إذا كان شهر رمضان هو الأكثر إنفاقيّة بالنسبة للعائلة التونسية، فإنّه الشهر الذي تكثر فيه عمليات الغش والتحيّل، وللاسف فإنّ فرق المراقبة الإقتصادية والصحيّة يتضاعف عملها مرّات ومرات خلال هذا الشهر بدل أن يقلّ خاصة وأنّ الدروس الدينية التي تلقى في هذا الشهر تحاول أن تعيد التجار الى السلوك التجاري القويم، المعتمد على هوامش ربح معقوله، وعدم الغشّ، فماهو الدّور الذي تلعبه فرق المراقبة الاقتصادية للحدّ من ظواهر الغش والاحتيال؟ وهل يعرف التونسي قوانين التجارة وقوانين حماية المستهلك؟ وأيّ دور لمنظّمة الدّفاع عن المستهلك في الحدّ من ظواهر التحيّل؟ في دراسة أعدّها المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة حول مدى معرفة التونسيين بقوانين التجارة والمنافسة، أنّ النسبة الكبرى لا تعرف شيئا عن هذه القوانين وبيّنت الدّراسة التي شملت إطارات وكفاءات من القطاعين العام والخاصّ أن نحو 82٪ من العيّنة المستجوبة هم من درجة الاطلاع المحدود على قوانين التجارة والمنافسة ورأى أغلب المستجوبين أنّ مستوى المنافسة متوسط، بمعنى أنّه لا يخدم مصلحة المستهلك لغياب المنافسة الجدّية وأمام هذه الأرقام فإنّ دور المراقبة الاقتصادية أو الصحيّة سيكون أكثر أهميّة ففي ظلّ استقالة المستهلك وعدم وعيه بالقوانين التي تحفظ حقوقه وفي ظلّ عدم مبادرته بتطبيق القوانين. ❊ حرب يومية التقارير التي تصدر بصفة دورية عن أنشطة أجهزة الرقابة تؤكّد وجود »حرب يوميّة« ضدّ الغشّ، ووتيرة هذه الحرب تزداد في شهر رمضان، وفي ضربات قوية استباقية، أعلنت أجهزة الرقابة عن تسجيل آلاف المخالفات الاقتصادية والصحّية تتعلّق بالتقليد وبحجز أطنان من المواد الغذائية التالفة والمضرّة بالصحّة، وتتصدّر الخضر والغلال والأسماك الفاسدة قائمة هذه المواد المحجوزة فيما بلغت نسبة المحجوزات من مادة »التنّ« المقلّد أكثر من 80٪ من جملة المواد المقلّدة التي وقع حجزها، واذا علمنا أن هذه المادّة يكثر الطلب عليها خلال شهر رمضان، فإنّه من الوجاهة تنبيه المستهلكين للخطر الذي قد يتعرّضون إليه عند استهلاكهم للتنّ المعلّب. ❊ إشهار الأسعار الوجه الآخر للمجهود الذي تقوم به أجهزة الرقابة يخصّ إشهار الأسعار، التي عادة ما تكون المطبّ الذي يقع المستهلك ضحيّة له. ففي بحث قطاعي حول إشهار الاسعار أنجزته وزارة التجارة خلال أفريل 2009، تبيّن أنّ هناك تحسّنا واضحا في إشهار الأسعار وفي إيضاحها للمستهلك فقد بلغت نسبة الاشهارفي جميع القطاعات وفي مختلف الجهات أكثر من 81٪ فيما بلغت نسبة وضوح إشهار الاسعار 90٪ في العيّنة التي تمّت مراقبتها، وبيّن البحث انّ قطاعات المطاعم والأكلات الخفيفة ومحلاّت بيع المرطبات هي أحسن القطاعات من حيث اكتمال إشهار الاسعار، فيما جاءت قطاعات المواد الغذائية والخضر والغلال في مرتبة »أضعف القطاعات« من حيث الاشهار الكامل للاسعار إذ تدنّت نسبة الاشهار الكامل للاسعار الى 40٪ ولا يبتعد قطاع الملابس الجازة والاحذية الذي يقع الإقبال عليه في النصف الثاني من رمضان عن هذه النسبة كثيرا إذ تبلغ نسبة الاشهار الكامل للاسعار 50٪ وهي ذات النسبة تقريبا في قطاع المقاهي. ❊ جهات »سوداء« أمّا اذا رغبنا في معرفة أيّ الجهات أفضل في شفافية الأسعار فسنجد جهة توزر في المرتبة الأولى بنسبة تفوق ال 85٪ تليها بن عروس ب 81.4٪ وبنزرت ب 76٪ أمّا أضعف الجهات من حيث إشهار الأسعار فنجد مدنين والقيروان أمّا الجهات التي جاءت في مرتبة متوسطة فهي تونس والقصرين وسوسة وتطاوين وزغوان (أنظر الرسم البياني)، وهذه البيانات تجعلنا ندعو المستهلك الى ضرورة الإنتباه للمغالطات التي يمكن أن يقع فيها وأن يتوخى الوسائل القانونية للإبلاغ عن التجاوزات. ❊ قدرات محدودة أجهزة الرقابة بمختلف مستوياتها، تقوم بمجهودات كبرى للحدّ من ظواهر الغشّ، وقد تمت برمجة حملات إضافية للمراقبة، بمناسبة فصل الصيف وشهر رمضان وهي تستهدف المقاهي وفضاءات الترفيه والمطاعم ومحلاّت الشواء ومحلات المرطبات والمثلجات والشواطئ المهيّأة، والمسالك السياحية ومغازات الملابس الجاهزة ولعب الأطفال، ولكن الإشكال الذي تواجهه فرق المراقبة هو قلّة إطاراتها في ظلّ التزايد المهول للمحلات المقدّمة لهذه الخدمات، ومهما حاولت هذه الفرق أن تبذل مجهودا فإنّ »اللّي يسرق يغلب اللّي يحاحي« كما يقول مثلنا الشعبي وفي مثل هذا الوضع على المواطن المستهلك أن يتوخّى أسلحة الدّفاع الذاتي وأن يرشّد استهلاكه ويصبر على ما قد يلحقه من ضرر.