صدقوني، صدقوني، صدقوني.. وأنا لا أدعي في السياسة معرفة ولست خبيرًا أو رجل مخابرات، ولم أتحدث مرة واحدة في الموضوع ان الانقلاب على بورقيبة في نوفمبر 1987 لم يقع بصفة عفويّة ولا بمحض الصدفة قلت صدقوني لأنني متأكد انكم ايضا تعرفون ذلك فسوف لا آتي بالجديد اذن.. فهل يمكن وهل من البساطة في شيء ان يتغير نظام كنظام بورقيبة، هكذا وبين عشية وضحاها؟ لقد اسرع بن علي وبطرُقه الخاصة ودهائه إلى ان يدخل السلطة ويرتقي من منصب الى آخر وكلنا نعرف تلك المناصب الى أن وصل الى منصب الوزير الاول، ومنذ اليوم الأول من تقلّده ذاك المنصب قرّر أن يخطط لبرنامجه وشرع في التطبيق وجمع حوله كل من له ثقة به اما الذين يشك فيهم ويعرف انهم متشبثون بنظام بورقيبة فقد شرع في تجميدهم وابعادهم عن السّاحة رويدا رويدا ووضعهم في قائمة خاصة للتخلص منهم فيما بعد وتذكروا معي تلك الفترة فسوف لا تخونكم ذاكرتهم.. وهيأ كل شيء ورتب كل شيء بما في ذلك تاريخ السبت السابع من نوفمبر لينقلب على رئيسه ليست بتلك السرعة التي يتصوّرها البعض صحيح انه قام بكل شيء في كامل السريّة ولكن هل يعقل ان يكتب بيان السابع من نوفمبر ليلة السابع من نوفمبر؟ وهل بتلك السرعة التي يتصوّرها البعض يتغير اسم الحزب الاشتراكي الدستوري الى التجمع الديمقراطي الدستوري؟ وتتغير جريدة »العمل« الى »الحرية« و»L'action« إلى »Renouveau« لو لم يتقرّر ذلك منذ اليوم الاول من تقلّده منصب الوزير الاول الذي يخوّل له الدستور تقلد منصب رئيس الجمهورية ولم تدم المدة سوى شهر واحد؟ وهل تذكرون التطبيل المتمثل في المقالات الصحفية والصور اليومية للوزير الاول على شاشة التلفزة وتعداد انشطته إلى درجة ان الدعاية له طغت على انشطة بورقيبة.. وبما انه داهية فقد استغل فرصة شيخوخة بورقيبة ومرضه وعجزه وهو عامل مهمّ فكان البيان الذي نعرفه جميعا. تقولون ما الجديد وكلنا نعرف ذلك، القاصي منا والداني؟ وها اني أجيب: أنا متأكد ان غالبية الشعب التونسي وتسارع الاحداث المتمثلة في المظاهرات التي خرجت في كامل المدن التونسية وأحداث الشغب، والضغوطات وغيرها هي التي دفعت بالرئيس السابق إلى ان يفر بجلده ويغادر البلاد... لا.. إن للرئيس الفار مخابراته وحسّه ومتابعاته للاحداث وجواسيسه ودواليبه وحاشيته،... كل هذه وغيرها زوّدته بمعلومات تفيد ان الوضع خطير وان الشارع التونسي يغلي منذ مدة طويلة وان الانتفاضة قادمة في الايام القليلة القادمة، وان عليه ان يستعدّ لماهو أسوأ وهو ما كان، ومما زاد الطين بلّة أحداث سيدي بوزيد وتململ السكان في مختلف مدن الجنوب وخاصة مدن الحوض المنجمي التي كان سكانها ينتظرون الفرصة السانحة، كل هذه التراكمات وغيرها دفعت بالرئيس المخلوع الى قرار التنحية او الهروب في صورة احساسه بالخطر الكبير واحتمال كبير انه عيّن تاريخ التنحية أو الفرار 14 جانفي مثلما عيّن تاريخ تنحية الزعيم بورقيبة والانقلاب عليه والادلة على ذلك كثيرة ومنها بالخصوص: هروب زروجته دون رجعة في بداية شهر ديسمبر. استعداده لما بعد الفرار وهي تلك العصابات المسلحة التي روعت كل التونسيين ومازالت. تجهيز 800 سيارة ملغمة ومسلحة وغايته من ذلك واضحة ومعروفة (والعهدة على من روى). استيراد كمية كبيرة وكبيرة جدا من القنابل المسيلة للدموع والاسلحة وغيرها من فرنسا وهي الان جاثمة بمطار رواسيي الفرنسي لانه وقع منع شحنها الى تونس وتطالب الشركة الفرنسية المنتجة بمستحقاتها أي المقابل المادي لهذه الاسلحة المتنوعة لانه تم الاتفاق معها على بيعها وهي ترفض اعادتها الى مخازنها. الخطب الرئاسية الثلاثة الاخيرة وعليكم قراءة ما جاء بين سطورها. صحيح ان تسارع الاحداث انطلاقا من احداث سيدي بوزيد وانتحار المرحوم محمد البوعزيزي بسبب اهانته من طرف امرأة تنتمي إلى مصلحة التراتيب البلدية، ولا نقاش ان ثورة شباب تونس التي ادهشت العالم والتي أطاحت بالنظام الدكتاتوري كانت نتيجة المظاهرات الحاشدة التي خرجت بكل عفوية من كافة مدن الجمهورية. وصحيح ايضا ان كل المسيرات والمظاهرات تقريبا انطلقت من أمام دور الاتحادات الجهوية والمحلية بدفع من الاطارات النقابية اضافة الى الاضرابات العامة في كل من صفاقسوتونس العاصمة وغيرهما وقد دعت إليها المنظمة الشغيلة.