من خلال مراحل التاريخ الإنساني مرت المرأة بأوضاع مختلفة وتجارب متعددة وتطورات متتالية جعلت دورها يتبلور من السلبية إلى الايجابية في تناسق زمني مع التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في جميع أنحاء العالم حيث بدا صوتها يرتفع مطالبا بالحرية والمساواة إلى جانب الرجل ولم يكن وضع المرأة في الدول الغربية وغيرها أفضل حالا من نظيرتها في الوطن العربي خصوصا قبل الثورة الصناعية بأوروبا وكذلك لدى الشعوب القديمة فقد كانت المرأة بضاعة تباع وتشترى في الأسواق مهدرة الشخصية فاقدة لأبسط الحقوق التي تجعل منها انسانا حيث يباح دمها وعرضها وتقتل ولا مسؤولية على القاتل في قتلها ففي القانون الروماني تسند للرجال السيادة المطلقة على المرأة ويتصرف فيها كالحوز بالنسبة إلى العقار وإذا أراد ولي أمرها استرجاعها فعلية إن يدفع المهر لعشيرتها أما عند الهنود فهي المخلوق النجس ولا حق لها في العيش بعد موت زوجها ولذلك يقع حرقها وهي على قيد الحياة مع جثة زوجتها .وفي عدة مجتمعات قديمة أيضا يقع إقصاء المرأة مدة العادة الشهرية من المدينة وتقيم في مكان خاص باعتبارها نجاسة تلوث المحيط بالأرواح الشريرة وإما عند اليهود القدامى فالمرأة سبب الشر وإنها معاقبة من الله لأنها أعانت الحية وتسببت في خروج ادم من الجنة وفي العصر الجاهلي أي قبل الإسلام كانت وضعية المرأة العربية متردية للغاية على الرغم من بروز البعض منهن في ميادين عديدة حيث كانت عادة وأد البنات وكذلك المباضعة وهي تتمثل قي أن الزوج يرغم زوجته على الإتصال برجل آخر لتحمل منه حتى يرزق منه بابن تكون فيه صفات ذلك الرجل المحبب لدى الزوج وأما في المجتمعات الأوروبية فقد عقد مؤتمر بفرنسا في القرن السادس كنت نتيجته أن المرأة إنسان قذر خلق ليخضع لمطالب الرجل وخدمته وفي سنة 5801 أباح الانجليز لرجل أن يبيع زوجته وابتكروا أساليب فضيعة لتعذيب النساء وظلت المرأة الأوروبية محرومة من حقوقها إلى غاية القرن التاسع عشر وبظهور الإسلام أخذت المرأة مكانتها كانسان أو كائن بشري له قيمة ودور في المجتمع وفق رؤية الشريعة التي تنظر إلى الأنوثة والذكورة نظرة تناسق تكاملي أي التناسق الذي لا يعني التكامل غايتها في ذلك تطوير الحياة حتى لا تكون العلاقة بين المرأة والرجل علاقة صراع وصدام ويرى بعض الباحثين أنّ الله فضل المرأة على الرجل في عدّة أشياء وأوضاع كما فضّل الرجل في عدّة وظائف وأعمال حسبما يناسب طبيعة وتركيب كلّ منهما وقد برزت في صدر الاسلام نساء بلغ أشعارهن أقصى البلاد وأخذن مكانتهنّ المرموقة في التاريخ وذلك في ميادين متنوعة كالحرب والخطاب السياسي والأدب والنقد والفقه وحتّى الحديث العلني عن الجمال ونورد في هذا الشأن ما روي عن أنس ابن مالك عندما ذهب إلى عائشة بنت طلحة وقال » لها أنّ أناسا بالباب يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا غلى حسنك« فما كان منها إلاّ أن عاتبته لأنّه لم يخبرها بذلك من قبل حتى تتمكن من لصلاح هندامها وارتداء ما يناسب المقام لكن المجتمع العربي قد هيمنت عليه المفاهيم القبلية التي تشبث التمييز الإجتماعي البدائي حول دور المرأة مما كثف العراقيل التي تحول دون رقي المرأة وتطورها ففي العصر العباسي تفشى نظام الحريم والإماء والمغنيات والجواري الذي يحدد علاقة الرجل بالمرأة بالعلاقة البيولوجية الصرفة فيقولون النساء مناكح الرجال باعتبار المرأة متعة الدنيا مع احتقارها وطمس مواهبها وقدرتها العقلية وبذلك ازداد انحطاط المجتمع العربي وفي عهد الاستعمار العثماني تفاقمت مظاهر التخلف والجهل والجمود والرجوع إلى الوراء وظلت المرأة حكمها حكم لمملوك التابع وحرمت من القراءة والكتابة وانزلت منزلة أداة مستعملة للهو والترفيه ففرض عليها الحجاب والحذر والعزل عن الرجل . وبانهيار الأنظمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في العهد العثماني دخل العرب في بوتقة الاستعباد عموما يقول قاسم أمين (كلّما تقدّم المستعمرون في البلاد تأخر ساكنوها) ثم تحولت المرأة في الغرب إلى المعاصرة في مجتمع ما بعد التصنيع واستفادت من الانجازات العلمية والثقافية التي اخترقت المسكوت عنه والمقدّس وتخلصت من تباعية الرجل بالمعنى التقليدي وأصبحت تساهم في الانتاج الوطني .كما أظهرت المرأة الأمريكية جرأة كبيرة في ارتياد آفاق الثروة الجنسية وخلق أنماط جديدة للحياة وقد حقّقت بذلك نتائج باهرة في جميع الميادين والغريب أنّ تجربة المرأة الأمريكية قد حقّقت بالثورة الجنسية ما لم تحقّقه الماركسية وهنا يطرح السؤال حول موقع قضية تحرير المرأة من قضية التحرير عموما أي موقع الثورة الجنسية من قضية الثورة الاجتماعية .وفي عصر النهضة العربية أثار المفكرون العرب جملة من المسائل التي نشأت عن الاتصال بالغرب من بينها مسألة المرأة التي تسببت عدة عوامل في إثارتها منها عوامل خارجية كإطلاع العرب على أحوال المرأة في ديار الغرب عن طريق البعثات والرحلات ومنها عوامل اقتصادية (تشغيل المرأة في النظام الرأسمالي) وفكرية (الطباعة والإعلام) وسياسة (ظهورا لأحزاب) وتربوية (فتح المدارس للبنات) واجتماعية (ظهور حركات اجتماعية نسائية) أما أهم القضايا التي طرحت فهي المساواة بين الرجل والمرأة بيولوجيا واجتماعيا وتربويا .وظل الاختلاف قائما في هذا الشأن بين شقين من المفكرين البارزين فكانت مجموعة تدافع عن اللإنفتاح ويمثلها محمد عبده والطهطاوي والطاهر الحداد ومجموعة ثانية تدافع عن الانغلاق ويمثلها بيرم الخامس وطلعت حرب وابن مراد .وعلى الرغم من القيود التي تكبل المرأة خصوصا في الوطن العربي فقد سعت المرأة في أكثر من قطر عربي إلى كسرها وتجاوزها ولو بخطى وئيدة بدعم من العلماء والمفكرين التقدميين ومازالت إلى اليوم تصدع برأيها في المحافل الدولية وتعمل على تغيير القوانين والتشريعات التي لم تتطور بعد و تتضمن نصوصا سلبية فالدراسات العربية ليست كلها منسجمة في إقرار موضوع المساواة بين الجنسين فالبعض يقر ويعترف علنا أو ضمنيا والبعض الأخر يسلب المرأة حقها في النشاط السياسي وحقها في التصرف المالي وحقها في الشغل وفي اختيار المهنة التي ترغب فيها وحتي في الأقطار التي تصدر قوانين لصالح المرأة وتمكينها من ممارسة حقوقها فإنها مازلت تفرض عليها بعض الاستثناءات كالترشح إلى الانتخابات الرئاسية وتولي الأمانة العامة في الأحزاب السياسية وتولي بعض المسؤوليات الإدارية كما أن البعض يعتقد أن قدرات المرأة الفكرية أقل من قدرات الرجل إلا أن علم النفس الحديث فند هده الأحكام وأثبت أن لا فرق بين الرجل والمرأة في الذكاء وأن الفارق الوحيد هو الفارق الفردي وأن الكبت يولد الانخفاض في القدرة الفكرية عند الإنسان ولذلك لا بد من معاملة المرأة كانسان كامل الحقوق والواجبات وأن نقيم عملها على أساس الجدارة لا الجنس كما أن على المرأة تمارس دورا طليعيا في تعبئة قوة نسائية كبيرة وواعية تناضل في مجتمعها من منظور تنموي وحضاري شامل وعليها أن تعمل على إثبات وجودها وفرض شخصيتها لإبطال وصاية الرجل عليها حتى لا يظل الرجل دائما المحرك الأساسي والمرشد الأول لتوجهاتها وطموحاتها الرجل الذي سلبها حقها بالأمس قد منحها اليوم وقد يسلبها غدا.