بالتعاون مع مؤسسة »فريدريش نومان« نظّم المركز الافريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين ورشة تدريبية حول »النوع الاجتماعي في الصحافة« اندرجت في إطار الاستعداد لإحتضان بلادنا للمؤتمر الثالث لمنظمة المرأة العربية نهاية شهر أكتوبر وقد أشرف على هذه الورشة الأستاذ محمد قنطارة مدير المركز وحاضر خلالها مجموعة من أساتذة معهد الصحافة وعلوم الأخبار اضافة إلى السيدة الزوابي المديرة بوزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين التي ركّزت خلال كلمتها على النهج التونسي في مقاربة قضايا المرأة في المجتمع، وهو نهج يتسّم بالعقلانية والوسطية والتدرّج نحو الرقيّ دون اسقاطات، فتونس قد بادرت بكسر حاجز الصّمت إزاء العديد من القضايا التي لاتزال كامنة في مستوى البُنى الاجتماعية المؤثرة في وضع المرأة العربية وحمايتها من كلّ أشكال التمييز وذلك عبر التشخيص والدراسة العلمية واعتماد استراتيجيا وخطط تهدف إلى تجسيم مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين وهو أحد أوجه تجسيم مفهوم التمكين ومقاربة النّوع الاجتماعي في التنمية
كما تناولت كلمة الأخت الزوابي مختلف المبادرات والمحطّات التي أشرفت عليها حرم رئيس الجمهورية للإرتقاء بوضع النساء في تونس وفي العالم العربي ومنها خاصّة السعي للخروج بالإعلام المتوجّه للمرأة والمخبر عنها من دائرة الأشكال النمطيّة والخطاب البالي
الصور النمطية للمرأة
وبعد هذه المداخلة التقديميّة تولّت الأستاذة بمعهد الصحافة حميدة البور تقديم ورقة عمل حول »النوع الاجتماعي في خطاب الصحافة المكتوبة« وتوسّعت بمفهوم الخطاب إلى كلّ ما تنتجه الصحف من محتوى مكتوب وما تورده من صور أو طريقتها في الاخراج الفنّي مستنتجة أنّ الاعلام المكتوب ينتجُ خطابا لا يعكس تنوّعًا في أدوار المرأة في المجتمع حيث يعيبُ الباحثون على الصحافة المكتوبة تقصيرها في إحداث التوازن على أساس النوع الاجتماعي فالصحف المكتوبة غالبا ما تعمد إلى ايراد صور نمطيّة للمرأة من خلال تكريس أدوار وقوالب معيّنة مرتبطة بشؤون الأسرة والتربية دون الاهتمام بالأدوار الأخرى التي مكّنت المرأة من إثبات كفاءتها صفحات الموضة، الحمية، التجميل، المطبخ إضافة للتنميط من خلال اللغة باستعمال خصائص أنثوية الجنس اللطيف، الضحيّة، العاطفيّة
كما أنّ المرأة تغيب كموضوع عن صفحات الأحداث الوطنية ويرتبط وجودها بالأحداث الآنية المتعلّقة بالمرأة مناسبات كما لاحظت الأستاذة حميدة البور من خلال نتائج الرصد الاعلامي العالمي الذي شاركت فيه بلادنا خلال شهر نوفمبر 2009 أنّ هناك غيابًا للتنويع في الأشكال الصحفية اذ تغلب الصفة التقريريّة على تغطية الصحافة المكتوبة وتغيب الأشكال الصحفيّة التفسيريّة أو التحليليّة أو العمل الصحفي الميداني كما يغيب التناول الجاد وتحضر الإثارة عبر صفحات صدى المحاكم وصفحات الفنّ في الأسبوعيّات
المرأة مصدرًا للمعلومة
أمّا عن حضور المرأة كمصدر للمعلومة في الصحافة المكتوبة فهو شبه غائب، وفي حال اعتمدت المرأة كمصدر للمعلومة فعادة ما يكون ذلك في القضايا النسائية كأن الموضوع حكرًا على النساء
أمّا المرأة المنتجة للمعلومة فهي رغم وجودها في مختلف الأقسام التحريريّة فإنّها غالبا ما تعمد لاستعمال مصادر نسائية، كما أنّ الصفحات المهتمّة بالمرأة غالبا تشرف عليها النساء وفي هذا تكريس للصور النمطيّة واعتزال للنساء في ركن معيّن
الاذاعية وتنميط صورة المرأة
الأستاذة فاطمة عزّوز تناولت خلال مداخلتها النوع الاجتماعي في خطاب الاذاعة واستعرضت نماذج للخطاب الاشهاري الوارد بها، وهو خطاب لا يحتوي على أدنى درجات الاهتمام بمسألة النوع الاجتماعي بل يكرّس خطابًا نمطيّا يعود بنا إلى عقود غابرة، كما استعرضت أمثلة أخرى لتعليقات بعض المنشطين والمذيعين عن أخبار جذرية تردُ في بعض وسائل الاعلام
التلفزة وإعادة انتاج التنميط
خاتمة المحاضرات كانت مع الأستاذ المنصف العيّاري الذي استعرض برشاقة وألم بعض نماذج حضور المرأة في القنوات التلفزية ومنها قناة »هي« التي أصبحت لاحقا تسمّى قناة »المرأة العربية« وهي قناة كان مفترضا بها أن تكون الفضاء الأمثل لترويج الصورة الايجابية للمرأة العربية وابراز دورها الاجتماعي ولكن المتأمّل في محتوى برامجها يلاحظ
4 ساعات لبرامج الحظ والأفلاك والشعوذة من مجموع 15 ساعة بث يوميّا، وهي برامج تبثّ طيلة ثلاثة أيّام في الأسبوع الثلاثاء، الاربعاء والجمعة
برامج التداوي بالأعشاب 130 دقيقة بثّ يوميّا
برامج للتجميل
برامج للموضة وعروض الأزياء
انتاجات درامية أجنبية مختارة بدقة لا تتحدّث عن أكثر من القضايا العاطفيّة والاجتماعية للمرأة الغربية
ثمّ بعد التلفزيون مرّ الأستاذ العيّاري إلى الاعلانات بإعتبارها تبثّ في التلفزيون متسائلا عن الشكل الذي تظهر به المرأة خلال هذه الومضات الاشهاريّة، هل هي فقط سلعة تروّج سلعة أم أنّها كائن اجتماعي فاعل؟
المرأة في الاعلانات فقط أنثى، وهي تعلن عن مواد تنمّط حضورها وتحصرها في الأدوار التقليدية كأن تروّج للأدوات المنزليّة مطبخ، غسّالة، مستحضرات تجميل، مأكولات أمّا منتوجات أخرى كالسيارات أو البنوك أو الحواسيب فيظهر خلالها الرجل
أمّا حضور المرأة في المنوّعات وبرامج المسابقات فهي تبرز من خلال مذيعات جميلات يُكنّ أقرب الى الديكور التلفزي منه للحضور الفاعل ولكن قتامة هذا المشهد لا يجب أن تنسينا بعض بقع الضوء التي تحضر خلالها المرأة كصحفية ميدان متميّزة ومساورة ذكيّة في السياسة وفي مختلف أوجه الشأن العام
وقد واصل الأستاذ العيّاري استعراض مختلف أشكال حضور المرأة في التلفزيون من خلال الفيديو كليب والدراما وهو حضور تطغى عليه السلبيّة أيضا، وأشار أنّه علينا أن نعجّل بوضع استراتيجيّة إعلامية واضحة المعالم تنقل الصور الإيجابيّة للمرأة كما يتعيّن علينا التخطيط للإنتاج الاعلامي ومزيد مراقبة كلّ ما يبثّ، كما أنّه يتعيّن علينا توعية القائمين بالتخطيط لضرورة الإنتباه لمسألة صورة المرأة في البرامج والانتاجات التلفزيونية
وفي ختام هذه الورشة التي دار بين فواصلها نقاش ثري بين الاعلاميات والمحاضرين لم يتابع أعمال هذه الورشة إلاّ بعض الزملاء القلائل للتصوير ثمّ المغادرة سريعا تولّى السيد مدير المركز الافريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين تقديم شهادات مشاركة على كلّ الحضور ثمّ تفرّق الجمع آملاً في استبطان خطاب اعلامي يتجاوز الصورة النمطية للمرأة ويراعي مقاربة النوع الاجتماعي