الأخ الصادق بسباس، أحد الزعماء النقابيين الذين شاركوا في اضراب 78 ومثل غيره من زعماء 78 أخذ حصته من القمع والملاحقة والسجون، اعتبر ان عدة مكونات من مشهد الصراع بين الحكومة والاتحاد مشابهة لما حدث فبيل تنفيذ اضراب جانفي 78 وقال ان النهضة لها حنين مثل حزب الدستور سابقا لاخضاع الاتحاد العام التونسي للشغل رغم ان حدة الاعتداءات لم تكن مشابهة للذي حدث قبيل او بعد 78، كما اكد ان ما من محاولة للسيطرة على الاتحاد ستجد طريقها للنجاح معبرا عن تمنياته ان لا تعيش بلادنا اليوم مثلما عاشته في 78 لأن ذلك سيكون عنصرا كبيرا لافساد اي انتقال ديمقراطي حقيقي وانتهى بالتأكيد على ان الاتحاد سيبقى وطنيا رغم كل المساعي الى تقزيم دوره وحصره في مربع العمل النقابي المطلبي. كيف انطلق التوتر بين الحكومة والاتحاد العام قبيل اقرار الاضراب العام في 26 جانفي 1978 وبماذا تميّزت العلاقة بينهما؟ - العلاقات بين الاتحاد والسلطة بدأت تقريبا في التوتر في 77 عندما ارتفعت الاسعار بصورة مشطّة مثلما هو الحال الان، كما توترت اثر امتناع الحكومة على تلبية مطالب اجتماعية عادية لبعض القطاعات خاصة في الفلاحة، وقد رأت الحكومة ان في هذه المطالب تعجيزا لها باعتبارها قدّمت زيادة «محترمة» في اول 77 ورأت انها زيادة كافية ولا يمكن الزيادة عنها. لكن المشكل لم يحلّ وتواصل التوتر الى اواخر 77 وانطلقت الاتهامات الموجهة للاتحاد من نوع ان الاضرابات تضرّ بالاقتصاد الوطني، رغم انها قانونية وشرعية، او من قبيل ايضا ان في الاتحاد عناصر مدسوسة ومتطرفة لا تريد التعاون بين الحكومة والاتحاد....بينما نحن نعتبر ان المنظمة يجب ان تضمّ كل ابناء الشعب مهما كانت انتماءاتهم السياسية أو الايديولوجية فلا يمكن للنقابي ان يتخلى عن حقه في ممارسة توجهاته السياسية التي يؤمن بها، وهكذا، بدأ التوتر بصفة مكشوفة وواضحة بداية من سبتمبر 77 ثم تواصل التهجّم والاتهامات بالكتابات اليومية في الصحافة الحزبية في ذلك الوقت وخلق جو من التباغض والتوتر بين الاتحاد والحكومة حتى ان الحزب وفّر امكانيات كبيرة لشعبه المهنية في المؤسسات العمومية والخاصة لتقوم بدور نقابي عوض النقابات وسحب البساط من تحت اقدام النقابيين، فالعملية كانت لخلق وتوتر بين ابناء المؤسسة الواحدة. وفي شهر ديسمبر ارتفعت وتيرة التهجمات نتيجة بعض الاضرابات القطاعية ولهجة التهجم على الحركة النقابية وعلى الزعيم الحبيب عاشور، اثر ذلك انعقد مجلس وطني في اميلكار واصدر بيان قوي اللهجة ضد هذه التهجمات والتشويهات، ومباشرة قدم عاشور والصالحي استقالتهما من الحزب وهذا الامر زاد في حدة التوترات وبدأت ملامح ازمة خطيرة جدا. وفي اوائل جانفي تجاوز الامر حدود التحريض والتهجم اللفظي وبلغ حد مهاجمة مقرات الاتحاد من قبل الميليشيات التابعة للحزب. لو تحدثنا عن هذه الميليشيا؟ - هي عناصر حزبية أسسها وتزعمها الصياح خارج اطار القانون والمعروف انها تهاجم بعض مقرات الاتحاد داخل الجمهورية والنقابيين ماديا ومعنويا بعد ان يخططوا لعملياتهم داخل مقرات الحزب ولجان التنسيق . وخلال ذلك؟ - مباشرة عقدنا هيئة ادارية لتدارس هذا الوضع الجديد وقررت الاضراب العام وترك تحديد موعده الى المكتب التنفيذي الوطني، حتى نبقي الفرصة لتلافي الأزمة بالحوار والتفاوض، لكن مع الاسف هذا القرار لم يعجب الحزب وخاصة العناصر المتطرفة فيه مثل عامر بن عايشة والصياح و ومحمد جراد وغيرهم من العناصر المتشددة في الحزب، وزادت الحدة عمقا، كما ان الخلافات التي كانت قائمة داخل الحزب زاد في حدة التوتر حتى ان بعض الوزراء تمت اقالتهم لمواقفهم الداعية الى التعقّل وغير الراضية بالتصعيد منهم الطاهر بلخوجة، وتواصلت الاعتداءات على دور المنظمة ثم الهجوم بعدها على مقر الاتحاد الجهوي بالقيروان بصورة عنيفة جدا وتهشيم كل ما هو موجود فيه بشكل عنيف، وبمجرد ان علمنا بهذا الهجوم توجه الاخ الطيب البكوش لمعاينة ما وقع واثر ذلك وفي اليوم الموالي قرر المكتب التنفيذي الاضراب يوم 26 جانفي. تلك الأحداث التي وقعت كيف تقارنها بما جدّ في المدة الاخيرة من اعتداءات على النقابيين وعلى المقر المركزي للمنظمة الشغيلة؟ - الحمدلله لم نصل الى مثل حدة تلك الاحداث، لكن عندما نقارنها بما يحدث اليوم، فاننا نلاحظ ان رغم عنف حزب الدستور وسيطرته على الدولة فقد اقتصرت هجوماته على مقرات الاتحادات الجهوية ولم يتجرّأ على مهاجمة المقر المركزي، لكن الآن للاسف هاجمت الميليشيات المقر المركزي بشراسة وهذا يعتبر سابقة خطيرة وتجاوز لكل حدود المنطق والمعقول، و لقد رأينا كيف سالت الدماء في ساحة محمد علي، الامر الذي يبعث للاشمئزاز والاستنكار . هل تعتقد ان هذه الاعتداءات هي محاولة للإخضاع أو السيطرة على الاتحاد مثلما فعل الحزب الحاكم سابقا؟ - ان ضرب استقلالية الاتحاد ومحاولة السيطرة عليه ليس بالامر الجديد، فقد بدأت هذه الظاهرة منذ 56 بعد الاستقلال بقليل خلال مؤتمر انتخب فيه احمد بن صالح امينا عاما عندما كان هذا الاخير في رحلة عمل الى المغرب تقرر ازاحة بن صالح من الامانة العامة، وتواصلت هذه المحاولات بشكل متواتر ومنها اصدار لائحة خلال مؤتمر بنزرت للحزب عندما اعتبرت ان كل المنظمات الوطنية خلايا من خلايا الحزب الحاكم الا ان الظروف في تلك الفترة كانت قاسية واضطر الاتحاد الى قبول هذا الاجراء. والنهضة، هل ترى أن لها الافكار نفسها أو الهاجس نفسه لحزب الدستور، في الماضي، للسيطرة على الاتحاد؟ - النهضة حديثة الحكم الان، لكن بهذا السلوك المشين الذي قامت به الميليشيات يتبين لنا ان لها حنين للقيام بنفس الدور الذي قام به حزب الدستور سابقا للسيطرة على المنظمة الشغيلة خاصة وانها تشعر قوية بما انها فازت في الانتخابات الاخيرة وبالتالي لها شرعية ولها الحق في السيطرة على الاتحاد العام التونسي للشغل والحركة النقابية سواء من داخل او من خارج، وعلى ما يبدو ان هذه الفكرة بدأت تغلغل في اذهانهم وانطلقوا في ذلك بالتشويهات والادعاءات التي يلقونها هنا وهناك كون الاتحاد يضمّ في صفوفه عناصر متطرفة يسارية وشيوعية لا تريد الانتقال الديمقراطي لبلادنا، وهذا كلام مردود عليه خاصة انها تهم قديمة، فالاتحاد خيمة تضم كل التيارات على قاعدة احترام قوانينه ونظمه الداخلية... وهناك تشابه كبير بين اقرار اضرابي 78 و 2012، خاصة وانه تم الاعتداء على النقابيين واعضاء من المكتب الاتنفيذي الوطني واتهام المنظمة بأنها تحوي اسلحة وان النقابيين اعتدوا على من جاء ليشارك في مناسبة الاحتفال بذكرى اغتيال حشاد لذلك لا يمكن لأي انسان عاقل ان يصدّق اي اكذوبة . هي نفس الاتهامات التي وجّهت اليكم في السابق؟ - نعم، اتهمونا خاصة يوم 26 جانفي، وقد بلغ الحد بأكاذيب الحكومة والحزب في ذلك الحين بادعائهم أنهم وجدوا الحجارة وبرميل لماء الفرق، حتى ان المسدي الصحافي «الله يسامحو» مسك الماء أمام المشاهدين وقال «هاو ماء الفرق» . بوصفك نقابيا سابقا ولك تجربة نقابية زاخرة وعشت عديد التجاذبات والصراعات بين الاتحاد والحكومة، كيف تتراءى لك بوادر الانفراج من الأزمة الحالية ؟ - أرى ان الحل في تقديري، هو أخذ العبرة من 26 جانفي، فالحكومة لم تخرج من تلك الفترة فائزة رغم أنها اعتقلت اغلب القيادة النقابية ومارست القوة والقتل وتهشيم المحلات لإلقاء التهمة على الاتحاد، وهذه الاكذوبة لم تنطل على العمال وكانوا منضبطين للاتحاد الذي وجّه توصياته بإنجاح الاضراب سلميا وديمقراطيا وعدم ترك الفرصة لأي كان للتخريب . ولقد توجهت خلال ذلك الى ولايات الكاف وجندوبة وباجة وسليانة صحبة المرحوم مصطفى الغربي بتكليف من المكتب التنفيذي لتأطير الإعداد للإضراب، لكن رغم ذلك ورغم هذه المسؤولية قرر الحزب بمليشياته الاعتداء على المقرات وتهشيم محتوياتها وضرب النقابيين لاقامة الحجة علينا واتهامنا نحن بالتخريب والإضرار بالبلاد. الا اني اتمنى ان لا يقع كل ذلك في ايامنا هذه، والى حد الان لا ارى مؤشرات تدل على ان ذلك سيقع، لأن هذا ليس من مصلحة الحكومة التي تتخبّط من أزمة الى اخرى على كافة المستويات، فلا اتصور ان عناصر النهضة ستقوم بعمل مشابه كالذي عمدت اليه الميليشيات القديمة، واتمنى ان يعود الرشد والعقل للحكومة حتى نجنّب بلادنا أزمة كالتي عشناها في 26 جانفي 78 . بماذا ترد على التهمة الموجهة للاتحاد بكونه يفرط في العمل السياسي، ويجب ان يقتصر دوره على العمل المطلبي والنقابي فقط؟ - هي تهمة قديمة وجهها الحزب الدستوري مرارا عديدة من سنة 1956، لكن الغريب هو ان الاتحاد عندما يقوم بعمل سياسي ينعكس بالفائدة على بعض الاحزاب فإنها لا تتكلم بل انها تثمّن ذلك ، وعندما يقوم الاتحاد بعمل سياسي لا ينعكس بالمصلحة على أحزاب أخرى فانها تتهجّم عليه. لقد قدّم حشاد الزعيم النقابي نفسه من أجل هذا الوطن وعموم الشعب التونسي وتحقيق الاستقلال وليس من أجل بعض المطالب المهنية او الاجتماعية ، والاتحاد الآن كان مركزا لكل مظاهرات الثورة التونسية الاخيرة ودافع عن الحريات والديمقراطية في عهد بن علي، هل وقتها نقول ان الاتحاد جيد؟ واليوم بدؤوا في سعيهم الى تقزيم الاتحاد وحصر دوره في العمل النقابي الصرف. ان الاتحاد ولد وطنيا وسيبقى وطنيا وناضل على استقلاليته منذ 45 في صفاقس ضد النقابات الفرنسية وقد برزت خلال ذلك الوقت نقابة المستشفى الهادي شاكر الذي عاش مؤخر محاولات لضرب نقابته، ان قوة المنظمة الشغيلة وعنفوانها في تواصلها على هذا المنهج جيلا بعد جيل ورفض كل محاولات الوصاية التي حاول المستعمر القيام بها او بورقيبة او بن علي او النهضة الان. ان الحكام لا يؤمنون بحركة نقابية مستقلة بل يريدونها «تحت الضبوط» لتسييرها من وراء الستار خدمة لمصالحها. ان الاتحاد سيبقى حرا ومستقلا انشاء الله وما يثلج صدري كنقابي هو مواصلة رفع مشعل الدفاع عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فالرسالة لا زالت تجد من يحملها ويدافع عنها.