات الاجنبية والمتكلمين عنها (وهذا حقا غير مقبول لدى اليسار كما اليمين) ما يأتي : عندما يطرح السؤال حول «اليسار الهيديجري» يأخذ سلوتاردجك المسألة على عاتقه (وتلك هي المسألة كلها) : مكتسبات نقد فلسفي للثقافة والتي تضع ضرورة كسب بعض من العناصر الأكثر أساسية في برنامجها التقليدي (الجذرية والسنية طبعة مينوي ص 23)، ولكن هل يسحب اليسار نفسه مثقفيه من هذه الخطوة السيئة رافضا في الوقت الحاضر فكرة البرنامج نفسه.
فبهذا المفهوم الذي لم يعد صالحا يجب وهذا معلوم إبدال المرجعية المقدسة للقيم غير ان «آلان بلوم» قد بيّن كيف ان مهربا كهذا يبقى ضعيفا حينما نتحدث فلسفيا «إن القيم الأصيلة هي تلك التي من خلالها يمكن لحياة أن تعاش، تلك القيم التي تصنع شعبا قادرا على القيام بأعمال عظيمة وانتاج أفكار عظيمة.
فموسى وعيسى وهو ميروس وبوذا، هؤلاء الكائنات كانوا مبدعين... فليست حقيقة ما فكروا به هو الذي ميزهم ولكن قدرة تفكيرهم هم على تشكيل ثقافة» (الروح العزلاء ص 228 229).
فالمشكلة ليست إذا وحدها من جانب «سنّية» المثقف ما بعد حداثي ولكن تهم بدرجة أكثر خطورة اليسار غير القادر على تحديد «السياسي» بمعنى «كارل سميت» (وفي الواقع ماكيافيل) وغير القادر على معرفة أسباب الحياة والموت والآن فقد أقبر «أسطورة خصمه فلم يبق له بصورة أخرى من خصم غير التضخم اللفظي».
«إن تغيير الأراء هو أنا» قال الرئيس بمعنى انه ليس أنت وأنا «فلا تلمس صديقي» قالت اليد الصغيرة.
وماذا لو لمسناها فالى أي حدهم جاهزون للذهاب حملة بطاقة المرور؟
عميقا من يقدر على القول انه سنه 1940 تخلى اليسار التاريخي بأعداد غفيرة لصالح «بيتان» ومات دون رحمة. لقد استغل الحزب الشيوعي ذلك الوضع لمدة من الزمن حتى يعيد لصالحه العادة اليعقوبية والجمهورية.
أما الحزب الاشتراكي والذي أعيد بناؤه سنة 1971 فهو تحوّل سياسي ومخرج أساسي لمنعرج الكنيسة الفرنسية منذ التحرير، أما البروتستانت واليهود الداعمان التقليديان للجمهورية اللائكية فان لهم، ولأسباب مختلفة بل متنوعة، التزاماتهم بينما الكاثوليك بدأوا يكتشفون الديمقراطية بشكل متأخر وكذلك الثورة.
فاليوم لا أحد ينكر أن هوية اليسار في أزمة مع أن هذا لا علاقة له بمستقبله الانتخابي غير المهدد مطلقا وهو لا زال في وضع جيد مع (Showbiz) والسينما حتى يعوض عند مرحلة جمع الامضاءات في الدور الاول كولاّج (معهد) فرنسا و N.R.F المتخلي.
ثقافيا من اليمين ومنذ زمن طويل يقدر المثقفون الكبار «الظهور كما هم» أخيرا. فمن يا ترى سيغضب من ذلك؟
دانيال لنداربرغ: أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس VIII أصدر عن دار كلمان ليفي: الماركسية المفقودة.
(المقال المترجم صدر في ديسمبر 1987، العدد 248، من المجلة الأدبية).


نص: دانيال لنداربرغ (*) ترجمة: بوبكر عموري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.