مقهى ريش، مقهى زهرة البستان... وسط البلد بالقاهرة كان اللقاء جميلا بعدد من الادباء والكتّاب وخصوصا الأديب مكاوي سعيد صاحب رواية »تغريدة البجعة«. كان ذلك على هامش فعاليات الملتقى العربي لقصيدة النثر الذي جمع عددا من الشعراء العرب واحتفى بقصيدة النثر بالسعودية وبتجربة الشاعر وديع سعادة وقد عززت المداخلات العلمية والنقدية بخصوص تجارب قصيدة النثر مكتبة الشعر العربي ونقده... هذا الملتقى ظل محطة مهمة في التجربة الشعرية العربية بعد تجربة بيروت في الستينيات. هكذا اذن كانت القاهرة على موعد اخر مع الشعر... الملتقى العربي لقصيدة النثر... شعراء من الخارطة الشعرية العربية مصر، اليمن، ليبيا، السعودية، لبنان، العراق، سوريا، المغرب، الأردن... وهكذا. صبحي موسى، عادل جلال، أحمد الشهاوي، صلاح السروري، وفكرة أخرى للون القصيدة على أرض مصر، كان الاحتفاء مميزا في بعده التكريمي وبعده الابداعي، قرأ الشاعر وديع سعادة قصائده المحفوفة بألق اللغة المتشظية في النثر وبالنثر... وانطلق الشاعر والناقد السعودي أحمد قران الزهواني في حديث وتقديم مخصوصين حول التجربة السعودية بشأن قصيدة النثر... مداخلات وحلقات نقاش وحوارات مفتوحة حول الشعر العربي الحديث وقصيدة النثر وتتويج آخر لشعر المغامرة والتجريب والحياة بشتى انعطافاتها الجمالية والوجدانية والانسانية... والثقافية عموما. المهرجان اعتنى ببعض الاصوات الشابة وقد خصها بعدد من الجوائز دعما لها كما كانت التوصيات مهمة بخصوص العمل على ان تهتم كل دورة قادمة بتجربة قصيدة النثر في بلدين عربيين وتمضي المبادرة الآن باتجاه اليمن والمغرب. وأشار منسق الملتقى الشاعر المصري صبحي موسى الى أهمية العناية النقدية والاعلامية تجاه قصيدة النثر العربية فضلا عن الجانب التوثيقي حيث يتم التفكير في نثر أنطولوجيا قصيدة النثر العربية الى جانب مشاريع هامة يعمل عليها هذا الملتقى الذي شكل مناسبة هامة لالتقاء اصحاب تجارب عربية محترمة ضمن حقل قصيدة النثر... القاهرة كانت فسحة عربية اخرى مع الشعر وكان حفل الاختتام مميزا جمع الاسرة العربية لقصيدة النثر في مرفق سياحي رائق على ضفة من ضفاف النيل الساحر... بعيدا عن المهرجان.. ازدانت القاهرة كعادتها بألوانها الثقافية التي عرفت فيها مقهى ريش حيث التاريخ الثقافي الحديث لمصر وبقايا عطور وأحاديث لطه حسين والعقاد ويوسف وهبي ونجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم.. مثلما غنى الشيخ إمام عيسى رحمه الله (يعيش المثقف على مقهى ريش) مكتبة المرحوم الحاج مدبولي... الكتب الجديدة وحديث آخر عن المشاركة القادمة في معرض تونس الدولي للكتاب.. ميدان التحرير وهيبة الذكرى والمكان.. القاهرة القديمة وحضور الأمكنة في تجوالها الباذخ عبر العراقة سحر العمارة، المتحف المصري، ساحة طلعت حرب، ابراهيم باشا، منصة اغتيال السادات، قبر الجندي المجهول، المبنى الكبير لنقابة الصحفيين، الجامعة الامريكيةبالقاهرة، جامع الأزهر، الجامعة، المآذن، لافتات المضربين الذين يفترشون الأرصفة والشعارات التي تحليها الأزجال، مقهى زهرة البستان، الهدوء، البساطة والأريحية، وهنا كان اللقاء الممتع مع أديب آخر تخير الاستمتاع بالإيقاع اليومي للناس، خرج عن السرب ولا يهمه سوى شغف القراءة ولذة الكتابة، كانت أوقاتا رائقة بمقهى زهرة البستان الذي هو المكان المريح والحميمي للأديب مكاوي سعيد، سأل عن تونس، أحوالها، أدباءها تحدثنا كثيرا عن الكتابة، النقد، معرض تونس للكتاب الذي كان ضيف دورته السابقة، عن أحوال البلاد العربية، عن الرواية والشعر كاتب كبير يعي ما يفعل وينأى بنفسه عن تفاهات ولغو بعض المرضى من الكتاب العرب يحب الناس والبسطاء يعشق براءة أحوالهم.. نال البوكر هذه الجائزة المهمة التي لم يذهب اليها ولكن جودة عمله فرضت أمر هذا التتويج ليكتشف فيما بعد نفاق وحسد البعض من الذين تعودوا النفاق والافتعال في الحقل الثقافي، المهم كان الحديث متفرعا الى مواضيع اخرى أهمها العمل الجديد لمكاوي سعيد والذي يتميز بجانب إبداعي مخصوص يمس ذاكرة البشر وذاكرة المكان والحسرة تجاه الخسارات الجميلة... تلك هي القاهرة بدروبها ومنعطفاتها الثقافية من قصيدة النثر الى ابتسامة طفل يمرّ بميدان التحرير يدندن أغنية »يا مصر يا أم العجائب«.