ان معاينة اولية لعدوى الحرية التي انتقلت كالنار في الهشيم من تونس الى قلب الشرق الأوسط لم تعلن عن حالة الطوّارئ في مصر فقط بقدر ما قرعت ناقوس الطوارئ في المنطقة بأكملها، ولنكن اكثر دقة فإننا إزاء ناقوس الرعب بالنسبة إلى الغرب الذي يجاهد في حماية المصالح الاسرائيلية وأمنها من الدول المحيطة كما ان الاحتجاجات الاشد هذه التي يعيشها المصريون والمستلهمة من حيث السيناريو من نموذج الثورة التونسية الاكبروالاهم من الانتفاضات السابقة تلك التي حدثت زمن السادات والتي خصت المحاكمات عن المسؤوليات في حرب اسرائيل وأيضا عن ثورة الخبز المصرية في السبعينات تبعا لذلك هنالك حتما تطابق ونوع من التشابه في سيناريو عدوى الحرية في السياق العربي وهو ما سنتدرج في بحثه سعيا إلى تعميق معناه مسائلين عن القواسم المشتركة ونقاط الاختلاف بين الثورة في تونس وبدايات الغضب في مصر التي احتذت عَلَنًا بالنموذج التونسي امتد من الشعارات المرفوعة الى الحق في العيش الكريم. من الواضح ان الشعب المصري هو الاخر اصبح في اشد الحاجة الى التغيير بما هو ضرورة حيوية وهو لا يعني تغييرا للحكومة كما فعل مبارك مدركا ضمنيا ان الحكومة لا تعمل الاّ بقراراته بل تغييرا للنظام ذلك ان الشعب والشارع المصري هوايضا يستشهد بالتجربة التونسية من حيث مبدأ المطالبة بالكرامة ووضع حدّ للتوريث والفساد الشائع بكثافة غير مسبوقة وانتخابات أكثر تزويرا في تاريخها كما ان السياسة الاقتصادية وتحديدا الزراعية بعد الازمة الغذائية لم تتغير وهو ما ينبئ بتواصل مؤشرات البؤس والفقر. ان القواسم المشتركة كثيرة وهي تمظهرات يمكن رصدها داخل الشارع وفي سلوك الحكومات. فهذه الثورة في مصر دون قيادات معارضة ودون ممثلين أو رموز كما ان الاخوان المسلمين لم يقوموا بتأطيرها وان انضموا في ما بعد الى صفوف الشعب وهذا حسب تقديرنا يحسب لمصلحة الشعب المصري في عفوية حراكه السياسي النابع من عدوى الحرية. كما ان نقاط الالتقاء كامنة من خلال اجهزة الاتصال الحديثة والانترنات واساسا الفايسبوك الذي اصبح الساحة الجامعة التي تلتقي فيها مجمل الحساسيات السياسية على اختلافاتها لتعبر عن احتجاجاتها وتنظمها في شكل احتجاجات ومسيرات وهو تقريبا في تونس ورغم ان السلطات المصرية قد قطعت جميع وسائل الاتصال حين تجذرت الاحتجاجات وذلك نفس الشأن الذي حدث على خلفية الثورة التونسية الا ان هذه القرارات أتت متأخرة. ومن جانب آخر فان الانتفاضة او الثورة المصرية انطلقت شرارتها هي الاخرى من الباطن وعموم الشعب وليس من نخبة كفاية او الاخوان المسلمين وهي نوع من تماهي القاعدة الشعبية وضرب من الحرية المعدية التي كان المصريون في حاجة إليها على ضوء احداث الثورة الى حد جعل التماهي يصل الى الشعارات المرفوعة وأشهرها (dégage). ان رد حكومة مبارك لم يختلف ابدا عن الرد التونسي فظهور الرئيس المصري على شاشة النيل شهد تأخرا قبل ان يجد نفسه مضطرا الى المساومة التي لن يقبل بها الشعب المصري كما لم يقبلها الشعب التونسي. ومن الواضح ايضا ان البيئة التي تعمل فيها المعارضة في مصروتونس زمن بن علي ومبارك تبدو بيئة غير جاهزة للتكفل بالوضع وذلك لانعدام المناخ الديمقراطي وبالتالي فان الشارع هو الذي سيجذر ويحدد شكل المعارضة ويقويها في زمن ما بعد الثورة. اما عن الفوارق فيمكن القول من منظور جغراسياسي انه لا توجد مصالح استراتيجية مشتركة بين تونس وأمريكا بقدر الشاكلة المصرية التي تلامس في حدودها اسرائيل اي الحليف الاكبر للولايات المتحدةالامريكية، وقد لا حظنا تبعا لذلك ان الغرب قد وضع يده على قلبه وأعلن عن قلق كبير من تصريحات اوباما والخارجية الامريكية والخارجية الفرنسية. ويمكن اعتبار رسالة البنتاغون الى قيادات الجيش المصري الداعية الى الالتزام بضبط النفس قنبلة صامتة في غاية الخطورة ومن ضمنها يمكن ان نفهم انه في حالة تعاطف الجيش مع الشعب وعصيان قرارات القائد الاعلى للقوات المسلحة الممثل في شخص حسني مبارك فان هنالك تدخلا امريكيا لا ندري على اي شاكلة سيكون على خلفية ان اسرائيل ستعيش حالة خطر وبشكل مباشر.