تحيي الطبقة العاملة وكل الجماهير الشعبية في تونس اليوم ، ذكرى انتفاضة 26 جانفي 1978 و هي مناسبة لاستعادة الملحمة التي سطّرها عمّال و كادحو تونس الذين اتّحدوا صفّا واحدا لمواجهة نظام بورقيبة الدكتاتوري و النضال حول شعار مركزي هو إقرار حقهم في الخبز و الحرية و الكرامة الوطنية . لقد اندلعت الانتفاضة العمالية ل26 جانفي 1978 اثر الانغلاق التام للحياة السياسية و السيطرة المطلقة للحزب الدستوري الفاشي على كل مفاصل و هياكل الدولة والمجتمع وتعميم القمع و إلجام الأفواه و رمي الأجيال المتعاقبة من مناضلي الحركات المعارضة ، اليوسفية والتيار القومي واليسار التونسي من حركة آفاق إلى منظمة العامل التونسي ، في غياهب السجون. كما توّجت هذه الانتفاضة المجيدة مسارا نضاليا ضدّ الاختيارات الاقتصادية و الاجتماعية اللاوطنية واللاشعبية لحكومة نويرة المكرّسة للاستغلال و التفاوت الطبقي و الجهوي لفائدة تحالف طبقي حاكم مرتبط عضويا بمراكز الهيمنة الاستعمارية الجديدة في باريس و واشنطن حيث فتح لها و لشركاتها متعددة الجنسيات أبواب البلاد على مصراعيها لنهب خيراتها و استنزاف عمالها و عاملاتها . لقد تصاعدت حركة العمال الاحتجاجية لتمسّ جميع القطاعات وجميع الجهات ، ورغم حملات الترهيب و التخريب التي طالت المناضلين ومقرات الاتحاد العام التونسي للشغل التي كانت تنفّذها ميليشيات الحزب الدستوري الفاشي ، فقد بلغت تلك الحركة الاحتجاجية ذروتها بإعلان الإضراب العام يوم 26 جانفي1978 . ولم يشذّ النظام الحاكم عن نهجه القمعي المعهود فاطلق أعوان جهازه البوليسي وميليشيات حزبه وانزل الجيش وأعلن حظر الجولان وحالة الطوارئ واغرق انتفاضة العمال في الدماء حيث سقط الشهداء بالمئات سواء رميا بالرصاص أو تحت التعذيب في أقبية الداخلية . لابدّ من التذكير بان احد اكبر رموز الجلادين الذين ساهموا شخصيا و مباشرة في تقتيل المتظاهرين آنذاك هو السفاح زين العابدين بن علي الذي استقدمه بورقيبة و نويرة من جهاز المخابرات العسكرية وكلّفوه بإدارة الأمن بوزارة الداخلية فتكفّل بكل وحشية بتنفيذ المجزرة وبتسيير حملات القمع والتنكيل الوحشية بالجماهير الشعبية.لقد مرت الحركة الشعبية المقاومة للنظام الدستوري بفترات مد وجزر ولكنها لم تخمد أبدا ولم ينطفئ لهبها و قد تمكّنت في مناسبات عديدة من زعزعة النظام على غرار ما حدث أثناء انتفاضة الخبز المجيدة سنة 1984 و التي أغرقها النظام كذلك في الدماء و التي اشرف السفاح بن علي خلالها مرة أخرى على تنفيذ فصول مجزرة مماثلة لسابقتها التي نفّذها سنة 1978 إن التاريخ لا يرحم و إن إرادة الشعوب لا تقهر. وها أن جماهير شعبنا في هذا الشهر الأغر تحقق ثورتها المجيدة و تكنس راس الدكتاتورية و رمز الفساد و تثار لأرواح مئات الشهداء و آلاف الجرحى و المساجين ضحايا النظام الدستوري العميل.و قد بيّنت هذه الجماهير و هي تبيّن يوميا أن هذا النصر لن يكتمل مع رحيل بن علي بل انه مشروط بتحقيق القطيعة التاريخية الفعلية مع كل مؤسسات و هياكل و أجهزة نظامه السياسية و الاقتصادية والقانونية والأمنية والإعلامية و ذلك بتطهيرها من أدواته و عناصره المتنفذة فيها . إن هذا الشرط لن يتحقق بطعن الثورة الشعبية في الظهر والإسهام في إطالة أنفاس بقيا نظام بن علي و المشاركة معهم في حكومة مشتركة تحت تعلّة »درء المجهول و الخوف من الفراغ« أو تخويف الشعب بفزّاعات الجيش او الأصولية و التطرّف ..سيتحقق شرط المحافظة على مكاسب ثورة شعبنا و وضع أسس لا رجعة فيها لمشروع مجتمعي ديمقراطي شعبي يقطع نهائيا مع الدكتاتورية والتفاوت الطبقي و الجهوي و الفساد ، سيتحقق فقط عن طريق حكومة انتقالية لتصريف الأعمال مهمتها إطلاق الحريات العامة والفردية وإعداد انتخاب مجلس تأسيسي يصوغ دستورا مكرسا لسيادة الشعب وضامنا لممارسته حقوقه الديمقراطية و تقدمه الاجتماعي و نصرته للشعوب المضطهدة و معاداته للصهيونية و كل أشكال الاستعمار. سيتحقق نصر ثورتنا عند محاكمة بن علي و كل أدوات نظامه من مسؤولين سياسيين و أمنيين و إعلاميين مركزيين وجهويين ومحليين خططوا ونفذوا سياسات نظام بن علي طيلة 23 سنة ، الذين قتّلوا شعبنا وعذّبوا ابناءه و نهبوا ثرواته و خرّبوا ممتلكاته ، سيتحقق نصر شعبنا بِحَلّ الحزب الدستوري الفاشي ومصادرة أملاكه المغتصبة من عرق أبناء شعبنا ومحاكمة أعضاء ميليشياته. سيتحقق نصر شعبنا لما ترفع حالة الطوارئ و يلزم الجيش ثكناته وتُفرض حرية التنظم وحرية التعبير وحرية التظاهر التي ستتيح لشعبنا التعبير السيادي عن رأيه و التجسيم السيادي لإرادته.