سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هذه الثورة امتداد للنضالات السابقة للعمل والفلاحين والطلبة والعاطلين عن العمل الأخ الحبيب بن عاشور في حوار للشعب:
على أعضاء الحكومة أن لا يسيطر عليهم حب السلطة
❊ الأخ الحبيب، عشت هذه الثورة إلى الآن بكل تفاصيلها ومنعرجاتها، كيف تراها وبمَ يمكن أن تصفها؟ هذه الثورة، هي امتداد لنضالات العمال والمثقفين والعاطلين عن العمل والطلبة، فهؤلاء كانت تعشش في أذهانهم من الماضي الطموح للقضاء على الطغيان والظلم، ونفس هذه التركيبة الاجتماعية التي صنعت ثورة بلادنا الحالية، انتفضت في الماضي ومثلا خلال الاضراب العام الذي نفذناه في سوسة يوم 9 نوفمبر 1977 احتجاجا على التهديد باغتيال الزعيم الحبيب عاشور من طرف الميليشيا، انتفضت الجماهير العريضة وأتذكّر أن الآلاف جابوا شوارع سوسة بكل تحضر، وكنا في الاتحاد نؤطرهم ونوجههم حتى لا يتم الانحراف نحو التخريب، حتى ان المئات أرادوا اخراج المسمى عبد الله الورادني من السجن واغتياله لكنني وجّهت الجماهير كي لا يسقطوا في مثل هذه الاخطاء. إذن، فإن أي عملية انفجار اجتماعي، يسبقها احساس بالظلم والغبن وطبيعي جدّا أن تكون الثورة التونسية بمثل هذا العنفوان باعتبار القهر الذي عاشه الشعب التونسي ما الطاغية بن علي. هذا الاخير كنت أعرفه عن قرب عندما كان يدرس معنا بالمعهد الثانوي للذكور بسوسة وقد كان شخصا غير مرغوب فيه حتى تم طرده هذه الثورة تشرّف الشعب التونسي والبلاد وأنا أحمد الله على أني بقيت حيّا لأعايشها. ❊ عديد المتابعين يعتبرون الثورة ناقصة ولم تحقق كل مقاصدها وأهدافها، ما رأيك؟ لقد أتت هذه الثورة بعديد المكاسب من حرية تعبير عن الرأى والاعلام وغيرها، حتى ان الحكومة الحالية تتضمن كفاءات عالية ومحترمة على غرار الوزير الاول الذي درس معي في الماضي وبالتالي فإنّه من الضروري ان نكمل المشوار هكذا مع مراقبة الحكومة حتى لا تسقط في أي امكانية للفراغ السياسي. وفي نفس السياق، أوجه نداء الى الوزير الاول كي يفكر في الانسحاب عندما تنهي الحكومة مهامها الوقتية. ❊ هل تتصوّر، أن هناك امكانية للتراجع عن الثورة والالتفاف عليها والعودة الى العهد السابق بوجود أخرى؟ لا أعتقد ذلك فمن جهة: الشعب التونسي على أتم الاستعداد للعودة إلى الاحتجاج والتظاهر اذا ما احس بامكانية التراجع ومن جهة أخرى نرى هذه الحكومة تسعى الى كسب رضائه بالاغراءات والوعود والمساعدات لذلك فان على اعضاء الحكومة الاقتناع بانهم موجودون لفترة انتقالية فقط ولا يجب ان تسيطر عليهم الأنانية والمصلحة الذاتية و»حب الكراسي«. ❊ لو نقوم بمقارنة بين هذه الثورة وإضراب 26 جانفي 78 وثورة الخبز، ماذا تقول؟ 26 جانفي كان يشبه في عديد العناصر الثورة الحالية، وقد اندلعت الاحداث بعد مراكمات كبيرة ساهمت في تأجيجها، لكن الفارق هو أن هذه الاحداث كانت لها قيادة وهي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان متماسكا جدا في تلك الفترة لمقاومة الليبرالية المجحفة التي قادها الهادي نويرة والتي ضربت طموحات الشعب التونسي في كرامته وخبزه. اما انتفاضة الخبز، فكانت تعكس صراعا داخل القصر و كانت نتيجة لانقسامات وانشقاقات في نظام الحكم ومثلت »تفبريكة« من قبل ادريس ڤيڤة وفريقه لذلك يجب ان نفرّق جيدا بين الثورات النزيهة والاخرى المفبركة. ❊ من الأهداف المرفوعة في 26 جانفي 78 هي استقلالية المنظمة الشغيلة عن الحزب الحاكم، فكيف بدأ هذا الصراع؟ لقد بدأ النقابيون يضيقون ذرعا بتوظف الحزب الحاكم للإتحاد ومع دخول عدة نقابيين شبان ونزهاء الى هياكل الاتحاد بدأ الصراع بينهم وبين الحرس القديم الذي يريد تأييد هذا الوضع ومواصلة الديوان السياسي واللجنة المركزية المسك بزمام الاتحاد. وحتى بعد 26 جانفي، تواصلت هذه العقلية خلال الانتخابات التشريعية في 81 حتى أني أذكر أن الطيب البكوش الامين العام للاتحاد انذاك قد سعى بكل السبل إلى إقناعي بالدخول الى الجبهة التي تكونت بين الاتحادوحزب الدستور وأترشح باسمها في الجهة، لكنني رفضت بشدة باعتبار دفاعي المستميت عن استقلالية المنظمة. ❊ لو نتحدث عن تفاصيل القمع التي سلّطها نظام الحكم بعد ما سُمِّي ببناء الدولة الحديثة؟ في الحقيقة، لم تشهد فترة الستنيات معارضة جماهيرية لنظام الحكم، بل ظهرت معارضة نخبوية أغلبها طلبة مثقفون، ورغم القمع الذي سُلّط على هذه المعارضة فمن الضروري ان نؤكد أن هناك إيجابيات من خلال الاصلاحات الاقتصادية والنقاط المضيئة في تجربة التعاضد لبن صالح التي فتحت آفاقا لعديد المستثمرين وخاصة في قطاع السياحة. أما في السبعينيات فقد بدأت جليا هجمة منظمة على كل نفس ديمقراطي فهوجم الطلبة والعمال بشكل وحشي وزُجّ بهم في السجن وعُذّبوا، وفي علاقة بالنقابيين كان أكبر عدد من موقوفي 26 جانفي في جهة سوسة (101) وكذلك القصرين تحت طائلة اتهامهم بالتآمر على أمن الدولة. ورغم عدم استقلالية القضاء في تلك الفترة، فقد تمكّنّا بفضل صلابتنا من فرض تخلي السلطة القضائية عن القضية وتحويلها الى محكمة أمن الدولة واعتبارها قضية سياسية وقضية رأيٍ. ❊ أين كان موقع بن علي في أحداث 26 جانفي؟ في الفترة التي اتخذ فيها قرار الوحدة بين تونس وليبيا (1974) كان بن علي في وزارة الدفاع ووقع تعيينه وزيرا في حكومة الوحدة حيث كانت له علاقات كبيرة مع النظام الليبي، وهذا له ارتباط كبير بما صرّح به القذافي مؤخّرا، الى أن تقدم عبد الله فرحات باقتراح لبورقيبة يتضمن تعيين بن علي مديرا عاما للامن الوطني وحينها كان بن علي يشرف بنفسه على كل عمليات القمع والايقافات والتعذيب والقتل في احداث 26 جانفي 78 وبعدما. ثم أعادوا الاتيان به الى وزارة الداخلية بعد أن أبعدوه، وفي 7 نوفمبر كان لديه فريق مشرّف عن الانقلاب سياسيا وأمنيا تكون من العربي عزوز والحبيب بن عمار وفرج الشايب والهادي البكوش. ❊ وعندما نتحدث عن علاقة بن علي بالاتحاد العام التونسي للشغل، ماذا تقول؟ للاسف الشديد، هناك في الاتحاد من تعامل مع الدكتاتور بن علي وسعى الى اقرار توجهات سياسية للاتحاد مفصّلة على رغبات بن علي، وقد بدأ ذلك منذ مؤتمر سوسة سنة 89 الذي كان منصر الرويسي يشرف على أدق تفاصيله، ومن هناك بدأت المحاولات لتدجين الاتحاد ووضعه في خانة ما يسمى بالديكور الديمقراطي، وهذه الوضعية جعلتني مثلا أبادر رفقة العديد من الرفاق والاطراف السياسية ومنها الطاهر الشايب ومناضلين من القوميين العرب وحزب العمال الشيوعي التونسي وعديد المستقلين، الى تأسيس نقابة أخرى سميناها الكنفيدرالية للشغل. ❊ في هذا السياق، ماهو موقفك من التعددية النقابيّة؟ أنا مع التعددية النقابية بشرط أن تكون على أساس ديمقراطي سليم، وحتى عندما أسسنا الكنفيدرالية كان الدافع إلى ذلك هو تطهير الاتحاد من الانتهازية والوصولية. ❊ كيف تقيم أداء اتحاد الشغل منذ 89؟ هناك جوانب ايجابية وتقابلها جوانب سلبية كثيرة ومنها اقصاء النقابيين، وأنا كنت من المقصيين، وفي تقديري يجب القيام بنقد ذاتي بنّاء وتقويم هذه الفترة واستيعاب الدروس فضلا عن ترك المجال لمن له روح قوية للنضال النقابي السليم دون تخاذل أو ضرب لقوانين المنظمة. ❊ وكيف يتراءى لك مستقبل البلاد والاتحاد؟ بحكم تجربتي، أنا مستبشر كل الخير، فاقتصايا ستشهد بلادنا انتعاشة قوية لان عناصر الفساد والنهب ذهبت وهربت كما أن عديد البلدان لها تقدير كبير للثورة وهو ما سيفرز تضامنا اقتصاديا وسيتأسس حسن التصرف في المؤسسات ويكفينا فخرا ان كل بلدان العالم تضرب المثل بالثورة التونسية. نفس الشيء بالنسبة الى الاتحاد، فأنا أعتقد أن فرزا كبيرا سيوجد في الاتحاد وأن القواعد العمالية ستكثف من مراقبتها ومتابعتها لكل مسؤول نقابي وتطبيق قانون الاتحاد واحترامه ونبذ الفئوية داخل المنظمة. وكنت أتمنى (قالها بتأثر شديد) لو كانت ابنتي المرحومة وداد حيّة لتعيش هذه اللحظات وهذه الثورة الجميلة لأنها مثل الملايين أرادت وناضلت من أجل تغيير ثوري في البلاد.