الرابعة على التوالي: الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز إف 35    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    نتنياهو: "إغتيال خامنئي سيُنهي الصراع".. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    حالة الطقس هذه الليلة    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    تظاهرة يوم الابواب المفتوحة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة .. فرصة للتعريف ببرنامج التكوين للسنة التكوينية المقبلة وبمجالات التشغيل    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    "صباح الخير يا تل أبيب"!.. الإعلام الإيراني يهلل لمشاهد الدمار بإسرائيل    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات نقابيين عاشوا أحداث 26 جانفي 1978
نشر في الشعب يوم 28 - 01 - 2012

رغم البوادر التي تكررت في أكثر من جهة في عهد ما قبل ثورة 14 جانفي 1978 فإن الذكرى كانت تمرّ وسط سكوت مقنع وفي ظل تعتيم كامل على أي بادرة في هذا السياق لأن تفاصيل الذكرى بها من الجراح والآلام والغبن ما يفجر ثورة.
هذه السنة يشاء شهر جانفي الطويل ان يزامن احتفالات الشعب بأول ذكرى لثورة الحريّة والكرامة التي أطاحت بالنظام السابق يوم 14 جانفي 2011 وبين احياء النقابيين لذكرى احداث 26 جانفي 1978 والتي يرى فيها النقابيون الانطلاقة الحقيقية لثورة 14 جانفي.
الاتحاد العام التونسي للشغل أعدّ هذه السنة ولأول مرّة على المستوى المركزي برنامجا لإحياء هذه الذكرى... «الشعب» وفي مواكبة منها لفعاليات هذه الاحتفالية رصدت شهادات لعدد من النقابيين وعائلاتهم الذين عاشوا احداث 26 جانفي ولعل ابرز ما وقفنا عنده التأكيد على ان العدالة الانتقالية تبدأ من هنا...
محمد علي خضر:العدالة الانتقالية تبدأ من هنا
الأخ محمد علي خذر أحد نقابيي قطاع النقل يتحدث عن 26 جانفي 1978 فيقول كانت جامعة النقل برئاسة الأخ عبد السلام جراد تعقد اجتماعا عاما بقاعة الاجتماعات بسوق هراس وذلك يوم 24 جانفي 1978 واثناء الاجتماع فوجئنا بمداهمة للقاعة من قبل مليشيات الحزب العاملة بالخطوط التونسية بقيادة المدعو حمادي الزيادي واضاف قوله لقد كانت بحوزتهم هراوات وعصي استطعنا ان نواجهها ببسالة ونقوم بتهريب الأخ عبد السلام جراد الذي كان مستهدفا وقد ساند جهودنا في ذلك الوقت عدد من موظفي الاتحاد العام اذكر منهم على سبيل الذكر البشير بندقة.
وقال الأخ محمد علي مواصلا حديثه جئنا من الغد اي 25 جانفي صباحا إلى ساحة محمد علي حيث طلب منا الاخ الحبيب عاشور تكوين لحماية الاتحاد فكنت احد اعضائها الملكفين بحماية مدخل دار الاتحاد والذي كان وقتها يغص بالنقابيين والاطارات من مختلف القطاعات ومن عدد كبير من اعضاء المكتب التنفيذي الوطني لكن وقع ان هاجمنا البوليس والميليشيا بالعصي والقنابل المسيلة للدموع وألقوا القبض على عدد كبر منا واركبونا سياراتهم عنوة وتحت الضرب والركل والسب والشتم وكل أنواع الاهانات وساروا بنا إلي مقراتهم بوزارة الداخلية ولم يخلوا سبيلنا إلا في ساعات متأخرة من المساء فذهبنا إلى ساحة محمد علي لنجدها مطوقة بالجيش والبوليس عندها ذهبت إلى مركز عملي بمستودع باب سعدون فوجدت اعداد كبيرة من العمال والنقابيين من مختلف المصالح محاصرين بالجيش وأمن النظام العام ومكثنا ليلتنا هناك نحمي المستودع والحافلات لنخرج صبيحة 26 جانفي باتجاه ساحة محمد علي حيث وجدنا المئات من النقابيين في مواجهات مع قوات انظام العام والمليشيات بينما كان البعض من القيادة داخل الاتحاد وما ان بدأ المساء يخيم حتى علمنا بالقاء القبض على القيادة وعدد من النقابيين فيما كانت المليشيات تسرق وتنهب وتحرق وقد تعرضت عشرات حافلات النقل إلى الحرق بشارع 9 افريل.
وما ان مرّ شهر تقريبا على الاستيلاء على دور الاتحاد وتدجينه حتى نشطت في أغلب المؤسسات آلة التأديب والطرد والنقل التعسفية وانا كنت أحد الذين طالتهم هذه الآلة فوقعت نقلتي تعسفيا إلى جهة قابس بتهمة جمع التبرعات للنقابيين المسجونين والمطرودين وقد قضيت هناك عامين ليتم مرة ثانية ابعادي الى فرع الشركة بمنزل بورقيبة مع المراقبة الادارية وقد تم ايقافي هناك لمدة اسبوع او اكثر بتهمة توزيع مناشير سرية وعندما وقع الافراج سنة 1980 على النقابيين وانجز مؤتمر قفصة عدت إلى سالف عملي بتونس.
واضاف الأخ محمد علي خذر حديثه قائلا انا استحضر هذه الشهادة اليوم لأقول ان هناك عائلات نقابيين ذاقت ألوانا من العذاب والمضايقات تفترض المرحلة مرحلة الثورة الحالية اعادة النظر في اوضاعهم المادية والمعنوية وتعويضهم عن ذلك حتى نكرس فعلا العدالة الانتقالية.
عبد القادر الناصري:
النضال من أجل الاتحاد ليس منة لكن رد الاعتبار أساسي
يذكر الأخ عبد القادر الناصري الذي كان نائبا نقابيا لسواق القطارات بجهة صفاقس ان الاحتجاج في صفاقس بدأ منذ يوم 22 جانفي 1978 عندما تم ايقاف الاخ عبد الرزاق ايوب الكاتب العام للاتحاد الجهوي مباشرة بعد كلمة صفاقس في الهيئة وبقينا بقيادة الاخ عبد العزيز بوراوي نتابع التطورات والاحداث خاصة ما يجري بتونس العاصمة وقد أمّن لنا هذا التواصل نقابيو اذاعة صفاقس عبر بث مباشر من دار الاتحاد تخللته اناشيد الشيخ إمام واستطعنا بجهة صفاقس ان ننفذ الاضراب العام بنجاح كبير جدار رغم آلة القمع والتعتيم على البيانات والبلاغات والاخبار القادمة من العاصمة لان الاتصال يكاد ينحصر في تلك الظروف على ما يحمله الهاتف ورغم هول ما وقع فإن ما وصلنا الا القليل فضلا عما كان يمارسه علينا بعض المنتمين إلى الحزب من تعتيم ومطالبة «بالهدوء والسكينة» لذلك لم نتبين الواقع بصورة جلية الا صبيحة يوم 27 جانفي عندما فوجئنا في دار الاتحاد بالبوليس يهاجمنا ويخرجنا من دار الاتحاد ويغلق ابوابها ثمّ ينطلق في عمليات القاء القبض على عدد كبير من النقابيين فيودعُونَ السّجنَ.
ومن الجهة الاخرى بدأت حملة طرد النقابيين من عملهم وفي قطاع السكة تم طرد عدد من المتربصين الذين انخرطوا بالاتحاد وتمت نقله عدد اخر إلى جهات نائية مثلما ما حدث معي حيث تمت نقلتي إلى جهة قعفور أين قضيت عامين لكن عدم انضباطي ومواصلة النشاط النقابي فرضت علي مرة ثانية النقلة من قعفورإلى تونس لكن هذه المرة باضافة جديدة تمثلت في تغيير خطة العمل من سائق الى عون اداري واستمر الوضع كذلك حتى تم بعد مؤتمر قفصة انتخابي كاتبا عاما الفرع الجامعي للسكك الحديدية بجهة تونس.
وانتهى الاخ عبد القادري الناصري للتأكيد على ان البعد النضالي للفرد في مثل هذه الظروف لا يمكن اعتباره منة على الاتحاد لكن ما يجب التذكير به ان حجم المعاناة والظلم والقهر والاستبداد يختلف من شخص الى آخر فهناك من سجن وهناك شردت عائلته وهناك من ظل عاطلا عن العمل لسنوات لذلك واقل ما يمكن الحديث عنه في هذه المناسبة هو اعلان العفو التشريعي العام وتعويض اضرار كل المستحقين.
صالح الشلي : هؤلاء تضرّروا
العلاقات كانت طيبة بين الحكومة والاتحاد وعلى إثر تصريح الزعيم الحبيب عاشور بانه لا يمكن لأي رئيس يأتي للحكم بعد بورقيبة إلا عبر صندوق الانتخابات ، الأحداث وقعت إثر توقف الحوار وإرسال الميليشيات لضرب الاتحادات الجهوية وهو من أجل فرض الحوار لكن الحكومة لم تستجب للمحاولات لتطويق الازمة حيث تدخلت عدة أطراف على غرار أبو إياد والسيزل والنقابات الأوروربية وتم ضرب الاتحاد وتم زج النقابيين في السجن .
أهم المتضررين كانوا حسين الكوكي وسعيد قاقي كذلك الحبيب عاشور و صالح برور وعبد السلام جراد إضافة إلى الأضرار المادية والمعنوية للنقابيين والعائلات في حياتهم اليومية وحيّى صالح الشلي كل من شارك وظلم واستشهد في أحداث 26 جانفي 1978.
وطالب بإحداث لجنة لبحث ملابسات أحداث 26جانفي وذكر كل من سجن وعذب خلال تلك الأحداث كذلك كل من تضرر من تجار وعمال كما طالب بفتح تحقيق حول أداء بعض القضاة في تلك المحاكمات وتجريمهم للنقابيين رغم براءتهم وطالب البعض منهم بإعدام عدد من النقابيين.
خير الدين الصالحي: 26 جانفي جاء من أجل العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة
الاخ خيرالدين الامين العام المساعد للاتحاد سابقا عاش احداث 26 جانفي 1978 من موقع القرار حول تفاعلات الوضع في ذلك الوقت وكيف عاش أحداث الخميس الاسود يتحدث يقول الاخ خير الدين أرى الثورة الحقيقية للشعب التونسي ضد واقعه الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي انطلقت فعلا من احداث 26 جانفي 1978 مضيفا ان الاتحاد العام التونسي بزعامة الاخ الحبيب عاشور كان يناضل في تلك الظروف على واجهتين:
الواجهة الاولى وتتعلق بالوضع الاجتماعي والاقتصادي حي انطلقت سنة 1975 السياسة التعاقدية وبدأت تظهر العقود المشتركة المنظمة للعلاقات الشغلية وبدأت معها الاسعار ترتفع وبدأ من واجب الاتحاد ان يتحرك في اتجاه مفاوضة الحكومة والمطالبة بتعديل الاجور لكن نهج الحكومة الليبرالي وتوغلها في نسق اقتصادي لم يعادل بين الاجور والاسعار حتى بدأ الوضع يتفجر في شهر رمضان من سنة 1977 وتعالت صيحات العمال لتنطلق عدة اضرابات في اغلب القطاعات وبدأت تتعطل لغة الحوار والتفاوض وأخذنا نسير نحو الوضع المعلوم والذي أدى إلى 26 جانفي 1978 الذي دارت أحداثه تحت شعار «خبز وماء ونويرة لا».
الواجهة الثانية وتتعلق بالحريات والعدالة الاجتماعية والديمقراطية إذ لا من الاتحاد بصورة واقعية وحقيقية مدى اختناق حرية التعبير والصحافة ومدى التضييق الذي كان مفروضا على أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ناهيك ان الجريدة الوحيدة التي كانت تعكس ارادة المجتمع والعمال في التعبير وابلاغ صوتهم هي جريدة «الشعب»... هذا الوضع بعث في الاتحاد شعور بالمسؤولية تجاه الشعب فبدأ العمل صلب هياكله وخاصة على مستوى المكتب التنفيذي الوطني بالتفتح على الديمقراطية والمطالبة بالحريات العامة والفردية وشجع الاتحاد على تكوين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ومثل الاتحاد في هيئتها التأسيسية الاخ الصادق علوش وبدأت مساندة احزاب المعارضة وتشكلت عديد النواتات المجتمعية العاملة على تحقيق الديمقراطية والحرية.
في ظلّ هذا المسار الذي اختاره الاتحاد قال الاخ الدين وجد فيه الحزب الحاكم أرضية للتشكيك في الاتحاد وفي هياكله وخاصة الاخ الحبيب عاشور وقد ترجم هذا التشكيك علانية من قِبَلِ الهادي نويرة الذي قال في اجتماع للحزب بمدينة تونس «العصا لمن عصى» ومن هناك انطلقت التهديدات ومؤامرات ضرب الاتحاد وهياكله وشعرنا داخل الاتحاد ان هناك شيئا يحاك ضد الاتحاد خاصة بعد تعثر المفاوضات في بعض القطاعات المتبقية وتمسك الحكومة بمواقفها رغم بعض الوسطات من شخصيات وطنية وما كان من الاتحاد الا ان قرر في مجلسه الوطني مبدأ الاضراب العام الذي تم تنفيذه يوم 26 جانفي وحدث الذي حدث من مداهمات لدور الاتحاد وتخريبها ومحاصرة النقابيين والزج بالقيادات النقابية في السجن وتم الاستيلاء على دارالاتحاد بساحة محمد علي.
ولذلك أضاف الاخ خير الدين قوله: نحن من اسس عبر هذه المرحلة التاريخية للثورة التي نشهدها الآن انطلاقا من شعار «خبز وماء ونويرة لا» ليتطور الان إلى شعار «حرية كرامة وطنية».
وختم الاخ خيرالدين الصالحي انطباعاته بهمسة للاتحاد على شاكلة لوم لتغييب قدماء النقابيين عن مؤتمر طبرقة.
عبد المجيد الصحراوي: كنت في قلب المعركة
لا شك في أن إحياء ذكرى حوادث 26 جانفي 78 تكتسي هذه السنة أبعادا خاصة، فهي تأتي في خضم الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة التي جاءت تتويجا لنضالات متراكمة عبر عشريات القمع وخنق الحريات، وحوادث 26 جانفي كانت إحدى المحطات التأسيسية الهامة في تجذير نضالية الشعب التونسي بمختلف شرائحه من أجل الدفاع عن حقه في الحرية والكرامة وإن الواجب يفرض اليوم:
أولا: إعادة الاعتبار وطنيا لهذه الذكرى الوطنية في تاريخ تونس الحديث.
ثانيا: احياؤها بشكل يساعد على كشف كل الملابسات المحيطة بها وخاصة فيما يتعلق بعدد الضحايا الذي يبدو أنه تجاوز 1200 ضحية حسب اعترافات أحد القيادات الأمنية في العهد السابق وقد أدلى بهذه الاعترافات اخيرا.
ثالثا: اعتبار ضحاياها من الشهداء، باعتبار أنهم قتلوا بالرصاص وفي غالب الأحيان من رصاص أطلق عليهم من الطائرة العمودية التي كان يركبها المخلوع زين العابدين بن علي لما كان مديرا عاما للأمن في ذلك الوقت
رابعا: جمع كل الوثائق والشهادات والصور، وتدوينها وحفظها باعتبارها جزء من الذاكرة الوطنية
خامسا: البحث في إمكانية نشر دعوى قضائية ضد المتسببين فيها وخاصة الذين أصدروا الأوامر ونفذوها وكشف المقابر التي دفن فيها الضحايا.
وفي اعتقادي أن الاتحاد العام التونسي للشغل مدعو بالدرجة الأولى إلى الاضطلاع بهذه الواجبات باعتباره المؤتمن قبل غيره من الأطراف على الذاكرة النقابية.
لم تكن حوادث جانفي 1978 هي الأزمة الأولى للاتحاد العام التونسي للشغل بل سبقتها أزمة 65 وتلتها أزمة 85 وكانت تلك الأزمات عناوين تاريخية بارزة للملحمة التي خاضها النقابيون والشغالون من أجل الذود عن حرية العمل النقابي والدفاع عن حرمة منظمتهم والنضال من أجل تكريس حق الشغالين في التنمية العادلة وحق شعبنا في الحرية والديمقراطية.
لقد اتسم النصف الثاني من السبعينات بازدياد التوترات الاجتماعية وارتفاع نسق الإضرابات. وكانت الحوادث الدامية التي جدت بمدينة قصر هلال والتي انطلقت من مؤسسة SOGITEX للنسيج الشرارة التي امتد لهيبها على إثر اصطدامات عنيفة والحركة التضامنية في عديد المؤسسات المجاورة في صيادة وبوحجر والمكنين وغيرها مما أدى إلى تدخّل الجيش واعتقال العديد من النقابيين والعمال وحصل ذلك في أوائل شهر أكتوبر 1977.
في تلك الأجواء المشحونة راج خبر التهديدات التي صدرت عن المدعو عبد الله المبروك الورداني باغتيال الزعيم الحبيب عاشور. واحتجاجا على ذلك التهديد السافر شن العمال بجهة سوسة إضرابا عاما يوم 9 نوفمبر 1977 وشمل الإضراب كل القطاعات وخرجت الجماهير العمالية في مظاهرة حاشدة جابت شوارع المدينة مرددة شعارات تدين العنف والإرهاب.
واقترن الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد يوم 20 جانفي 78 بتجمعات عمالية في مختلف دور الاتحادات الجهوية من ذلك الاجتماع العام الحاشد الذي انعقد بمقر الاتحاد الجهوي بسوسة الذي تعرض في ذلك اليوم إلى هجوم عنيف من عناصر الميليشيا المسلحة التابعة للحزب الحاكم والتي أحدثت أضرارا بالمقر وبعديد المناضلين.
لقد بقينا مرابطين وعددنا يزيد عن المائتين في ظروف صعبة حتى الساعة منتصف الليل من يوم الخميس 26 جانفي في مقر الاتحاد الذي كان محاصرا من طرف قوات الأمن والجيش بآلياتهم الثقيلة وعمدوا إلى قطع الماء والكهرباء والهاتف ثم تمت مخاطبتنا بواسطة مضخم الصوت ومطالبتنا بالاستسلام. وقد اقتيد النقابيون رافعين أيديهم تحت السلاح إلى مقرات البوليس التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مقر الاتحاد الجهوي حيث كان الاعوان يركلونهم ويضربونهم حتى وصولهم إلى تلك المخافر.
وجوبه الإضراب العام يوم الخميس 26 جانفي 1978 بالقمع والاعتقالات وسفك الدماء وأعلنت حالة الطوارئ. وقد خلفت تلك الحوادث الدامية عشرات القتلى ومئات الجرحى وامتلأت السجون بآلاف من العمال والمناضلين النقابيين ومن الشباب العاطل عن العمل المنتمين إلى الأحياء الشعبية المهمشة هذا وقد عمدت عناصر الميليشيا التابعة للحزب الحاكم إلى التخريب والنهب بغية توريط الاتحاد وإطاراته النقابية وتحميلهم مسؤولية الخراب الحاصل.
وفي محلات البوليس بالجهة بقي النقابيون عدّة أشهر في انتظار محاكمهم وكنت مع الأخوة المعتصمين تمكنت من الإفلات من قبضة البوليس وبقيت في حالة فرار طيلة شهر وبعد إيقافي تم حبسي بزنزانة منفردة على ذمة منطقة الشرطة ثم تم نقلي إلى مستشفى فرحات حشاد حيث وجدت بعض النقابيين في حالة صحية متدهورة وذلك جراء التعذيب وظروف الإيقاف أذكر من بينهم المرحوم عمر بلعجوزة والمرحوم الصادق قديسة .
لقد ذاق النقابيون شتى أنوع التعذيب في مقرات الشرطة واجبروا على توقيع محاضر بها لم يدلوا بها وانتزعت اعترافاتهم تحت التعذيب وكلنا يعرف ما حصل للمناضل المرحوم حسين الكوكي الذي مات تحت التعذيب وهو ما أكدته الشهادات الطبية ومنها شهادة الدكتور جغام .
محاكمة نقابيي سوسة:
انتصبت صبيحة 19 جويلية 1978 المحكمة الجنائية بسوسة برئاسة القاضي يوسف بن يوسف للنظر في قضية نقابيي الاتحاد العام التونسي للشغل بجهة سوسة الذين تم إيقافهم على إثر حوادث 26 جانفي.
وقد مثل أمام المحكمة 101 متهم (59 بحالة سراح و42 بحالة إيقاف).
لقد حوكمنا طيلة شهر أوت 1978 وكانت محاكمتنا علنية حضرها العشرات من المحامين المتطوعين والذين لعبوا دورا كبيرا ومشرفا كما حضرها الصحافيون والمراقبون وقد لعبت الصحافة ومنها جريدة الصباح حيث كان يعمل الأخ محمد العروسي بن صالح والذي غطى وقائع المحكمة بأمانة كبيرة وتعرض هو وزميله عبد الحميد القصيبي إلى التهديد والملاحقة وكذلك جريدة الرأي وجريدة la démocratie دورا في إنارة الحقيقة للرأي العام أنذاك كما لا ننسى الدور الكبير الذي لعبته الصحافة العالمية والتضامن النقابي الدولي وخاصة النقابات الأوروبية والعربية والمغاربية والعالمية كالسيزل بقيادة أمينها العام أتو كريستن وقد ساهمت حملة التضامن الواسعة في الرفع من معنويات عائلاتنا كما غذت فينا روح الصمود حيث خضنا إضرابات عديدة عن الطعام لاقت تعاطف حتى المساجين العاديين بسجني سوسة وتونس العاصمة.
وتمت إحالتنا بعدها إلى سجن 9 أفريل بتونس العاصمة حيث تعرفت على الزعيم الحبيب عاشور مباشرة وأذكر أنه قال لي حرفيا: «الحمد لله لم نكن وحدنا في هذه المرة إن الشباب والرأي العام الوطني والدولي معنا خلافا لأزمة 1965 وستثبت الأيام براءتنا وسنعود قريبا إلى اتحادنا وسيحاكم المجرمون الحقيقيون يوما».
هذه ذكريات أستحضرها وأتمنى أن لا أكون قد نسيت تفاصيل أخرى وأتمنى أن يستمر توثيق هذه التجارب والمحن لإثراء الذاكرة النقابية.
ولا شك في أن الاتحاد العام التونسي للشغل بنضالاته ورجالاته وتضحياته سيبقى رقما أساسيا في المعادلة الوطنية وحصنا حصينا لحماية الشغالين بالفكر والساعد من كل أشكال الاستغلال والحيف الاجتماعي وسيبقى رمزا خالدا للنضال من أجل الحرية والكرامة، ونحن معتزون اليوم أيما اعتزاز بأن نرى جماهير الشغالين من أبناء تونس وبناتها في الصفوف الأمامية لثورة الرابع عشر من جانفي 2011 ثورة الحرية والكرامة.
صالح الصيد: هكذا عذّبونا
من الذين تم إيقافهم سنة 1978 نذكر الأخ صالح الصيد الكاتب العام السابق للجامة العامة للنسيج من اجل مواقفه النقابية وقد تم سجنه وإيقافه عن العمل وقد اكد تعرضه للتعذيب المعنوي والمادي ورغم تبرئته فيما بعد في القضيتين المنشورتين انذاك ضده الا انه لم يتم التعويض له.
وأكد صالح الصيد انه مورس ضده أبشع أنواع التعذيب كما اصبح يعاني من عدة امراض منها السكري والاعصاب وضعف البصر.
ويطالب الاخ صالح الصيد بفتح ملف 26 جانفي 1978 وكذلك ملف جانفي 1984.
كما تطالب عائلة الفقيد سعيد ڤاڤي بالمحاسبة وفتح ملف وملابسات وفاة والدهم الذي تم تعذيبه من قبل اعوان وزارة الداخلية في احداث جانفي 1978 مذكرة بالمأساة التي مرت بها نتيجة فقدان والدها مطالبين برد الاعتبار لفائدة كافة الضحايا الذين مورس عليهم التعذيب المادي والمعنوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.