أمر لا يختلف فيه اثنان أنه ما من تونسي تلج قدماه مدخل باحة المطار مسافرا أو قادما إلا و يقشعر بدنه و تهم بنات العين أن تذرف على الخدين و يزداد الأمر حرقة و تعلقا بتربة البلاد عند سماع أغنية " ريحة البلاد يابا ورد و ياسمين يابا يابا " .و هل أقدس من حب الوطن و هل أسمى من الشعور الوطني؟ فهذه الأغنية رغم مرور القرون العديدة على إذاعتها بين الناس فهي مازالت و ستبقى على مر السنين محافظة على وهجها الذي يخاطب مباشرة القلب و الوجدان... و هناك أيضا أغنية تحظى هي الأخرى بالاحترام و التقدير فهي تلهب المشاعر و تدمع العين و تحرك عند كل امرئ حرارة العطف و جمال الحب العميق. إنها أغنية " علمني علمني سيدي ". لله ما أحلاها فهي في الفم الصادي ألذ شراب و في الأذن أعذب من أي لحن موسيقي. تسافر بنا في المكان و الزمان سفرا متعته لا تعادلها متعة و تدغدغنا بنسيم شاد و تدنينا من عهد مفعم بالآمال و الأحلام... ما أبهى أن تشنف هذه الأغنية " علمني علمني " آذان ناشئتنا كل يوم في وقتي الراحة العاشرة صباحا و الرابعة بعد الزوال حتى تجذر في نفوسهم قيم التقدير و الاحترام و الاعتراف بالجميل للذين فتقوا عقولهم و فتحوا أبصارهم على الجمال و اقتطعوا من عقولهم لتكتمل عقولهم وقبسوا من نارهم المقدسة لإيقاد النار الكامنة في أرواحهم الفتية لا ينتظرون من وراء ذلك جزاء و لا شكورا غير الوصول إلى لذة الانتصار حين يروا غرسهم قد أثمر زهرات يانعة جميلة و كيف أمكنهم بمحض إخلاصهم و صادق عزمهم أن يكونوا جيلا جديدا. يا له من خبر جميل يزف إلينا لو تصر إدارات المعاهد و المدارس بدون رجعة على مقاطعة الأغاني الهابطة ذات الذوق البليد و الفاسد التي تبثها عبر الإذاعة المدرسية في الصباح و المساء.إن ناشئتنا أمانة في عنقنا يجب أن نحميها من كل تفسخ و ميوعة و لا بد أن تنشأ في رحم القيم السامية و النبيلة التي تبقى على مر الدهور الحصن المنيع و السد العظيم أمام غوائل الدهر و نوائبه و ما يتربص الأمة من دوائر