إن الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي لم يولد بقرار فوقي ولا هو إفراز لملابسات ظرفية أملتها المرحلة، وإنما هو ثمرة نضالات طويلة خاضها جيل الرواد ممن آمنوا مبكرا بوحدة المصير وترابط الشغالين في كل الأقطار المغاربية فتجندت القوى العمالية من اجل الحرية والكرامة متحدية الاستعمار وجبروته. وكان الشهيد فرحات حشاد أبرز المؤثرين من جيل الرواد حيث دعا مبكرا الى تأسيس كنفدرالية عمالية توحّد عمال أقطار المغرب العربي ضد الاستعمار وتوجه النضالات الوطنية في الاتجاه الذي يخدم المصالح الوطنية المشتركة ومصالح الشغالين، فبادر منذ منتصف الاربعينات من القرن العشرين بالاتصال بالزعماء النقابيين والوطنيين المغاربة وبطلبة شمال افريقيا بفرنسا وبذل جهدا لافتا لبعث جبهة نقابية بهدف توحيد العمل النقابي المشترك ضد الاستعمار وتوجيه النضالات الوطنية نحو التحرر والانعتاق والوحدة. وناقشت الوفود المغاربية التي حضرت فعاليات المؤتمر الوطني الرابع للاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1951 فكرة تكوين منظمات نقابية وطنية مستقلة بكامل الاقطار المغاربية وبعث الاتحاد النقابي لشمال افريقيا. وأربكت تلك المساعي السلطات الاستعمارية التي ازدادت ارتباكا إزاء ردة الفعل الشعبية الغاضبة وانتفاض الشغالين على اثر الاغتيال الغادر الذي استهدف حشاد وامتدّ سخط العمال وصمودهم في وجه قوات الاستعمار الغاشمة الى خارج حدود تونس فشهدت الدارالبيضاء مظاهرات حاشدة سقط فيها عدد من الشهداء لتمتزج بذلك دماء الشهداء بين أبناء الاقطار المغاربية وطبقاتها الشغيلة. ثم كانت لقاءات طنجة التاريخية وقد بدأت باجتماع قادة المنظمات النقابية المغاربية ايام 20، 21 و 22 اكتوبر 1957 من اجل بلورة خطة مشتركة لتصفية مخلفات الاستعمار في كل من تونس والمغرب، وكانت الجزائر لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي، وتمت صياغة وثيقة تعتبر من النصوص التأسيسية. بعدها بسنة اجتمعت الاحزاب المغاربية (تونسالجزائر والمغرب) بطنجة لتشكّل حلقة حاسمة في مسار التضامن والاندماج. وتجسدت وحدة النضالات مرة أخرى عند اختطاف زعماء جبهة التحرير الجزائرية الذين كانوا على متن طائرة في طريق العودة من المغرب الى تونس مقر الحكومة الجزائرية المؤقتة انذاك. فقد أجّجت تلك الحادثة مشاعر السخط التي عبرت عنها تلك التحركات المكثفة عند انعقاد المؤتمر النقابي الافريقي بمشاركة الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد عمال ليبيا. وتواصلت الجهود التنسيقية على امتداد الستينات والسبعينات الى حدّ انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي بالدارالبيضاء يومي 6 و 7 ديسمبر 1989، وفي ذلك التاريخ بالذات دلالات لا تخفى اذ يصادف يوم 8 ديسمبر ذكرى انتفاضة الدارالبيضاء بالذات، سخطا واحتجاجا على اغتيال شهيد الحركة النقابية التونسية والمغاربية عامة، فرحات حشاد.