لقد تعددت أنظمة التقاعد وتنوعت فيما يتعلق بطرق التمويل أو إسناد المنافع أو في كيفية احتساب الجرايات أو فيما يخص الإصلاحات المعتمدة عند تعرضها لعجز مالي لسبب أو لآخر. ورغم كل ذلك فقد ازداد الاهتمام بالحفاظ على التوازنات المالية لهذه الأنظمة نظرا لاعتبارها من أهم الأنظمة التي تحمي منخر طيها من الفقر وتقيهم من المخاطروتحافظ على مقدرتهم الشرائية. سنحاول في هذا المقال تحليل ودراسة الأنظمة التوزيعية التي تعتبر الأكثر انتشارا في العالم نظرا لقيامها على مبدأ التضامن بين الأجيال بحيث تمول جرايات المنتفعين من قبل النشطين. تنقسم هذه الأنظمة الى فرعين: * أنظمة توزيعية ذات منافع محددة * أنظمة توزيعية ذات اشتراكات محددة الأنظمة التوزيعية ذات المنافع المحددة تتميز الأنظمة التوزيعية ذات المنافع المحددة من ناحية بعلاقة متينة بين جيل النشطين وجيل المنتفعين وذلك عبر توزيع مساهمات النشطين وأرباب الأعمال على المنتفعين كالمتقاعدين والأرامل والعجز والأيتام ومن ناحية أخرى بعدم الاعتماد على المساهمات عند احتساب جراية التقاعد . هذا وتجدر الإشارة إلى أنه في تونس وانطلاقا من السياسة الحكيمة لسيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي المبنية على التلازم بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي والهادفة إلى توسيع مظلة الضمان الاجتماعي لتشمل فئات جديدة كعملة المنازل وغيرها والى تحقيق الرفاهة لكل منتفع بخدمات أنظمة الضمان الاجتماعي قد تم الاختيار على هذا النوع من الأنظمة. غير أن هذه الأنظمة تواجه عدة تحديات من أهمها صعوبة التحكم في توازناتها المالية على المدى الطويل نظرا لتأثرها بعدة عناصر خارجية وداخلية وقد أثبتت التجربة إمكانية السيطرة على العناصر الداخلية كالتحكم في عدد الإحالات على التقاعد المبكر أو مراجعة الأجر المرجعي ....إلا أ نه يصعب التحكم والسيطرة على العناصر الخارجية والمتمثلة أساسا في : * العولمة التي تؤثر بصفة مباشرة على سوق العمل الذي يعتبر المصدر الرئيسي في تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي بصفة عامة حيث أن هذا الأخير أصبح في حركية مستمرة من حيث التشريع وأنواع العمل وخير دليل على ذلك نمو القطاع غير المنظم على حساب القطاع المنظم في سائر دول العالم سواء كانت غنية أو فقيرة. * مؤمل الحياة عند سن الإحالة على التقاعد والذي يمكننا من معرفة متوسط مدة صرف جراية التقاعد حيث أنه كلما امتدت هذه الفترة كلما انعكست سلبا على التوازنات المالية * ضعف نسبة الخصوبة التي تؤثر سلبا على المدى الطويل على عدد النشطين وعلى التركيبة السكانية . * وصول هده الأنظمة لدى بعض الدول إلى مرحلة النضج وبالتالي احتساب جرايات المتقاعدين على أساس الأقدمية القصوى. وتؤثر كل هذه العناصر بصفة مباشرة في المؤشر الديمغرافي أحد مكونات قاعدة احتساب التوازنات المالية لهذه الأنظمة. وقبل تحليل وبيان تأثير المؤشر الديمغرافي على التوازن المالي للأنظمة لابد من تفسير المقصود بالتوازنات المالية للأنظمة التوزيعية وكيفية المحافظة عليها. التوازنات المالية تتمثل التوازنات المالية في المعادلة بين النفقات والمداخيل ويمكن تجسيم قاعدة احتساب التوازن المالي للنظام كما يلي : النفقات = المداخيل وتشمل النفقات المصاريف الفنية والمصاريف الإدارية بينما تشمل المداخيل المساهمات وعائدات الاستثمار ومدا خيل أخرى. بناءا على ماتقدم سيتم أبراز العناصر المؤثرة على التوازن المالي لهذه الأنظمة . يقع احتساب جراية التقاعد (ج) على أساس الأجر المرجعي ونسبة التقاعد التي يقع ظبطها اعتمادا على مدة الأقدمية ونسبة المردودية 1ج = الأجر المرجعي * نسبة التقاعد وانطلاقا من معرفتنا للمعدل السنوي للجراية والأجور ولعدد النشطين والمنتفعين فانه يمكن تقويم النفقات والمداخيل كما يلي: كتلة النفقات السنوية الفنية = معدل الجراية السنوية * عدد المنتفعين كتلة الأجور السنوية = معدل الأجور * عدد النشطين من خلال هذين المعادلتين يمكن احتساب نسبة التوازن أو نسبة المساهمات ( ن ) التي تضمن التوازن المالي لهذا النوع من الأنظمة كما يلي: نسبة التوازن ( ن ) = كتلة النفقات السنوية / كتلة الأجور السنوية = (معدل الجرايات * عدد المنتفعين) / ( معدل الأجور * عدد النشطين ) = (معدل الجرايات / معدل الأجور) * (عدد المنتفعين / عدد النشطين ) مع العلم أن ( ن ت = معدل الجرايات / معدل الأجور) يمثل نسبة التعويض وهو المؤشر الأكثر تعبيرا على المقدرة الشرائية للمنتفع كما أن 2(م د = عدد النشطين / عدد المنتفعين ) يمثل المؤشر الديمغرافي والذي يعتبر من أهم العناصر الأساسية في قاعدة احتساب التوازن المالي للنظام. يتضح من خلال هذه المعادلة أن نمو المؤشر الديمغرافي ( م د ) يخضع لعنصرين أساسين وهما عدد النشطين وعدد المنتفعين ( متقاعدين وأرامل وعجز) إذ أن ارتفاع عدد النشطين بنسبة تفوق نسبة ارتفاع المنتفعين نتيجة الانتدابات أو التأخير في سن الإحالة على التقاعد ينتج عنه آليا ارتفاع في المؤشر الديمغرافي وهو ما سنبينه من خلال بعض الأمثلة . وبناءا على ما تم بيانه يتم احتساب نسبة المساهمات كما يلي: 3ن = نسبة التعويض /1* ( المؤشر الديمغرافي) = ( ن. ت/ 1 ) * ( م د ) تطبيقا لهذه المعادلة يتضح أن نسبة المساهمات تتأثر بصفة مباشرة بتطور كل من نسبة التعويض ( ن. ت ) والمؤشر الديمغرافي ( م . د ) في الجزء الثاني سنتطرق إلى كيفية تأثر نسبة المساهمات بكلى المؤشرين نسبة التعويض والمؤشر الديمغرافي الجزء الثاني بعد أن تطرقنا في الجزء الأول إلى التعريف بالأنظمة التوزيعية ذات المنافع المحددة والى تفسير توازناتها المالية نحاول في هذا الجزء دراسة تأثير كلا المؤشرين : المؤشر الديمغرافي ونسبة التعويض على نسبة التوازنات المالية. تأثير المؤشر الديمغرافي على التوازن المالي للنظام لمعرفة تأثير المؤشر الديمغرافي في التوازن المالي للنظام نسوق الأمثلة التالية وذلك مع افتراض استقرار نسبة التعويض في كل الأمثلة: * المثال الأول المعدل السنوي للأجور يساوي 6000 د المعدل السنوي للجرايات يساوي 4000 د وعدد النشطين يساوي 000,400 عدد المنتفعين 000,75 ن %( 12,5 = 400.000 ) /75000* ( 6000 /4000 = نسبة المساهمات التي تضمن التوازن المالي للنظام) المؤشر الديمغرافي ( 5,33 =75000 / 400000 = يفيد هذا المؤشر أن 5 نشطين يمولون جراية منتفع ) * المثال الثاني نفترض أن نسبة ارتفاع عدد النشيطين تفوق نسبة ازدياد المنتفعين %3 ( بالنسبة للنشطين 2 % بالنسبة للمنتفعين) ن %( 12,38 = 412.000 ) /76500* ( 6000 /4000 = نسبة المساهمات التي تضمن التوازن المالي للنظام) المؤشر الديمغرافي 5,38 = 76500 /412000 = في صورة مواصلة استعمال نسبة المساهمات المقدرة ب 5,12 % في المثال الأول عوضا عن النسبة المقدرة في هذا المثال %) 12,38( فان هذا النظام سيسجل فائضا ماليا يقدر ب%) =12,5%-12,38)*(6000*400000 : ( 9,2 م د 4 * المثال الثالث نفترض أن نسبة ارتفاع عدد النشيطين أقل من نسبة زيادة المنتفعين %2 ( بالنسبة للنشطين 5,3 % بالنسبة للمنتفعين) ن %( 12,68 =408000 / 77625* ( 6000 /4000 = نسبة المساهمات التي تضمن التوازن المالي للنظام) المؤشر الديمغرافي 5,25 = 77625 /412000 = في صورة مواصلة استعمال نسبة المساهمات المقدرة ب 5,12 % في المثال الأول عوضا عن النسبة المقدرة في هذا المثال %) 12,68( فان هذا النظام سيسجل عجزا ماليا يقدر ب%) =12,68%-12,5)*(6000*408000 : ( 4,4 م د لتوضيح العلاقة بين نمو المؤشر الديمغرافي ونسبة المساهمات يمكن الاستعانة بالجدول التالي الذي يتضمن النتائج التي تحصلنا عليها من خلال الأمثلة وبالرسم البياني أسفله. من خلال هذه الأمثلة نلاحظ أن نسبة المساهمات تنخفض عندما يتحسن المؤشر الديمغرافي وترتفع في حالة تقلصه ففي المثال الأول يمكن تحقيق التوازن بنسبة مساهمات تساوي5,12 % أما في المثال الثاني فان التوازن يتحقق بنسبة مساهمات تساوي 38,12 % وفي المثال الثالث لا يتحقق التوازن إلا بنسبة مساهمات تساوي 68,12 %. ما يمكن استنتاجه من خلال الأمثلة السابقة بيانها هو أن المؤشر الديمغرافي يساهم بقسط كبير في التأثير على التوازنات المالية للأنظمة ذات المنافع المحددة. تأثير نسبة التعويض على التوازن المالي للنظام سيتم التعرض لبعض الأمثلة لتوضيح تأثير نسبة التعويض على التوازنات المالية وذلك مع افتراض استقرار المؤشر الديمغرافي. * المثال الأول المعدل السنوي للأجور يساوي 6000 د المعدل السنوي للجرايات يساوي 4000 د وعدد النشطين يساوي 000,400 عدد المنتفعين 000,75 ن %( 12,5 = 400.000 ) /75000* ( 6000 /4000 = نسبة المساهمات التي تضمن التوازن المالي للنظام) نسبة التعويض % ( 66,66 = 6000 /4000= يفيد هذا المؤشر أن معدل جراية المنتفع تمثل 66,66 % من معدل الأجور) * المثال الثاني نفترض أن نسبة ارتفاع الأجور تساوي 5,4 % ونسبة ارتفاع الجرايات تساوي 3 % ن %( 12,32 = 400.000 ) /75000* ( 6270 /4120 = نسبة المساهمات التي تضمن التوازن المالي للنظام) نسبة التعويض % 65,7= 6270 /4120 = * المثال الثالث نفترض أن نسبة ارتفاع الأجور تساوي 3 % ونسبة ارتفاع الجرايات تساوي 4 % ن %( 12,62 =400000 / 75000* ( 6180 /4160 = نسبة المساهمات التي تضمن التوازن المالي للنظام) نسبة التعويض 6180 4160 67,31 = % لتوضيح العلاقة بين نمو نسبة التعويض ونسبة المساهمات يمكن الاستعانة بالجدول التالي الذي يتضمن النتائج التي تحصلنا عليها من خلال الأمثلة المطروحة أعلاه وبالرسم البياني أسفله من خلال هذه الأمثلة نلاحظ أن نسبة المساهمات ترتفع بارتفاع نسبة التعويض وتنخفض كلما تقلصت نسبة التعويض ففي المثال الأول يمكن تحقيق التوازن بنسبة مساهمات تساوي5,12 % أما في المثال الثاني فان التوازن يتحقق بنسبة مساهمات تساوي 32,12 % وفي المثال الثالث لا يتحقق التوازن إلا بنسبة مساهمات تساوي 62,12 %. ما يمكن استنتاجه هو أن نسبة التعويض تساهم في التأثير الايجابي على التوازنات المالية للأنظمة ذات المنافع المحددة عندما ترتفع الأجور بنسب تفوق نسب ارتفاع الجرايات. في الجزء الموالي سنتطرق إلى الحلول الممكنة لمعالجة عجز الأنظمة التوزيعية ذات المنافع المحددة والتعريف بالأنظمة التوزيعية ذات الاشتراكات المحددة الجزء الثالث بعدما تعرضنا في الجزأين السابقين إلى التعريف بالأنظمة التوزيعية ذات المنافع المحددة والى تفسير توازناتها المالية وكيفية تأثرها بكلى المؤشرين الأساسين وهما المؤشر اتلديمغرافي ونسبة التعويض سنتطرق في هذا الجزء إلى عرض الحلول الممكنة لمعالجة العجز المالي لهذا النوع من الأنظمة و إلى التعريف بالأنظمة ذات الاشتراكات المحددة. الحلول الممكنة تجدر الإشارة إلى أن معالجة العجز المالي لهذه الأنظمة يتم باللجوء إلى أحد أو بعض الحلول التالية: * التخفيض في نفقات الأنظمة وذلك بمراجعة أحد عناصر احتساب الجراية كتغيير الأجر المرجعي المعتمد في احتساب الجراية أو التحكم في عدد الإحالات على التقاعد المبكر. * الترفيع في نسبة المساهمات * التأخير في السن القانونية للإحالة على التقاعد * البحث عن مصادر تمويل أخرى كتنويع مجالات استثمار الاحتياطات إلخ. الأنظمة التوزيعية ذات الاشتراكات المحددة تنقسم هذه الأنظمة إلى: * نظام مبني على النقاط Régime par point * نظام ا لحسابات الافتراضية Régime. Compte notionnel النظام المبني على النقاط في ظل هذا النظام يتم تحويل المساهمات السنوية إلى نقاط وذلك بالاعتماد على الأجر المرجعي الذي يقع تحديده من قبل المؤسسة المتصرفة في هذا النظام ويمكن الإشارة إلى أن الجراية السنوية يقع احتسابها عند الإحالة على التقاعد على أساس مجموع النقاط التي تحصل عليها المضمون الاجتماعي ضرب قيمة النقطة المناسبة للسنة الموافقة للإحالة على التقاعد والتي يقع ضبطها من قبل المؤسسة المسيرة لهذا النظام. يمكن تبسيط ما تقدم وذلك بالاعتماد على المعطيات المدرجة بالجدول التالي: الوحدة = د= دينار تونسي انطلاقا من المعطيات بالجدول أعلاه سنحاول عرض الطريقة المتوخاة في ظل هذه الأنظمة لاحتساب جراية المضمون الاجتماعي عند إحالته على التقاعد من خلال الجدول التالي : الوحدة = د= دينار تونسي من خلال هذا الجدول يتجلى لنا أن المضمون الاجتماعي قد جمع طيلة فترة عمله الممتدة من السنة الأولى الى السنة السادسة 1949 نقطة وإذا ما افترضنا أن سعر النقطة الموافق لسنة الإحالة على التقاعد أي السنة السادسة يساوي 350,0 د فان جرايته السنوية ( ج ) تحتسب على النحو التالي : ج = عدد النقاط * سعر النقطة 682 = 0,3501949 = * د يتم في ظل هذه الأنظمة المحافظة على توازناتها المالية من خلال التحكم في أهم مكونات قاعدة احتساب الجراية و المتمثلة أساسا في الأجر المرجعي وسعر النقطة الذين يخضع تحديدهما للوضعية المالية للنظام. نظام الحسابات الافتراضية compte notionnel تبنى هذه الأنظمة على مبدأ التضامن بحيث تمول جرايات المنتفعين بمساهمات النشطين مع فتح حسابات افتراضية تسجل فيها مساهمات النشطين طيلة حياتهم المهنية والعائدات المفترضة والمتأتية من جراء توظيف المساهمات حسب نسبة تطور تحدد من قبل الهياكل المسيرة. وعند الإحالة على التقاعد يقع احتساب ما يسمى بالجراية العمرية السنوية على أساس مجموع المساهمات والعائدات اللذين يمثلان ارأس المال الافتراضيب على أن لا يتجاوز المبلغ الجملي للجرايات العمرية المسندة طيلة فترة التقاعد حجم ارأس المال الافتراضيب . ويقع تحديد مبلغ الجراية العمرية السنوية ( ج. ع ) كما يلي : ج . ع = رأس المال الافتراضي * ض ويمثل) ض( ضارب التحويل ويتم احتسابه على أساس سن الإحالة على التقاعد و مؤمل الحياة بالنسبة للجيل الذي ينتمي إليه المنتفع عند تصفية الجراية ونسبة تطور الجراية. خالد السديري باحث في الضمان الاجتماعي المراجع )2002 * Actuariel practice in social security ( Pierre Plamondon,Anne Drouin, Gylles Binet, Michael Cichon, Warren R. McGillivray, Michel Bédard, Hernando Perez-Montas. ( édition : International labour organisation 2001 ? octobre 43 - 2001 * Revue = Question retraite n? 1999 * Cichon M « les régimes fictifs à cotisations définis : du neuf avec du vieux ? » 4, n?52 dans revue internationale de sécurité socaile, Vol 2000 ? décembre 343 - 2000 * Revue = Question retraite n? * Ouvrage : l?avenir des retraites J.J Gollier * Ouvrage : le financement des régimes de retraite P. Devloder 1 ج = جراية التقاعد 2 م.د = المؤشر الديمغرافي 3 ن = نسبة التوازن أو نسبة المساهمات